تبدو هذه العدسات مثل زنبرك السلانكي في حركتها. ولكن ليس باستطاعتها النزول على السلالم كالزنبرك طبعًا. بدلاً من ذلك، إنها تُحسن من قدرتنا على رؤية الأجسام، وتعرف هذه العدسات بالعدسات الدقيقة المصنوعة من المواد الخارقة (metamaterialhyperlens).
قد تساعدنا العدسات فائقة الدقة (hyperlens) يوماً ما في الكشف عن بعض أفتك أشكال السرطانات.
تمذكر هذه العدسات في ورقة علمية نشرت في مجلة "Nature Communications".
بإمكان تلك التطورات أن تقود إلى تصنيع الكترونيات نانوية وتُعزز من قدرة العلماء على اختبار الجزئيات المفردة (single molecules)، وهو تطور يتمتع بتطبيقات واسعة في العديد من مجالات الأبحاث بما في ذلك الفيزياء، والكيمياء، والبيولوجيا.
تقول ناتاليا ليتشينستر Natalia Litchinitser، البروفسورة في الهندسة الكهربائية من جامعة بوفالو (UB) والمؤلف الرئيسي للورقة العلمية: "هناك حاجة ماسة في مجال العناية الصحية، وتقنيات النانو، ومجالات أخرى لتحسين قدرتنا على رؤية الأجسام الصغيرة جدًا التي لا يمكننا رؤيتها حتى عن طريق أقوى الأنظمة البصرية. قد تُشكل العدسات فائقة الدقة التي قمنا بتطويرها خطوة عملاقة نحو حل هذه المسألة".
شارك في البحث جينغبو سون Jingbo Sun، الأستاذ المساعد في قسم الهندسة الكهربائية، وميخائيل شاليف Mikhail I. Shalaev وهو طالب دكتوراه في مختبر ليتشينستر.
الأنظمة البصرية التقليدية، مثل المجاهر والكاميرات مقيدة بعملية الحيود (diffraction)، وهي ظاهرة ينحني فيها الضوء خلال مروره حول حافة ما أو من خلال شق. وكمثال على ذلك، يُمكننا ذكر المسارات المتقاربة لقرص الـ DVD، والتي تُشكل نمطاً مشابهاً لقوس قزح عند النظر إلى القرص. يضع الحيود قيداً أساسياً على دقة الأنظمة البصرية.
يعمل العلماء الآن على حل مسألة الحيود باستخدام المواد الخارقة، وهي مواد مصممة لتمتلك خواصًا لم تُكتشف حتى الآن في الطبيعة. نموذجياً، تترتب المادة على شكل أنماطٍ متكررة، وغالباً ما تكون أصغر من الأطوال الموجية للظاهرة التي تؤثر عليها.
تتفوق العدسات فائقة الدقة المكونة من مواد خارقة على قيد الحيود (diffraction limit) عبر تحويل أمواج التفكك سريعة الزوال إلى أمواج منتشرة. وحالما يجري تحويلها، يُمكن جمع الأمواج السابقة التي تُفقد عادةً في التصوير التقليدي، وإرسالها باستخدام مكونات بصرية قياسية.
تتألف إحدى أولى العدسات فائقة الدقة والمكونة من المواد الخارقة من حلقات صغيرة متحدة المركز ومكونة من الفضة ومادة عازلة. ولكن يعمل هذا التصميم في مدى محدود جدًا من الأطوال الموجية ويُعاني من فقدان كبير في الرنين.
ولذلك بدلاً عن الحلقات المتحدة المركز،صمم فريق البحث في جامعة بافلوشرائح صغيرة من الذهب ومادة PMMA (بلاستيك حراري شفاف Poly methyl methacrylate) على هيئة قطرية. يتفوق هذا التصميم للعدسات فائقة الدقة على مشكلة قيد الحيود في مجال الترددات المرئية. ومن الممكن أيضًا دمجها مع دليل موجي بصري، مما يفتح المجال لإنتاج مناظير طبية مصنوعة من العدسات فائقة الدقة (hyperlens-based medical endoscopes).
نحن بحاجة إلى المزيد من الدراسات حتى الآن، لكننا نتوقع بأن تُحسن أداة مثل هذه من قدرة الأطباء على كشف بعض أخطر أنواع السرطانات مثل سرطان المبيض.
على سبيل المثال، بإمكان المناظيرالحالية عالية الدقة تمييز الأجسام حتى 10000 نانومتر، وقد تُحسن العدسات فائقة الدقة من تلك القدرة لتصل إلى 250 نانومتر أو أفضل، وتكمن أهمية هذا التطويرفي أن الأطباء سيتمكنون من اكتشاف السرطانات صعبة التشخيص، وبالتالي يحصلون على فرصة أكبر في علاج المرض.
هناك تطبيق آخر محتمل في مجال الطباعة النانوية البصرية (optical nanolithography) وهي عملية يمر فيها شعاع من الضوء خلال قناع ومن ثم نحو فيلم من البولمير يحتوي على نمط معين. التطوير المستمر في هذا الحقل أساسي لبناء الجيل التالي من أجهزة الإلكترونيات البصرية، وأجهزة تخزين البيانات، والحساسات، وآلات صغيرة أخرى.
تمتلك العدسات فائقة الدقة مستقبل واعد أيضاً في مجال الجزيئات المفردة، وهو تطور يتمتع بتطبيقات واسعة في العديد من مجالات الأبحاث بما في ذلك الفيزياء، والكيمياء، والبيولوجيا.