يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
المتفرد: أكثر أجسام الكون تطرفاً

ثقب أسود (إلى اليسار) ومتفرد singularity مجرد (إلى اليمين). يمثل الخط المتقطع أُفق حدث الثقب الأسود الغائب في حالة المتفرد المجرد، وتمثّل الأسهم الاتجاه الذي تنتقل نحوه أشعة الضوء. في حالة الثقب الأسود وبسبب وجود أفق الحدث، تنتهي كل الأشعة الضوئية داخله بالضرورة إلى المتفرد، ومع ذلك فقد تهرب أشعة الضوء من محيط المتفرد المجرد إلى مراقب بعيد متحولةً إلى أشعة مرئية.


Credit: Sudip Bhattacharyya, Pankaj Joshi


اكتشف فريق علماء من معهد تاتا للبحوث الأساسية (TIFR) في مومباي، الهند، طرقاً جديدةً للكشف عن متفردٍ مكشوفٍ أو مُجرّد naked singularity الذي يمثّل أكثر الأجسام تطرفاً في الكون. 


يتداعى نجمٌ فائق الكتلة نتيجة جاذبيته الخاصة حين ينفد الوقود الذي يمده بالطاقة، ليصبح في نهاية المطاف حقلاً صغيراً جداً من مادةٍ ذات كثافة عالية عشوائيةٍ هي " المتفرد singularity"، حيث من الممكن أن تصبح قوانين الفيزياء الاعتيادية غير فاعلة، وفي حال كان هذا المتفرد مختبئاً ضمن اُفق الحدث event horizon، وهو سطح مغلق غير مرئي، فلا يمكن لشيء بما في ذلك الضوء الهروب منه، حينها نسمي هذا الشيء: ثقباً أسودَ، وفي مثل هذه الحالة، لا يمكننا مشاهدة المتفرد ولا داعيَ للقلق حول تأثيراته.


ولكن، ما الذي سيكون عليه الحال إذا لم يكن أفق الحدث متشكلاً؟ تنبأت نظرية آينشتاين في النسبية العامة فعلياً بمثل هذا الاحتمال، وذلك حين تنهار النجوم فائقة الكتلة في نهاية دورة حياتها، ونكون عندئذٍ قد تُركنا مع الخيار المراوغ في رصد متفردٍ مجرد. 


نحن هنا أمام تساؤلٍ هام وهو: كيف نميّز رصدياً بين متفردٍ مجردٍ وثقبٍ أسود؟


لقد تنبأت نظرية آينشتاين بتأثيرٍ هام، وهو أن نسيج الزمكان المجاور لأيٍّ من الأجسام الدوارة ينحني أو يلتف نتيجة هذا الدوران، ويسبب هذا التأثير عزمَ أو فتلَ جيروسكوب gyroscope spin (وهو قرص يدور جول محور حر في الاتجاه، يستخدم لتحديد الجهات في الملاحة، ولا يتأثر دورانه باتجاه المحور) ويجعل مدارات الجسيمات حول هذه الأجسام الفيزيائية الفلكية تدور بدارياً أي بحركة بدارية (الحركة البدارية هي حركة يتغير فيها اتجاه محور الدوران للجسم، وهي ذات الحركة التي تدور بها الأرض حول الشمس وحول نفسها).

وقد ناقش فريق TIFR مؤخراً فكرة أن المعدل الذي يدور فيه الجيروسكوب حول نفسه بحركة بدارية (تردد الحركة البدارية precession frequency)، حين يكون حول ثقب أسود دوار أو متفرد مجرد، يمكن أن يُستخدم للتعرف على هذا الجسم الدوار. ولدينا هنا طريقة بسيطة لوصف نتائجهم، فإذا سجل رائد فضاء تردد الحركة البدارية للجيروسكوب عند نقطتين ثابتتين بالقرب من الجسم الدوار، فحينها يمكن ان يُشاهد احتمالين: 

  1.  تغير تردد الحركة البدارية للجيروسكوب بمقدار كبير على نحو اعتباطي، وهنا نحن أمام تغير عشوائي في سلوك الجيروسكوب.
  2.  تغير تردد الحركة البدارية للجيروسكوب بمقدار صغير، أي بطريقة نظامية مضبوطة.


في الحالة الأولى فإنّ الجسم الدوار يكون ثقبا أسودَ، بينما يكون في الحالة الثانية متفرّدا مجرّدا. 


وقد أظهر فريق TIFR وبالتحديد: الدكتور تشاندراشور تشاكرابورتي Chandrachur Chakraborty والسيد براشانت كوشرلاكوتا Prashant Kocherlakota والأستاذ سوديب بهاتشاريا Sudip Bhattacharyya والأستاذ بانكاج جوشي Pankaj Joshi وذلك بالتعاون مع فريق بولندي يضم الدكتور ماندار باتيل Mandar Patil والأستاذ أندرجي كرولاك Andrzej Krolak، أن تردد الحركة البدارية لجيروسكوب يدور حول ثقب أسود أو متفرد مجرد يكون حساساً لوجود أفق الحدث، ويكون سلوك الجيروسكوب الذي يدور ويقترب من أفق حدث ثقب أسود من أي اتجاه عنيفا بشكل متزايد، بحيث يدور بدارياً بشكل أسرع، ودون قيد. ولكنّ تردد الحركة البدارية يصبح أكبر بشكل عشوائي في المستوى الاستوائي فقط في حالة المتفرد المجرد، بينما يكون منتظماً في جميع المستويات الأخرى.

وقد وجد فريق TIFR ايضاً أن الحركة البدارية لمدارات المادة التي تتساقط داخل ثقب أسود دوار، أو متفرد مجرد من الممكن أن تُستخدم لمعرفة ماهيّة هذه الأجسام الغريبة؛ وذلك لأن تردد الحركة البدارية للمستوى المداري يتزايد باقتراب المادة من ثقب أسود دوار، ولكن هذا التردد من الممكن أن يتناقص حتى يصبح صفراَ في حالة المتفرد المجرد، ويمكن استخدام هذه النتيجة لتمييز متفرد مجرد عن ثقب أسود؛ لأن ترددات الحركة البدارية يمكن قياسها بأطوال موجات الأشعة السينية، حين تشع المادةُ المتداعيةُ داخل الثقب الأسود أشعةً سينية

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • أفق الحدث (Event horizon): هي بعدٌ معين عن الثقب الأسود لا يمكن لأي شيء يقطعه الإفلات من الثقب الأسود. بالإضافة إلى ذلك، لا يُمكن لأي شيء أن يمنع جسيم ما من صدم المتفرد الذي يتواجد لفترة قصيرة جداً من الزمن بعد دخول الجسيم عبر الأفق. ووفقاً لهذا المبدأ، فأفق الحدث عبارة عن "نقطة اللاعودة". انظر نصف قطر شفارتزشيلد. المصدر: ناسا

اترك تعليقاً () تعليقات