تعلم الآلة يتنبأ بمصير مرضى الغيبوبة

في بعض الحالات، كل ما يتطلبه الأمر هو ضربة قوية على جانب الرأس.
 

عندما يقع شخص ما في غيبوبة Coma فإنه يفقد جميع وظائفه الحركية، ويتباطأ نشاط الدماغ بشكل ملحوظ لديه، في معظم الحالات لا يمكن لأي محفز خارجي (مثل الضوء أو الحركة) أن يوقظه، من الصعب جداً تحديد وضعه المستقبلي، فهل سيستيقظ مرةً أخرى؟


يعمل أخصائيو الأعصاب الصينيون في أكاديمية العلوم Academy of Sciences والمستشفى العام PLA General Hospital في بكين بجدٍّ لتطوير أداةٍ تساعد الأطباء على تقييم ذلك الوضع بالضبط، وهم يمتلكون ميزة تفوق تكنولوجي لم تمتلكها أجيال من الأطباء قبلهم: تعلم الآلة.


الخوارزميات كالتي سنتحدث عنها هي جزء من ترسانة متنامية من الأدوات المُقادة بالبيانات، والتي يمكن أن تساعد أفراد الأسرة المنقادون بالعواطف والأطباء على اتخاذ قرارات صعبة بشأن علاج المريض، أو تحديد الوقت الذي ينقطع فيه الأمل كلياً.
 

قام الباحثون بتغذية خوارزمية تعلم الآلة ببيانات الرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI الخاصة بالآلاف من مرضى الغيبوبة، وقد ساعدهم ذلك على فهم مدى احتمال استيقاظ مريض معين. وكما تبين، فإن النتائج واعدة للغاية فقد قال الباحثون لصحيفة ساوث تشاينا مورنينج بوست South China Morning Post: "لقد تنبأنا بنجاح بعدد من المرضى الذين استعادوا وعيهم بعد أن تحدد في البداية عدم وجود أي أمل لهم في الشفاء".


ووجد الباحثون أن الخوارزمية كانت دقيقة بنسبة 90%، وقد استخدموا هذه التقنية بالفعل على أكثر من 300 مريض من جميع أنحاء الصين، وهم يأملون أن تساعد التقنية أكثر من 50,000 مريض يعانون من اضطراب مزمن في الوعي في الصين.


حقوق الصورة Thomas Schultz/Victor Tangermana
حقوق الصورة Thomas Schultz/Victor Tangermana


يقول باسكال كوفمان Pascal Kaufmann، عالم الأعصاب ومؤسس شركة ستارمايند Starmind السويسرية التي تعمل على تطوير ذكاء اصطناعي قادر على مساعدة الموظفين في الشركات الكبيرة على التواصل مع بعضهم البعض: "قد تبدو المخاطر كبيرة، لكن مرضى الغيبوبة في الواقع هم التطبيق المثالي لهذا النوع من تكنولوجيا تعلم الآلة"، ويؤكد أن الآلات في الحقيقة تُعدّ أفضل من البشر في تحليل هذا النوع من البيانات البيولوجية المعقدة، فيقول: "هذه الآلات لا تفعل شيئاً سوى ما يفعله البشر، إنها تنظر إلى نفس مجموعات البيانات، وتفعل نفس الشيء تماماً، إلا أنها تفعل ذلك أسرع وبموثوقية أكبر بمليون مرة".


لا يقترح الباحثون في بكين أنه يجب أن تكون للآلات الكلمة الأخيرة في تقرير ما إذا كان مرضى الغيبوبة سيعيشون أم سيموتون. يقول يانغ يي Yang Yi الطبيب في قسم جراحة المخ والأعصاب في مستشفى PLA العام وهو باحث في المشروع: "عندما نبلغ عائلةً ما بالنتيجة التي توصل إليها الذكاء الاصطناعي فإننا نخبرهم دائماً أنه يجب ألا يؤثر ذلك على قرارهم بنسبة أكبر من 20 إلى 50%".


يوافق كوفمان على ذلك، حيث أن تقييم نظام الحاسوب يجب أن يكون مهماً فقط إذا أظهر أن مريض الغيبوبة يظهر أملاً بالحياة مرةً أخرى بعد أن اعتبره الأطباء البشريون قضيةً خاسرة، وليس العكس. يقول كوفمان: "عندما يقول الطبيب البشري بأن المريض لن يستيقظ مرة أخرى، فإن ذلك أمرٌ مروّع. إن ترك المريض ليموت بسبب نتائج آلةٍ ما يجب ألا يكون ممكناً أيضاًَ. أعتقد أنه يجب الانتباه إلى النتائج فقط إذا كان هناك شخص يمكنه أن يخبرك بوجود أمل".


في الواقع، بعد أن أصبح لدينا تكنولوجيا يمكنها المساعدة في التنبؤ بشكل أفضل فيما إذا كان مرضى الغيبوبة سيستيقظون أم لا، يقول كوفمان إنه قد يكون من الخطر السماح للأطباء البشريين بتفحص البيانات وحدهم فقط. هذا مشابه لموضوع السيارات ذاتية القيادة، حيث أن السائقون البشريون أكثر عرضةً للحوادث من السائقين الآليين، ويقول كوفمان: "قد يكون من الخطورة أن نترك الحكم حول ما إذا كان الشخص سيستيقظ أم لا إلى الطبيب لأن معدل الخطأ لدى الأطباء البشريين أعلى بكثير منه لدى الآلات".


في الوقت الحالي، لا تُستخدم هذه الخوارزمية إلا لمرضى الغيبوبة. وهذا شيء جيد على الأرجح. يقول كوفمان أن الآلات في الواقع أفضل من الأطباء في تقييم حالة المريض، لكنها لا تمتلك مهارات التواصل والتعامل التي يرغب المرضى برؤيتها لدى طبيبهم. يقول: "المشكلة هي أنه عندما يتعلق الأمر بالتفاعل البشري (مع المرضى الذين ليسوا في حالة غيبوبة)، فإن الأطباء البشريين بالطبع أفضل بكثير من الآلات، لأنك تستطيع تقييم السلوك والرائحة وكيف يتحدثون وما إلى ذلك، بمعنى أن هناك العديد من العوامل التي لا تجيد الآلات التعامل معها".


إن السماح لحاسوب بالتأثير على القرار الذي يتناول حياة المريض أو وفاته يبدو وكأنه حلقة من أحد مسلسلات الخيال العلمي، ولكنه قد يكون في الواقع أمراً جيداً. من المرجح أن خوارزميات تعلم الآلة سوف تشق طريقها إلى العديد من مجالات الرعاية الصحية قريباً، فربما تقوم بتحليل البيانات الطبية المُخزنة في الأجهزة القابلة للارتداء، أو تساعد جراحاً روبوتياً على العمل مع المرضى بتدخل بشري قليل جداً، ومع تزايد البيانات بالتأكيد ستزداد الدقة.
 

لكن ماذا عن مستقبل تتخذ فيه الآلات لوحدها قرار سحب القابس على مرضى الغيبوبة؟ من المرجح أننا لن نصل إلى هذا الحد قبل وقتٍ طويل.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات