قوة صدفة البحر تُلهم اختبارات الإجهاد!

إنّ للرخويّات - التي تمتلك أحشاءً ناعمة - تركيباً خارجياً مُهندَساً لحمايتها في الظروف القاسية، لذلك بدأ مهندسون من المعهد الهندي للعلوم وجامعة رايز بدراسةٍ لفهم السبب الكامن وراء ذلك.

عبر محاكاة المسكن الطبيعي "المتحرك" للرخويات، تعلّم المهندسون كيف تصمد الأصداف عندما تتعرض للضغوط الاستثنائية الموجودة في قاع البحر، ويكمُن هدفهم في تعلّم الأمر الذي يدفع تلك الهياكل الخارجية المتينة إلى التطور بذلك الشكل، وفي معرفة كيف يُمكن لمفاهيمها الميكانيكية أن تُكيَّف للاستخدام في بُنى بحجم الإنسان، مثل العربات والمباني.

صنع فريق يقوده تشاندرا سيغار تيواريChandra Sekhar Tiwary، وهو طالب متخرج من معهد العلوم الهندي وزائر في جامعة رايز، محاكاة حاسوبية ومتغيرات مطبوعة بالأبعاد الثلاثية لنوعين من الأصداف لإجراء اختبارات الإجهاد عليها، إضافةً إلى تطبيقها على الأصداف الحقيقية التي جمعها تيواري من الشواطئ الهندية.

اكتشف الباحثون أن تلك البنى التي تطوّرت على مدى دهور ليست فعالة فقط في حماية ساكينيها، وإنما فعالة أيضاً في إعادة توزيع الإجهاد نحو مواقع لا ترغب تلك الرخويّات بالوجود فيها.

نُشرت نتائج ذلك البحث في مجلة "Science Advances" التابعة للجمعية الأمريكية لتطوير العلوم. الأصداف مصنوعة من عروق اللؤلؤ (Nacre)، والمعروفة أيضاً بـ "أم اللؤلؤ"، وهي مصفوفة قوية ومرنة ومكونة من مواد عضوية وغير عضوية دُرست مؤخراً من قبل مهندسين آخرين في جامعة رايز على أنّها نموذج للقوة والصلابة.

أخذ تيواري وزملاؤه بحثهم في اتجاهٍ آخر لاكتشاف كيفية بقاء أصداف البحر مستقرةً، وكيف تُعيد توجيه الإجهاد لتقليل الضرر عندما يحصل فشل ما. برهنت حساباتهم أن أشكالها المميزة تجعل من الأصداف أفضل بحوالي "الضعف" عند تحمل الأحمال مقارنةً بعروق اللؤلؤ لوحدها.

فحص الفريق نوعين من الرخويّات: "ذوات الصدفتين" Bivalves وهي حيوانات تمتلك هيكلين خارجيين منفصلين ومرتبطين بمفصل (كما هو الحال مع أصداف البحر)، ورخويّات الـ Terebridae التي تُخفي نفسها داخل أصداف على شكل برغي.

في حالة أصداف البحر، فإن الشكل نصف الدائري وقوة الضلوع المنحنية تركز إجهادها عند المفصل، في حين أن "البراغي" تُركز الأحمال نحو المركز، وبعد ذلك إلى القمة الواسعة.

وجد الفريق أنّ مثل هذا "الأمْثَلَة" (Optimization) يسمح بظهور الأجزاء فقط في الأماكن التي ستكون فيها أقل عرضةً للأذى داخل الحيوان. ويقول تيواري، وهو عضوٌ في مختبر "العالم بوليكل آجيان للمواد" في جامعة رايز: "تُحافظ الطبيعة على جعل الأشياء تظهر جميلة، لكن لا ننتبه في الواقع إلى السبب الكامن وراء ظهور تلك الأشياء على ما هي عليه".

بدأ تيواري العمل مع كامانيو كاتاوبادهايا Kamanio Chattopadhyay، أستاذ علم الميكانيك في معهد العلوم الهندي في بانغالور. لاحظ الباحثون أيضاً أن المهندسين استخدموا مفاهيم ميكانيكية قادمة من أشكال طبيعية مثل أصداف المناقير، وأسنان القرش لتصميم الدروع الحامية، والأجزاء الآلية التي تُخفّض من قوة التصادمات. لكنهم كتبوا أنّ أصداف البحر تُمثل واحدةً من أفضل الأمثلة على الأمْثَلَة لمعالجة الأحمال الميكانيكية المتغيرة.

في الوقت الذي ساهم فيه علماء البيولوجيا والرياضيات والفنانون في رواية قصة أصداف البحر، فإن علماء المواد "لم يحاولوا التفكير بتلك الأشكال المعقدة، لأن صناعتها ليست بالأمر السهل" وفقاً لتيواري. لكن التطور السريع للطباعة ثلاثية الأبعاد (3-D printing) جعل الأمر أسهل. حيث يقول تيواري: "بمساعدة الطباعة ثلاثية الأبعاد، يُمكن توسيع تلك الأفكار لتشمل عالم الواقع الأكبر".

طبع الباحثون أصداف بولميرية على شكل مروحة، وشمل الأمر بعضاً من الأصداف التي لا تمتلك مميزات تقارب الضلوع، وصنعوا أيضاً مخاريط تُحاكي البراغي، لكن دون وجود تعقيدات.

وجد الفريق أن المراوح عديمة الضلوع أقل فعالية بكثير في إعادة توجيه الإجهاد عند قاعدة المروحة، وهي تنشره إلى ثلاث مناطق منفصلة على طول الصدفة. في حين ظهرت في النهاية شقوق في المراوح، وتلك الشقوق ظهرت بالقرب من القاعدة في كلٍ من الأصداف الحقيقية وتلك المطبوعة.

أما توزع الإجهاد في البراغي المعقدة فكان مختلفاً بالكامل وفقاً للباحثين، إذ تصدى القلب الداخلي المتين للصدفة لمعظم الدفع، وخفف الإجهاد عن السطح الخارجي وحوله نحو الحلقة الموجودة في قمة البرغي. بشكلٍ عام، وجد الباحثون أن البرغي أفضل من الأصداف الثنائية عندما يتعلق الأمر بحماية محتواها.
يقول تيواري: "هناك الكثير من الأشكال الأكثر تعقيداً من ذلك، وقد تكون أفضل مما درسناه بالنسبة للهياكل الجديدة".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأمثلة (optimization): هي اختيار العنصر الأفضل، بالنسبة لمعيارٍ معين، من مجموعة من البدائل المحتملة.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات