مهمة ناسا لدراسة الرياح الشمسية تنهي عشرين عاماً من الاكتشافات العلمية

مع نهاية العام 2014، أكملت مهمة ناسا المُسمّاة "ويند"-أي الرياح-عقدين من تقديم البيانات.


تُعتبر مهمة "ويند"، بالإضافة إلى سبعة عشر مهمة أخرى، جزءاً ممّا يسمى بمرصد أنظمة الفيزياء الشمسية (Heliophysics Systems Observatory)، وهي عبارة عن أسطول من المركبات الفضائية التي خُصصت لدراسة الشمس وانفجاراتها العملاقة ومدى تأثيرها على كوكبنا والكواكب الأخرى، بل وخارجها.

 

بدأت مهمة "ويند" في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني في العام 1994، بهدف تحديد خصائص التدفق المستمر للجزيئات الآتية من الشمس والمسماة بالرياح الشمسية. 

 

ومن خلال مشاهدة الجزيئات مرة واحدة كل 3 ثوانٍ وإجراء أحد عشر قياسٍ مغناطيسي في الثانية، كانت قياسات مهمة "ويند" ـ ولا تزال ـ الأعلى وتيرةً في رصد الرياح الشمسية من أي مركبة فضائية قريبة للأرض.

 

خلال العشرين عاماً الماضية، اتخذت مهمة "ويند" عدة مواقع في الفضاء القريب من الأرض لتدرس مدى تأثير الطاقة الآتية من الشمس وجزيئاتها وكيف تؤثر على الفضاء القريب من الكرة الأرضية. 

 

للوصول إلى تقييمٍ حقيقي لهذه الجزيئات المشحونة في بيئة مكونة من متغيرات معقدة، لا يمكن القيام بذلك من نقطة واحدة من الفضاء. هذا الأمر أشبه بمحاولة فهم الطقس على الكرة الأرضية كاملةً بأخذ عينةٍ واحدة من العاصمة واشنطن. 

 

كانت مهمة "ويند" جزءاً من فكرةٍ غَيرت قوانين اللعبة؛ فقدْ تضمنت إطلاق عدة مهمات، تعمل سوياً لفهم كيفية تفاعل المجال المغناطيسي الديناميكي للأرض مع الشمس. لقد كانت مهمة "ويند" في طليعة المهمات مراقبةً للرياح الشمسية بسبب تواجدها عند نقطة معينة بين الأرض والشمس.

 

يقول آدم سزابو (Adam Szabo)، وهو عالم في مهمة "ويند" في مركز غودارد ناسا لرحلات الفضاء الكائن في غرين بيلت بولاية ماريلاند: "الهدف الأصلي لدينا كان بسيطاً جداً، وقد كان السؤال الأهم هو معرفة كيفية قيادة الرياح الشمسية للتغيرات في الماغنيتوسفير''.

 

سُميت الحملة الأصلية بحملة العلوم لجغرافيا الفضاء العالمية (Global Geospace Science) والمعروفة اختصاراً بـ GGS، وتكونت الحملة من المركبة الفضائية القطبية التي تراقب الماغنيتوسفير للأرض عند مناطق بعيدة من خط الاستواء، والمركبة الفضائية الاستوائية (Equator-S) التي تراقب الماغنيتوسفير في المناطق الاستوائية، والمركبة الفضائية اليابانية جيوتيل (Geotail) التي تمشط منطقة Magnetotail الطويلة –الشرائط الطويلة من الماغنيتوسفير التي تمتد خلف الأرض وبعيداً عن الشمس.

 

 سرعان ما مُدِّدت مهمة GGS الأصلية وأضيفت إليها بعثات إضافية ضمن برنامج (International Solar Terrestrial Program) والمعروف اختصاراً بـISTP.

 

بما أن مهمة الرياح تتطلب التواجد في الصفوف الأمامية، فقد أُرسلت إلى مدار حول ما يسمى نقطة لاغرانج، تتميز هذه النقطة بتوازن الجاذبية بين الأرض والشمس.

 

 أخذت "ويند" مداراً إهليجياً حول نقطة لاغرانج الأولى L1؛ تقع هذه النقطة بين الشمس والأرض عند مسافة تقدر بـ 932 ألف ميل أي ما يعادل مليون ونصف المليون كيلومتر عن الأرض. بالرغم من أن أقمار صناعية أخرى قد قامت بمثل هذه المدارات، إلا أن مهمة "ويند" هي ثاني سفينة فضائية تحلق في مدار نقطة لاغرانج الأولىL1 .

 

في العام 1997 انضم مُراقب آخر للرياح الشمسية في منطقة L1 و أطلق عليه إسم ''مستكشف التكوين المتطور'' (The Advanced Composition Explorer) أو إختصاراً ACE. وقد صُمّم لفحص خصائص الرياح القادمة من الشمس، وإعطاء العلماء إنذاراتٍ مبكرةٍ عن الانفجارات الأكبر و الأعنف الحاصلة في الشمس، مثل الكتل الإكليلية (coronal mass ejections) المعروفة اختصاراً بـCMEs .

 

في أسوأ الحالات، يمكن لهذه الكتل أن تضغط الغلاف المغناطيسي لدرجة أن الأقمار الاصطناعية تجد نفسها فجأة خارج الفقاعة التي تحميهم، ومن ثمّ يتعرضون لأشعة الشمس القاسية. يمكن لهذه الضغوط أن تطلق اهتزازاتٍ في الغلاف المغناطيسي والتي بدورها يمكن أن تحفز قوة التيار الكهربائي في شبكات الطاقة على الأرض.

 

قررت وكالة ناسا أن تستفيد من وجود مركبتين فضائيتين لدراسة الرياح الشمسية فقامت بتحريك القمر الصناعي الأول إلى نقطة لاغرانج الثانية L2؛ وهي نقطة في الطرف الآخر من الأرض على مسافة تقدر ب 1.1 مليون ميل أو 1.7 مليون كيلومتر أسفل المجال الكهرومغناطيسي، أي حوالي أربعة أضعاف المسافة إلى القمر. 

 

استطاعت "ويند" من هذا الموقع القيام بقياسات أعمق داخل ذيل الماغنيتوسفير من أي مهمة أخرى.


بالعمل معاً، استطاعت ويند وإيس كشف المزيد من أسرار الرياح الشمسية، مما ساعدنا على التوصل إلى إجابات أسئلة لم تكن معلومة لدينا مثل: هل لعمليات الرصد من جهةٍ معينةٍ علاقة مع ما يحدث على الجانب الآخر؟ هل تبقى أي حادثة معينة متماسكة بنفس المقدار أم أنها تتغير مع تحركها؟

 

ساعدت مهمات البرنامج الأرضي الشمسي الدولي ISTP العلماءَ على فهم المزيد عن حجم الأحداث التي تحصل في الغلاف المغناطيسي خلال إطار عملها الزمني، ففي مسافة أقل من 90 ألف ميل، قد يكون الرصد الذي قام به قمر صناعي معين على علاقة بقياسات من قمر آخر، ما يعني أنّ ما يراه قمرٌ واحد يمكن أن يُنَبّأنا بما سيحدث في أماكن أخرى في الغلاف المغناطيسي، طالما أنه في المساحة ما دون ال 90 ألف ميل. بينما في مساحات فوق هذا المدى، فإن انفجاراً ما سيُحدث الكثير من المتغيرات مما يجعل التنبؤ بتبعاتها أمراً صعباً.

 

ما بين العامين 2000 و2003 انتقلت المركبة الفضائية ويند بين عدة مواقع بما في ذلك مواقع أبعد عن الماغنيتوسفير، ما يعادل 1.5 مليون ميلاً بعيداً عن الأرض، ومن ثم عادت إلى مواقع أقرب إلى الغلاف المغناطيسي. في العام 2004 أُعِيدت المركبة ويند إلى نقطة لاغرانج الأولى L1 بشكل دائم.

 

يقول لين ويلسون (Lynn Wilson)، عالم في مشروع ويند في مركز غودارد: "لقد شهدت المركبة الفضائية ويند من خلال موقعها في نقطة L1 العديد من مشاهدات الموجات الكهرومغناطيسية المنتقلة عبر الرياح الشمسية التي لم نشهدها من قبل" ويضيف: ''تستطيع الجزيئات المنتقلة في الفضاء أن تقطع مائة مليون ميل قبل أن تصطدم ببعضها، ببساطة هذه الموجات لا تتصرف مثل موجات الماء أو الصوت التي تدفع المواد معها. هذا ما فتح لنا مجالاً جديداً للبحث، لفهم كيفية عمل هذه الخصائص غير المتوقعة''.

 

تستمر مركبة ويند بالعمل مع مركبات فضائية أخرى، وتتطلع للمستقبل، ففي العام 2018 سوف تطلق ناسا مهمة جديدة سميت بالمسبار الشمسي المتقدم (Solar Probe Plus) حيث ستذهب لمسافاتٍ أقرب للشمس، على نحو 3.8 ميل تقريباً من الشمس لتتعرف على الرياح الشمسية من الداخل. 

 

إحدى الغرائب هي كيفية بقاء الرياح الشمسية ساخنة. حيث سيفكر أحدنا بأن الرياح ستبرد كلما انتقلت في الفضاء بعيداً عن الشمس وتوسعت، لكن مع ذلك فإنها تبقى ساخنة أكثر من المتوقع. لابد أن هناك نشاطاً داخلياً ما يولد الحرارة في الرياح نفسها. 

 

من المعروف أن إعادة الاتصال المغناطيسي هي جزء من الموضوع ـ عملية تتحول فيها الطاقة المغناطيسية فيها إلى حرارة وتصبح فيها الجزيئات سريعة. بالتزامن مع هذا المسعى فإن مهمة ويند تحاول أنا تحصل على دلائل عملية إعادة الاتصال المغناطيسي في مناطق أقرب إلينا.

 

يقول آدم سزابو: ''السؤال الذي يدور في ذهننا هو إذا ما كان إعادة الاتصال المغناطيسي يحدث في الرياح الشمسية ذات الكثافة المنخفضة أيضاً، حيث أن الأمور لا تكون ديناميكيةً كما هو الحال في الغلاف الجوي للشمس''. ويضيف: ''وجدت المركبة ويند دلائل على إعادة الاتصال، لكن هذه الأفعال لم تكن عنيفة كالتي تحدث بالقرب من الشمس، بل كانت خفية وذات طاقة أقل؛ كانت هذه الدلائل على شكل تيارات خفيفة من جزيئات تتسارع للخارج، وهو ما نسميه دفعات إعادة الاتصال''.

 

هذه الدفعات تمتد لفترة قصيرة بدرجة أن النافذة الزمنية ذات الثلاث ثوانٍ التي تقوم ويند بجمع البيانات خلالها بالكاد تكفي لالتقاطهم -وهذا مثال آخر على مدى تألق المركبة ويند حتى بعد عشرين عاماً من اطلاقها، وكيف أن هذه المهمة لا تزال تضيف بيانات مهمة للعلماء.

 

رغم وجود مهمة جديدة خلال الخمس سنوات القادمة، إلا أن ويند بُنيت لتدوم أكثر من ذلك بكثير؛ فلدى هذه المركبة ما يكفي من الوقود لتدور في مسار نقطة L1 حتى عام 2074، ولقد تم بذل كل جهد ممكن للحد من التوتر على أدواتها من أجل الحفاظ على طول عمرها. الآن وبعد 20 سنة، فإنها ما تزال قوية وتساعد العلماء على فهم القوى التي يخدع لها الفضاء القريب من الأرض.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • التدفق الإكليلي الكتلي (Coronal mass ejections): أو CMEs، هي ثورانات مكونة من الغاز والمواد المُمغنطة القادمة من الشمس والتي قد تؤدي إلى أثار مدمرة على الأقمار الصناعية والتقنيات الأرضية.
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات