التنبؤ بارتفاع مرعب لمستوى سطح البحر

سان فرانسيسكو San Francisco هي مدينة محاطة بالمياه من ثلاث جهات، بل يجوز القول إنها محاصرة أكثر مما هي محاطة، فالمد العالي يصل أحيانًا إلى أرصفتها، وارتفاعُ مستوى البحر مستقبلًا يهدد الطرق والمنازل والبنى التحتية. هنا يتوجب الإشارة إلى أنّ المدينة قد أصدرت الأسبوع الماضي خطة عمل -هذا صحيح، خطة للقيام بخطة- لحماية المناطق الساحلية والسكان من ارتفاع مستوى سطح البحر.

قد تكون مدينة سان فرانسيسكو في الطليعة من حيث البدء بخطوات العمل، إلّا أنها ليست المنطقة الوحيدة المعرّضة للخطر. ربما يقوم المد العالي برفع كل القوارب، لكنّ ما يحصل هو بمثابة جحيم للحضارة الساحلية. تحذر دراسة نشرت اليوم في مجلة Nature Climate Change من أنّ ارتفاع منسوب المياه مستقبلًا قد يؤدي إلى تشريد عدد أكبر من الناس، مما تنبئت به الدراسات السابقة.

إن هذه الدراسات التي تتعلق بفيضانات المناطق السياحية كانت نتيجة جمع قاعدتيْ بيانات، النصف الأول هو خرائط فيضانات المناطق السياحية، ومهمتها بشكل أساسي إظهار أماكن ارتفاع منسوب البحر عن التضاريس الموجودة. بوضوح أكثر، زد قوة مياه الصنبور، وانظر إلى الخلجان والجزر في المستقبل. مادمنا غير قادرين على تحديد متى سيرتفع مستوى البحر ستبقى هذه الأمثلة غير مثيرة للجدل (سنتحدث عن هذا الموضوع لاحقًا).

عنوان بالأسود العريض: إن ارتفاع مستوى سطح البحر بثلاثة أقدام يؤثر على ٤.٢ مليون شخص، في حين ارتفاعه بقدر ستة أقدام يؤثر على ١٣.١ مليون شخص.

من ناحية أخرى، يصعب تصنيف نماذج السكان مما يجعلنا نتذكر أمورًا بسيطة ومثيرة للاهتمام فيما يتعلق ببيانات التعداد: إحدى الطرق الكثيرة لتصنيف الناس هي بفصلهم وفقًا لما يلي:

  1.  أولئك الذين يتحمسون لقراءة بيانات التعداد.
  2.  أولئك الذين لم يعد يهمهم الأمر.


لكنّ هذه المشكلة أعمق مما نظن. استطلاعات التعداد تجمع السكان (الكثافات السكانية) في مناطق جغرافية معينة. الولاية، المقاطعة، منطقة التصويت وهلم جرًا. إن كنت ترغب في معرفة النمو السكاني على طول الشريط الساحلي المعرض للغرق، أنت بحاجة إلى بعض البيانات التي تخص التعداد.

 

إنّ بيانات تعداد موثوقة تلك التي تحدث على مستوى المقاطعة. ويقول ماثيو هاور Mathew Hauer، ديموغرافي من جامعة جورجيا في أثينا وأحد المؤلفين المشاركين في الدراسة: "يفترض الناس أن التضاريس هي ذاتها في جميع أنحاء البلاد". هذا لأن المقاطعة بأكملها تقع في منطقة فيضانات.

معلومات بسيطة من بيانات التعداد، "لكنّ مكتب الإحصاء يعيد رسم الحدود كل عشر سنوات"، هذا ما قاله هاور Hauer. لنتخيل أنك تريد أن تعرف كيف تقلص أو ازداد عدد السكان في منطقة ما مع مرور الزمن، لكنك في كل مرة تقوم بمراجعة الحدود تجد أنها باتت تضم عددًا أكبر أو أقل من السكان.

 

قم بتصميم هذا المثل حتى يشمل كل الولايات المتحدة الأمريكية. لقد باتت هذه المشكلة واسعة الانتشار لدرجة أن الجغرافية أوجدت لها اسمًا خاصًا: مشكلة استخدام التعديل المساحي The Modifiable Areal Use Problem. حتى إن لديها اختصارًا خاصًا بها وهو MAUP. لذلك فإن MAUP هي التي تجعل من المستحيل مقارنة البيانات السكانية مع مرور الوقت، لأنه لا يسمح لك باكتشاف الزيادة والنقصان في عدد السكان بصرف النظر عن تغيير الحدود.


قام هاور Hauer وشريكه بحل المشكلة عن طريق حساب عدد المنازل في كل مجموعة سكنية، ثم قاموا ببناء أداة إحصائية تمكنهم من حساب المنازل التي فقدت أو بنيت مع مرور الزمن. وقد استخدموا بيانات التعداد ابتداءً بعام ١٩٤٠، وهذا ما أتاح لهم معرفة معدلات نمو السكان في هذه المناطق الساحلية الضيقة. إنْ افترضنا أنّ معدلات السكان هذه بقيت كما هي عليه فإن هذا يعني أنهما سيتمكنان من معرفة معدلات نمو السكان حتى عام ٢١٠٠.

وقد كانت النتائج جذرية جدًا. ارتفاع ثلاثة أقدام في مستوى سطح البحر يؤثر على ٤.٢ مليون شخص، في حين أن ارتفاع ستة أقدام من شأنه أن يؤثر على ١٣.١ مليون. وهذا أكبر بكثير من المعدلات السابقة. كإحدى الدراسات التي نشرت في Global Environmental Change عام ٢٠١٣ والتي قدرت عدد المعرضين للخطر من ارتفاع منسوب مياه البحر بين ١.٨ إلى ٧.٤ مليون شخص.


وهذا مقلق إلى أن نضع سان فرانسيسكو في حسباننا. إن نجحت خطة عمل المدينة فيما يخص ارتفاع مستوى سطح البحر هذا يعني أن المد العالي لن يجبر أحدًا على الانتقال (من ناحية أخرى قد تزداد أسعار الإيجار). الشيء ذاته بالنسبة للأماكن الأخرى المعرضة للغمر الساحلي.

 

وقد تضررت العقارات الساحلية الملاصقة للمحيط من هذه الدراسات، لأن ارتفاع مستوى سطح البحر لن يسبب هجرة من كانوا لا يسكنون على ضفاف السواحل أساسًا. وهذه تشبه أثر الفراشة، من المستحيل حسابها على المدى الطويل في نموذج السكان. يقول مايكل كيرني Michael Kearney، أخصائي في علم المحيطات في جامعة ماريلاند وأحد المشاركين في تأليف التقدير السكاني لعام 2013، "إذا نظرت إلى مرحلة الثلاثينيات والأربعينيات وحاولت الحصول على معلومات التزايد السكاني حتى عام ١٩٨٠، ربما تحصل على بعض المعلومات إن تركت نوسترادموس يقوم بهذا العمل عوضًا عنك".

 

ويضيف، "لكن الكثير من هذه الدراسات تعتمد على أشياء نحن لا نعرفها أساسًا". كما أنه قد قام بحصر الأحداث مثل الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية، وطفرة المواليد، قائلًا: ليس هنالك وسيلة لمعرفة ما هي الأحداث الأخرى التي من الممكن أن تُحدث تحولًا في الاتجاهات الديموغرافية بين الآن وعام ٢١٠٠. يقول كيرني Kearney أنه لن يشارك بعد اليوم في توقعات خطيرة ذات مدى بعيد.

ويقرّ هاور Hauer أنه يقوم ببناء بحثه على الشك باستخدام الكثير من الافتراضات. يقول: "نحن لا نعلم ما هي خطة السياسات العامة، مثل جدران للبحر أو ما شابه". ثم يضيف "لقد حاولنا النظر إلى التغذية الراجعة ما بين ارتفاع مستوى البحر وكثافة السكان". هل سيبقى الناس أم أنهم سيغادرون الأماكن التي ستغمرها مياه البحر؟

إن كل هذا لا يعد مشكلة عند التنبؤ بارتفاع مستوى سطح البحر. نحن نعلم أن المياه ترتفع لكن المشكلة تكمن في أننا غير قادرين على معرفة حد ارتفاعها. على سبيل المثال، أظهرت دراستان حديثتان أن ارتفاع مستوى سطح البحر يتسارع بمستويات لم تكن متوقعة من قبل. حتى وإن تم تضمين هذه الأبحاث في بيانات ارتفاع مستوى سطح البحر الخاصة بـ NOAA والتي استخدمت في هذه الدراسة (في الحقيقة لم يتم تضمينها) فإنها لن تكون كافية لطباعة منشورات عن الشاطئ لعام ٢١٠٠.

لكن هذا لا يعني أن لا طائل من البحث. يقول كيرني "أداة التخطيط الجيدة هي التي تعطيك فكرة عما سيحصل حتى وإن لم تظهر لك ما سيحصل تمامًا. لكن هذا لا يعني أن البحث لا طائل منه". ويضيف: "ستكون هذه الأبحاث ذات فائدة أكبر للمخططين، إن قامت بالتركيز على المدى القريب". ومع وجود الاتجاهات المتلاحقة والتكنولوجيا المتنامية قد نصبح قادرين على معرفة ما سيحصل في ثلاثينيات القرن الحالي". إن الوقت الأفضل لبناء جدار محاذاة البحر كان منذ عشرين عامًا، إلا أنّ الوقت الراهن صالح أيضًا للقيام بهذا العمل. 

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الإدارة الوطنية للغلاف الجوي والمحيطات (NOAA): وهي منظمة حكومية أمريكية تعنى بدراسة الغلاف الجوي والمحيطات، وNOAA اختصار لـ National Oceanic and Atmospheric Administration.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات