تجربة ثورية تكشف احتمالية بدء كيمياء الحياة في الفضاء العميق


بافتراض أن الحياة قد تطورت من حساءٍ بدائي دسم مع غبار الفضاء العضويّ كتوابل، فمن العدل أن نسأل كيف نشأت هذه الجزيئات المُولِّدة للحياة في المقام الأول، لدينا الآن فكرة أفضل بكثير، وهذا بفضل تجربة جديدة.

أظهر باحثون من مختبر لورنس بيركلي الوطني في الولايات المتحدة كيف يمكن لجزيئي كربون بسيطين نسبياً أن يتّحدا حول النجوم لتكوين مركبات حلقية تدعى الهيدروكربونات الأروماتية (العطرية) عديدة الحلقات وتعرف اختصاراً بـ PAHs.

إنها تلك الهياكل الضئيلة والتي تشبه قرص العسل هي التي تقوم بتلك القفزة من سلاسل بسيطة من الهيدروكربونات إلى كتل أكثر تعقيداً والتي من الممكن أن نربطها بالأحماض النووية والبروتينات.

إننا نعلم بالفعل أن الفضاء ممتلئٌ بغبار النجوم، في الواقع إن ما يصل إلى 20% من الكربون في مجرتنا درب التبانة قد يكون مختزن في مركبات PAHs.

كما أن لديها كل المكونات اللازمة في بناء مواد عضوية أكبر، بما في ذلك الهياكل الكروية ثلاثية الأبعاد مثل كرات البوكي (كرات مغناطيسية تستخدم في بناء أشكال وهياكل مثل مكعبات الليجو).

إن بداية البيولوجيا بهذه الطريقة ما تزال موضع جدل، مثلما هي الحال بالنسبة لكيفية تشكل لبنات البناء الصغيرة المثيرة للاهتمام تلك.

لحسن الحظ، لدى الكميائيين الكثير من الأفكار، إذ تقوم بعض الفرضيات بتفسير تنويعات محددة من PAH بشكل جيد، لكنَّها تكافح لتفسيرات أخرى، بينما أيضاً تكون بطيئة جداً في تفسير المواد الهائلة التي نراها في الوسط بين النجمي.

تقترح إحدى الفرضيات أن بعض أنواع الكربون قصيرة العمر ذات الإلكترونات أو الجزئيات غير المزدوجة والتي تعرف بـ الجذور الحرة (free radicals) قد تصطدم تحت الظروف المناسبة لبناء الأنواع المناسبة من الهياكل الحلقية بمعدل كبير، إنها فكرة أنيقة، لكن إيجاد دليل قوي على هذا المسار النظريّ لم يكن بلا تحديات.

وقال الكيميائي في قسم العلوم الكيميائية في مختبرات بيركلي مساعد أحمد Musahid Ahmed: "هذا شيء حاول الناس قياسه تجريبياً في تجارب درجات الحرارة العالية لكنهم لم يسبق وأن فعلوها".

لاختبار الفكرة عرَّض الباحثون جذر المادة أحادية حلقات الكربون 1- إندينيل (1- indenyl radical) لجذر الميثيل (methyl radical) في بيئة سُخِّنت إلى نحو 1150 درجة مئوية.

قام جهاز يدعى مطياف زمن الطيران بقياس إطلاق نفاثة خارج المفاعل بسرعة عالية راصداً شكلاً أساسياً من PAH ذا عشر ذرات كربون فقط مرتبطة كأزواج من الحلقات معروفة باسم النفثالين.

بالنسبة إلى معظمنا فإنها الأشياء التي تعطي كرات العثة رائحتها الكريهة، أما بالنسبة إلى الكيميائيين إنه مكان محتمل لبعض الكيمياء بين النجمية الرائعة.
وقال الكيميائي في جامعة هاواي رالف آي كايزر Ralf I. Kaiser: "لعقود عديدة تم التكهن بأن التفاعلات جذر- جذر تقوم بتشكيل هياكل أروماتية في عملية الاحتراق وفي الفضاء السحيق، لكن لم يكن هناك الكثير من الأدلة التي تدعم هذه الفرضية".

إن إظهار دليل على هذا المفهوم هو خطوة مهمة نحو رسم طريق من الفيزياء الأساسية لتشكيل الكربون إلى نشوء الكيمياء الحية.

الأهم من ذلك ألا تدحض بالضرورة النماذج التي يمكن أن تفسر تشكّل PAHs، وقد حدد الفريق البحثيّ نفسه عدداً من الطرق التي تطلب المزيد من التحقيق.
وقال أحمد: "من الممكن أن يكون كل ما سبق، لذلك هي ليست طريقة واحدةً فقط، أعتقد أن هذا هو ما يجعل الأمر مثيراً للاهتمام".

بينما يمكن أن نكون متسامحين حيال الأصول النجمية التي تثير اهتمامنا، فإن لتشكيل حلقات الكربون آثارًا على صحتنا هنا على الأرض.

بدايةً من حرق الوقود الهيدروكربوني ومواد التشحيم في محركات السيارات وصولاً إلى الأزيز من لحم الخنزير المقدد في حفلة الشواء العائلية، تُشكَّل مركبات PAHs بكميات من حولنا.

لسوء الحظ، بالنسبة لمحبي اللحوم المشوية فإن هذه الجزيئات سيئة للغاية بالنسبة لنا، فإنها تسبب مجموعة من الحالات المرضية الخطيرة بما في ذلك السرطان.

إنّ تعلّم المزيد حول تكوينها من الممكن أن يعطينا نظرة كافية لإيجاد طرق للحد من إنتاجها.

نُشر هذا البحث في مجلة Nature Communications.


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات