هل نكتشف سماءً بخمس شموس

اكتشف علماء فلك من الجامعة المفتوحة أول نظامٍ نجميٍ خماسيٍ يضم نظامين نجميين ثنائيين كاسفين (أي يكسف كل نجم الآخر). من جهته، سيقوم ماركوس لور Marcus Lohr من الجامعة المفتوحة بعرض تفاصيل هذا النظام النجمي الخُماسي الأول من نوعه الذي تتم مشاهدته على الإطلاق يوم الأربعاء 8 يوليو/ تموز خلال المُلتقى الوطني لعلم الفلك (National Astronomy Meeting) في سايمرو Cymru في بلدة لاندودنو Llandudno الواقعة في ويلز.


يعتقد العلماء أن حوالي ثلث النجوم موجودة ضمن أنظمة نجمية ثنائية أو متعددة، لهذا، يُعتبر اكتشاف خمسة نجوم متصلة مع بعضها البعض أمراً نادراً جداً. وقد تم اكتشاف هذا النظام النجمي الاستثنائي في البيانات الأرشيفية لـ SuperWASP (اختصاراً: مشروع البحث عن الكواكب واسع الزاوية) الذي يستخدم كاميرات صغيرة منخفضة التكلفة موجودة في جزر الكناري وجنوب إفريقيا لتصوير معظم مساحة السماء كل بضع دقائق.


وعلى مدار العديد من الأعوام، جرى تجميع القياسات التي قامت بها تلك الكاميرات على لمعان النجوم المنفردة ضمن نظامٍ يُعرف بمنحنيات الضوء (light curves). هذه المنحنيات هي خرائط تُبين سلوك لمعان النجوم مع مرور الوقت، وشمل هذا الأمر تسجيل حوالي 30 مليون مصدر للضوء في مجرة درب التبانة.

تكشف الانخفاضات الصغيرة التي تحدث في مُنحنى الضوء عن وُجود كواكب تدور حول النجوم الأخرى، ذلك أن هذه الانخفاضات في المنحنى لا تحصل إلا عندما تمر بعض الكواكب من أمام النجم الذي تدور حوله. في الواقع حقق SuperWASP نجاحاً كبيراً جداً في إيجاد تلك الكواكب الخارجية (exoplanets) منذ بدء عمله في عام 2003.

 

يُمكن استخدام منحنيات الضوء كذلك لاكتشاف الأنظمة النجمية الكاسفة، حيث يدور فيها نجمان حول مركز جاذبيتهما عند النظر إليهما من الأرض. ومن الأرض، سيظهر كل نجم وهو يمر من أمام النجم الآخر لمرة واحدة أثناء كل دورة يُتمها في المدار، وتعني هذه الحركة أن أحد النجمين سوف يُخفي جزءاً من الضوء القادم من النجم الآخر أو كله. وعند حصول هذا الكسوف لأحد النجمين، يتم تسجيل نمطٍ منتظمٍ من الانخفاضات الزوجية الحاصلة في مُنحنى الضوء. ويرتبط كلٌ من عُمق وشكل هذه الانخفاضات بشكل مباشر بالخواص الفيزيائية لكلا النجمين.


ومن خلال دراسة مُنحنى الضوء الخاص بالنظام الخماسي الجديد، والذي يحمل الاسم 1SWASP J093010.78+533859.5، تبين للعلماء وُجود نوع آخر من النظام النجمي الكاسف، ألا وهو النظام النجمي الكاسف المُتلامس (contact eclipsing binary) –وهو نظام نجمي يدور فيه نجمان على مسافة قريبة جداً من بعضهما لدرجة أنهما يتشاركان الغلاف الجوي الخارجي نفسه.

صورة مُتخيلة للنظام الشمسي ذي الشموس الخمس 1SWASP J093010.78+533859.5 المدارات الصغيرة الظاهرة في هذه الصورة ليست للمقارنة مع المدار الكبير، ذلك أن العناصر النجمية الثُنائية قريبة من بعضها البعض بحيث لا يُمكن التفريق بينها. أما الصور الكبيرة المُضافة فقد أُدرجت هنا لأغراض قياس ومقارنة الحجم، بينما أضيف حجم الشمس بغرض مقارنته مع أحجام النجوم الأخرى والمسافات بينها في الصورة. أما الخط الأزرق المُرقط فيُمثل المسار المداري لاثنين من النُجوم، بينما يقع النجم الخامس، الذي لا يُعلم موقعه تماماً، على يمين زوج النجوم الموجود في الجهة اليسرى من الصورة. Credit: Marcus Lohr
صورة مُتخيلة للنظام الشمسي ذي الشموس الخمس 1SWASP J093010.78+533859.5 المدارات الصغيرة الظاهرة في هذه الصورة ليست للمقارنة مع المدار الكبير، ذلك أن العناصر النجمية الثُنائية قريبة من بعضها البعض بحيث لا يُمكن التفريق بينها. أما الصور الكبيرة المُضافة فقد أُدرجت هنا لأغراض قياس ومقارنة الحجم، بينما أضيف حجم الشمس بغرض مقارنته مع أحجام النجوم الأخرى والمسافات بينها في الصورة. أما الخط الأزرق المُرقط فيُمثل المسار المداري لاثنين من النُجوم، بينما يقع النجم الخامس، الذي لا يُعلم موقعه تماماً، على يمين زوج النجوم الموجود في الجهة اليسرى من الصورة. Credit: Marcus Lohr


على الرغم من أن الأنظمة النجمية المُتلامسة شائعة الوجود، إلا أن هذا النظام المُكتَشف استثنائيٌ جداً وذلك لأن فترته المدارية -الزمن الذي يحتاجه النجمان لكي يُكملا دورةً كاملة- قصيرة جداً، حيث لا تزيد عن ست ساعات.


من جهة أخرى، رصد العلماء وجود حالات كسوف إضافية غير متوقعة من خلال دراستهم لمُنحنى الضوء، حيث حلّل الفريق البيانات مجدداً ليكتشف بذلك وجود نظام كاسف ثانٍ موجود في نفس الرقعة من السماء التي وجدوا فيها النظام الثنائي الأول. لكن هذا النظام الثنائي الجديد مختلف، فالنجمان المكونان له بعيدان عن بعضهما بمسافة تصل إلى 3 مليون كيلومتر، أي حوالي ضعف حجم الشمس، كما أنهما يمتلكان فترة مدارية تزيد عن يوم وثلث.


هذا وتبلغ المسافة بين هاتين المجموعتين النجميتين حوالي 21 مليار كيلومتر، أي أكبر من حجم مدار بلوتو حول الشمس. بعد هذا، تمت مراقبة ودراسة النجوم الأربعة باستخدام عملية الرصد الطيفي، حيث تمّ تحليل ضوئها وتقسيمه إلى أطوال موجية مختلفة من أجل أن يتمكن العلماء من دراسة الإشارات القادمة من النجوم المختلفة كلٌ على حدة.


لكن، وبشكل غير متوقع، كشف هذا التحليل الطيفي عن وجود نجمٍ خامسٍ يبعد حوالي 2 مليار كيلومتر عن النظام النجمي الثاني (المنفصل)، والذي لا يبدو أنه يُنتج أي حوادث كسوف إضافية غير تلك التي تم رصدها في النجوم الأربعة الأخرى. وعبر جمع البيانات القادمة من منحنى الضوء الخاص بالنجوم الخمسة وبياناتها الطيفية، تمكّن باحثو الجامعة المفتوحة من تأكيد أن هذه النجوم كلها مرتبطة مع بعضها من خلال الجاذبية، مُشكّلة بذلك نظاماً واحداً يبعد عنّا حوالي 250 سنة ضوئية، ويقع في كوكبة الدب الأكبر Ursa Major.

 

كذلك مكّنت البيانات الفريق من تحديد خواص النجوم المختلفة، حيث شمل ذلك تحديد كُتلها، وأحجامها ودرجات حرارتها. بناء على هذا، أكد العلماء بأن جميع النجوم في هذا النظام أصغر وأبرد من شمسنا. لكن من ناحية أخرى، إذا نظرنا إلى هذه النجوم مُجتمعةً فإنها تكون لامعةً لدرجةٍ يُمكن معها رؤيتها بالتلسكوبات الصغيرة (إذ يصل القدر الظاهري لهذه النجوم إلى 9)، ويستطيع الفلكيون الهواة رؤية حوادث الكسوف بأنفسهم.


يُعلق الدكتور لور على الأمر قائلاً: "إنه نظام نجمي غريب حقاً. فمن حيث المبدأ، لا يُوجد أي سبب يمنع هذا النظام من امتلاك كواكب تدور في مدارات حول كل زوج من النجوم التي يحتويها؛ وإذا كان هناك شخص يعيش على كوكب يدور حول نجم من تلك النجوم فإنه سيحظى برؤية سماءٍ فريدة من نوعها تُضاهي في غرابتها حتى أفضل أفلام الخيال العلمي، إذ ستُضيئها خمس شموس ذات درجات لمعانٍ مختلفة".


ويتابع الدكتور لور قائلاً: "ستغمر مستويات إضاءة مختلفة فترات النهار على هذا الكوكب جراء قيام تلك النجوم بكسف بعضها البعض، ولن يكون هناك ليل أو ظلمة فيه إلا عندما تكون النجوم كلها موجودة في الجانب نفسه من عالمها".


تكمن إحدى الاكتشافات الهامة بشكلٍ خاص في هذا النظام في حقيقة أنّ النظامين الثنائيين يبدوان وكأنهما يدوران عند المستوى نفسه في الفضاء، ما يجعل العلماء يفترضون بأن هذين النظامين رُبما كانا قد تشكلا في الأساس من قرص الغاز والغبار نفسه في الماضي والذي انفصل بعد أن تسببت الجاذبية بتحويله إلى كتلتين منفصلتين.


ستُساعد دراسة مثل هذه النظام الغريب علماء الفلك على الحصول على فهمٍ أفضل لكيفية نُشوء وولادة النجوم والكواكب، بما في ذلك شمسنا وكواكبنا.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الكواكب الخارجية (Exoplanets): أو الكواكب الموجودة خارج النظام الشمسي.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات