دراسة: تغيّر كثافة الغلاف الجوي يمكن أن تساعد في تحسين اتصالات الـ GPS

-قد تتشوّه إشارات الـ GPS نتيجةً الاختلافات في الطبقات العليا للغلاف الجوي الأرضي.
-يدرس العلماء هذه الاختلافات في محاولة للتغلّب على تأثيراتها في الاتصالات.


في حال أردت الوصول إلى مكان لم تزُره من قبل، فإنك غالباً تعتمد على هاتفك الذكي أو أيّة أجهزة أخرى تملك وحدة نظام التموضع العالمي (Global Positioning System - GPS)، فمن الممكن للإشارات المرسلة بين جهازك والأقمار الصناعية الخاصة بمنظومة الـ GPS أن تتشوّه في طبقات الجو العليا من دون أن تلاحظ ذلك وخصوصاً عند خطوط العرض العليا للكرة الأرضية (أي باتّجاه القطبين).


يقوم الباحثون بدراسة هذه الاختلافات في مختبر الدفع النّفاث التابع لناسا (Jet Propulsion Laboratory - JPL) في باسادينا بولاية كاليفورنيا وبالتعاون مع جامعة نيوبرو نزويك بكندا، حيث تتوضّع هذه الاختلافات في طبقة الأيونوسفير وهي طبقة من الغلاف الجوي تتمركز على ارتفاع يصل حتى 217 ميل (350 كيلومتر) عن سطح الأرض، وتكوِّن المنطقة الفاصلة بين الأرض والفضاء الخارجي، والأيونوسفير هو غلاف من الجسيمات المشحونة (إلكترونات وأيونات) يُدعى بلازما، يتشكّل من الإشعاع الشمسي وتصادم الجسيمات النشطة.


تُقارِن الدراسة الجديدة التي نُشرت في مجلة (Geophysical Research Letters) بين الاضطراب في منطقة الشفق والاضطراب في منطقة خطوط العرض العليا، وتبحث في المشاهدات التي من الممكن أن تساعد في التخفيف من أثر الاضطرابات في طبقة الأيونوسفير.
الشفق القطبي هو مجموعة مذهلة من الأضواء متعددة الألوان تظهر في السماء عندما تندفع الجسيمات النشطة خارج الغلاف المغناطيسي، يحدث ذلك حين تنسحب الكرة المغناطيسية -التي تحمي الأرض وتحيط بها- إلى داخل طبقة الأيونوسفير التي تقع أسفلها، أما مناطق الشفق القطبي فهي حزم ضيقة بيضوية الشكل عند خطوط العرض العليا خارج المنطقتين القطبيتين (منطقتان تحيطان بالقطبين المغناطيسين للأرض)، حيث ركزت هذه الدراسة على الغلاف الجوي فوق نصف الكرة الشمالي للأرض.


يقول أساياس شيوم Esayas Shume وهو باحث في JPL ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا وباحث رئيسي في إعداد هذه الدراسة: "نرغب باستكشاف البلازما القريبة من الأرض، لتحديد القدْر اللازم من التفاوتات فيها لحدوث تداخل مع إشارات تحديد الموقع المرسلة من الـ GPS".


إذا اعتبرنا الأيونوسفير كسائل فتكون التفاوتات عبارة عن مناطق ذات كثافة تأيين منخفضة (فقاعات) بجوار مناطق ذات كثافة تأيين مرتفعة -فيمكن اعتبار هذه التفاوتات كفقاعات الزبد الموجودة على سطح السائل، لذلك تسمى هذه التفاوتات Froth بالإنكليزية وتعني زبد- فينشأ لدينا تأثير متبادل بين الكتل ذات الكثافة الأكثر تأيُّناً والكتل ذات الكثافة الأقل تأيُّناً، يسهّل هذا التفاوت في درجة التأيُّن من تداخل الإشارات الراديوية المختلفة بما فيها تلك القادمة من الـ GPS والطائرات خصوصاً عند خطوط العرض العليا.


يعطي حجم المناطق المتفاوتة في درجة تأيينها ضمن البلازما دلائل للباحثين حول أسباب تكوّنها، وهذه الدلائل تساعدهم في توقع متى وأين سيحدث هذا الّتفاوت، وكلما كان حجمه أكبر كلما زاد اضطراب الإشارات الراديوية.


يقول أنتوني مانوتشي، المشرف على مجموعة الاستشعار عن بُعد الأيونوسفيرية والجوية في JPL: " أحد النتائج الأساسية هو وجود أنواع مختلفة أكثر من التفاوتات في منطقة الشفق القطبي مقارنةً مع المنطقة القطبية"، ويتابع قائلاً: "وجدنا بأن التأثيرات على الإشارات الراديوية ستكون مختلفة في هذين الموقعين".
وجد الباحثون بأن الشذوذ في درجة التأيّن فوق المنطقة القطبية الشمالية ذو قطر يُقدّر بحوالي 0.62 إلى 5 ميل (1 إلى 8 كيلومتر) وهو بذلك أصغر من منطقة الشفق القطبي حيث يكون الشذوذ فيها ذو قطر يُقدّر بحوالي 0.62 إلى 25 ميل (1 إلى 40 كيلومتر).


لماذا الاختلاف؟


يفسِّر شيوم ذلك بأنه ناتج عن احتكاك المنطقة القطبية بجسيمات الريح الشمسية والحقول الكهربائية في الفضاء بين الكواكب، ومن ناحية أخرى، تحْتَك منطقة الشفق القطبي مع الجسيمات النشطة في الغلاف المغناطيسي للأرض، حيث تقترب خطوط الحقل المغناطيسي حول الأرض في هذه المنطقة، هذه التفاصيل حاسمة في تفسير الديناميكية المختلفة للمنطقتين.


استخدم الباحثون البيانات المقدمة من القمر الصناعي (Cascade Smallsat and Ionospheric Polar Explorer - CASSIOPE) التابع لوكالة الفضاء الكندية والذي أُطلق في أيلول 2013 لمشاهدة التفاوتات في طبقة الأيونوسفير، يغطي هذا القمر كامل منطقة خطوط العرض العليا جاعلاً منها أداة مفيدة في استكشاف الأيونوسفير.
تأتي البيانات من واحد من الأجهزة المركبة على CASSIOPE والذي يتفحص إشارات الـ GPS عند اختراقها الأيونوسفير، هذا الجهاز استلهَمه الباحثون في جامعة نيوبرو نزويك.
يقول أتيلا كومجاثي (Attila Komjathy) وهو باحث رئيسي في JPL وباحث مساعد في إعداد هذه الدراسة: "إنها المرة الأولى التي يحدث فيها نوع كهذا من التصوير في الفضاء"، ويتابع قائلاً : "لم يراقب أحد من قبل طبقة الأيونوسفير بهذه الأبعاد".


يقول مانوتشي: "يملك الباحثون العديد من التطبيقات، على سبيل المثال: تعتمد الطائرات فوق القطب الشمالي على اتصالات مستمرة بالأرض، وفي حال خسارتها لهذه الاتصالات قد تتغير مسارات الرحلات"، ويُضيف: "قد تعاني التلسكوبات الراديوية من تشوهات ناتجة عن طبقة الأيونوسفير، ولكن بالفهم المُناسب لهذه التأثيرات قد نصل إلى قياسات أكثر دقّةً تفيدنا في علم الفلك"، ويُتابع مانوتشي: "قد تحصل الكثير من المشاكل الاقتصادية عندما يكبر ويتوسع حجم هذه التفاوتات".


تتعقب شبكة الاتصال بالفضاء السحيق الخاصة بناسا (NASA’s Deep Space Network - DSN) جميع المركبات الفضائية وتتواصل معها، هذه الشبكة تتأثر بطبقة الأيونوسفير، لذلك يقوم كومجاثي وزملاؤه بالعمل على تخفيف وتصحيح هذه التشوهات التي قد تؤثر على DSN، حيث باستطاعتهم استخدام الـ GPS لقياس تأخير الإشارات الناتج عن الأيونوسفير ثم تُسلّم هذه المعلومات إلى موجّهات المركبات الفضائية والتي تستخدم بيانات الملاحقة الخاصة بـ DSN.


يقول مانوتشي: "من خلال فهمنا لمقدار التداخل، يمكن لموجّهات المركبات الفضائية حذف التشويه الناجم عن الأيونوسفير للحصول على مواقع أكثر دقّة للمركبات الفضائية".
الباحثون مشاركون في إعداد الدراسة : 
ريتشارد بي لانغلي (Richard B Langley) من مختبر البحث الجيوديزي (Geodetic Research Laboratory)، جامعة نيوبرو نزويك - فريدريكتون – نيوبرو نزويك - كندا.
أولغا فيرخوغليادوفا (Olga Verkhoglyadova)، ومارك دي باتالا (Mark D. Butala) من JPL.
جاء تمويل البحث من إدارة المهمات العلمية بناسا في ولاية واشنطن.


يدير JPL (وهو قسم في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا) شبكة الاتصال بالفضاء السحيق الخاصة بناسا.
لمزيد من المعلومات حول برنامج الملاحة والاتصالات الفضائية الخاص بناسا : ناسا

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • شبكة الفضاء السحيق (Deep Space Network): هي صفيفة عملاقة مكونة من هوائيات راديوية تدعم مهمات المركبات الفضائية بين-الكوكبية، بالإضافة إلى عدد من المهمات الموجودة في مدارات حول الأرض. تُقدم هذه الشبكة المعروفة اختصاراً بـ (DSN) بيانات كثيرة في مجال علم الفلك الراديوي، مما يُساهم في تطوير فهمنا للنظام الشمسي والكون.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات