الأعشاب البحرية... لا تقتلها السموم فيقتلها البشر!

هل السموم سيئة؟


سؤال تطرحه دراسة جديدة جاءت بنتائجَ مذهلةٍ وهي أن الأعشاب البحرية قادرة على النمو والازدهار في القيعان البحرية السامة لقدرتها على الاستفادة من السموم والتخلص من الزائد منها. مع ذلك، فإن إجهاد هذه النباتات يؤدي إلى الحد من قدرتها هذه بل وموتها. وللأسف فإن هذه الأعشاب البحرية يتم إجهادها بشكل متزايدٍ في جميع أنحاء العالم مما يحد من قدرتها على التخلص من السموم ويشكل خطراً حقيقياً على وجودها.

فما هي الأعشاب البحرية؟


الأعشاب البحرية تختلف عن الطحالب البحرية، فهي نباتات كاملة لها زهور وأوراق وجذور مثل النباتات الأرضية تماماً، كما أنها قادرة على إنتاج البذور والتي يمكن أن تُزرع في قاع البحر وتغدو نباتات جديدة. هناك تقريباً 60 نوعاً من الأعشاب البحرية في العالم، مثل "اليلجراس" eelgrass أو Zostera marina وهي من الأعشاب الشائعة التي تنمو في المناطق ذات درجات الحرارة المعتدلة.

أين تنمو الأعشاب البحرية؟


تنمو مروج الأعشاب البحرية بطول معظم القيعان في المناطق الساحلية في العالم حيث أن هذه المناطق توفر موطناً هاماً للعديد من أشكال الحياة. ولأن مروج الأعشاب البحرية فُقدت في كثير من الأماكن وأصبحت قليلة العدد بشكل خطير في أماكن أخرى، فقد بذل الباحثون جهدهم لمحاولة فهم ما يحصل لها في محاولة للحد من اختفائها. وقد وجد البيولوجيون في جامعة جنوب الدنمارك حلقة مهمة جديدة تساعدهم في فهم حياة الأعشاب البحرية.

ما هو سم الكبريتيد؟


يُعرف سم الكبريتيد منذ زمن طويل بأنه أحد أخطر التهديدات على الأعشاب البحرية. ولكن الكبريتيد يتواجد بصورة طبيعية في قيعان البحار حيث تنمو هذه الأعشاب، وهو ما يميز قاع البحر برائحة البيض العفن الناتجة عن الكبريتيد ونقص الأوكسجين. وقد ذكرت إحدى النظريات الشائعة أن الأعشاب البحرية لا يمكنها التعايش مع سم الكبريتيد وأن تزايد كمياته نتيجة التلوث له آثار سلبية على الأعشاب البحرية.

ولكن أنسجة الأعشاب البحرية تمتص الكبريتيد!


هذا ما أوضحه كلٌّ من هارالد هسلر شيتال Harals Hasler-Sheetal الباحث في دراسات ما بعد الدكتوراه، والبروفيسور "ماريان هولمر Marianne Holmer وكلاهما من قسم الأحياء في جامعة جنوب الدنمارك، حيث أظهرت أبحاثهم أن الأعشاب البحرية ليست فقط قادرةً على حماية نفسها من سم الكبريتيد، بل إنها أيضا تمتص الكبريتيد وتقوم بالاستفادة منه. فقد أظهرت الدراسة أن الأعشاب البحرية تحمي نفسها من ثلثي كمية الكبريتيد التي تدخل إلى جسمها من قاع البحر المسمَّم، وأن الثلث الباقي تمتصه الأنسجة النباتية لكي تقوم أنزيماتها بتحويله إلى عناصر مغذية ومفيدة.

إذًا أين المشكلة؟


على الرغم من ذلك تواجه هذه الأعشاب خطر الموت. حيث أكّد هارالد هسلر شيتال أن هذا الاكتشاف لا يعني بأن الأمور على ما يرام. فقد أوضحت الدراسة أيضاً أن هذه الأعشاب البحرية لا يمكنها فعل ذلك تحت كل الظروف، وأنه عندما يتم إجهاد الأعشاب البحرية تقل قدرتها على إزالة السموم وتصبح غير قادرة على حماية نفسها، هذه الأعشاب تشبه تماماً الإنسان المجهد الذي تقلُّ قدرته على تنفيذ أعماله على أكمل وجه، فعندما يتم إجهادها تنمو بصورة أبطأ وتكون عرضة للموت كالذي يحدث لها الآن في مناطق عديدة في العالم.

لكن ما هي العوامل التي تتسبب في إجهاد الأعشاب البحرية؟


أوضحت الدراسة أن هناك عدة عوامل تتسبب في إجهاد الأعشاب البحرية وتجعلها تفقد قدرتها على حماية نفسها من الكبريتيد:

  •  الماء العكر: حيث إن الماء العكر يمنع وصول ضوء الشمس إلى النبات ما يجعله غير قادر على إنتاج الأكسجين الكافي ليزيل منها سموم الكبريتيد.
  •  درجات الحرارة المرتفعة: تعاني الأعشاب البحرية من مخاطر نقص انحلال الأكسجين في الماء عندما ترتفع درجة حرارته ما يحُد من قدرتها على إزالة سموم الكبريتيد.
  •  تصريف المواد المغذية: عندما تصل الأسمدة من الأرض إلى المياه في المناطق الشاطئية الضحلة، فإن العديد من المواد المغذية تُحمل ضمن الماء مما يسبب نمو العوالق النباتية والطحالب لتقوم بحجب ضوء الشمس واستهلاك الأكسجين الموجود في الماء لتخفض من تركيزه المنحل اللازم للأعشاب البحرية وبالتالي تنخفض قدرتها على إزالة سموم الكبريتيد من نفسها.


كيف تحمي الأعشاب البحرية نفسها من الكبريتيد؟


في الخطوة الأولى، تصنع هذه الأعشاب حاجزاً من الأكسجين حول جذورها لا يسمح للكبريتيد أن يخترقه إلى الأنسجة الداخلية لها، لتحمي نفسها بذلك من ثلثي الكبريتيد المحيط بها. حيث تقوم الأعشاب بإرسال الأكسجين إلى الأسفل نحو الجذور لينتشر خلالها، ويمكن للأعشاب أن تحافظ على هذا الحاجز من الأكسجين في ضوء النهار أثناء قيامها بعملية التركيب الضوئي. وعند المساء ينتشر الأكسجين من الماء إلى الجذور حيث يُستخدم جزء منه في أكسدة الكبريتيد إلى كبريت وهو مادة غير ضارة يطلقها النبات عبر قنوات هوائية.

وفي الخطوة الثانية، يسمح النبات للثلث الباقي من الكبريتيد أن يخترق الأنسجة النباتية وهذا يحدث غالباً في المساء حيث تقل كمية الأكسجين في الحاجز الأكسجيني، وبمجرد دخول الكبريتيد إلى النبات تقوم الأنزيمات بتحويله إلى مواد مغذية مفيدة. المشكلة هي أن الأعشاب البحرية لا تستطيع الحفاظ على هذه الآلية ما لم تحصل على كمية كافية من الأكسجين. كما يلزمها أيضاً أن تحصل على 10% من ضوء الشمس كحد أدنى لتتمكن من إنتاج الأكسجين الكافي لحماية نفسها.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات