استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بمواقع الهزات الارتدادية

حقوق الصورة: CCO Public Domain


في الأسابيع والأشهر التالية لحدوث زلزال كبير غالباً ما تتعرض المنطقة المحيطة لهزّات ارتدادية قوية تؤدي إلى زيادة الأضرار وإحباط شديد لمساعي الإصلاح.
 

في حين طوّر العلماء قوانين تجريبية (كقانوني باث Bath’s Law وأوموري Ohmori)  لحساب الحجم والوقت التقريبي للهزات الارتدادية إلّا أنّه كان من الصعب عليهم تطوير منهجيات فعّالة للتنبؤ بأماكن وقوعها. ولكن بعد اقتراح قدمه باحثون في غوغل Google، قام بريندان ميدي Brenda Maede الأستاذ في علوم الأرض والكواكب وفيبي ديفرايز Phoebe DeVries الزميلة العاملة في مخبره باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لمحاولة حل هذه المشكلة.
 

حلل الباحثان باستخدام خوارزميات التعلم العميق قاعدة بيانات تحوي معلومات الزلازل من حول العالم بمحاولة منهما للتنبؤ بمواقع الهزات الارتدادية الممكن حدوثها، وطوَّرا نظاماً قادراً على التنبؤ بتلك المواقع بشكلِ  أفضل من المحددات العشوائية على الرغم من كونه مازال غير دقيقِ، وقد وُصِف هذا العمل في ورقة بحثية نُشِرت في مجلة نيتشر Nature العلمية في شهر أغسطس/آب من العام الحالي.


يقول ميدي: "يجب عليك معرفة ثلاثة أشياء حول الزلازل:  وقت حدوثها، وكم الحجم الذي ستأخذه، ومكان حدوثها. قبل إجراءنا لهذا البحث، كنّا نعتمد على قوانين تجريبية لمعرفة وقت حدوثها وكم الحجم الذي ستأخذه، ونعمل حالياً على القانون الثالث، وهو تحديد المكان الذي يمكن أن تحدث فيه".


وتضيف ديفرايز: "أنا متحمّسةٌ جداً للدفع الذي يقدمه تعلم الآلة للمضي قدماً في الأبحاث المتعلقة بهذا النوع من المشاكل، وهي مشاكل هامة لا بدّ من إيجاد حل لها. إن التنبؤ بالهزات الارتدادية على وجه الخصوص هو تحدِّ  مناسبٌ تماماً لتعلّم الآلة بسبب وجود ظواهر فيزيائية متعدّدة يمكنها التأثير على سلوك هذه الهزات، حيث تبرع تقنيات تعلم الآلة في اكتشاف مثل هذه العلاقات. أظن أننا حقيقةً لم نكتشف سوى القليل في مجال التنبؤ بالهزات الارتدادية، وهذا شيّق جداً".


إنّ فكرة استخدام شبكة عصبية من الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالهزات الارتدادية طرأت للمرة الأولى منذ سنوات عدة خلال إحدى الفترات التي قضاها ميدي في إجراء الأبحاث في غوغل، حيث اقترح أحد زملاء ميدي أثناء عملهم في مشروع مختلف خوارزميات التعلم العميق (التي كانت في بداياتها في ذلك الوقت) من المحتمل أن تساعد في تسهيل مهمة ايجاد الحل للمسألة. في فترة لاحقة بدأ ميدي بالعمل مع ديفرايز والتي كانت تستخدم الشبكات العصبية لتحويل الأكواد البرمجية عالية الأداء إلى خوارزميات يمكن أن تعمل على الحاسب المحمول (اللابتوب) للتركيز على الهزات الارتدادية.

يقول ميدي: "الهدف من بحثنا هو توضيح جميع التفاصيل والمعلومات المتعلقة بالهزات الارتدادية، ونأمل أننا ساهمنا في تحقيق ذلك". في البداية، استعان ميدي وديفرايز بقاعدة بيانات تحوي ملاحظات سُجلت بعد أكثر من 199 زلزال كبير.


يقول ميدي: "بعد حدوث زلزال بقوة 5 أو أكثر، يقضي الناس الكثير من الوقت لتحديد مواقع الطبقات الأرضية التي تعرّضت لانزياحات ومقدار هذه الانزياحات.

الكثير من الدراسات اعتمدت ملاحظات ناتجة عن زلزال واحد أو زلزالين، إلا أنّنا استخدمنا قاعدة البيانات بأكملها وجمعنا المعلومات التي حصلنا عليها منها مع نموذج فيزيائي يوضح مدى تصدّع الأرض وتشقُّقها بعد حدوث زلزال، وذلك بناءً على فكرة أن التصدعات والتشققات الناجمة عن الهزة الأرضية الأساسية ربما تكون محرِّضاً للهزات الارتدادية".


انطلاقاً من تلك المعلومات، قاما بعدها بتقسيم المنطقة المحددة إلى شبكة من مربعات بأبعاد 5 كم، حيث يتفحص النظام كل مربع لمعرفة فيما إذا حصلت هزة ارتدادية فيه ويطلب من الشبكة العصبية أن تبحث عن ارتباطات بين المواقع التي حدثت فيها الهزات الارتدادية والتصدعات المتولدة من الزلزال الأساسي.


يوضح ميدي: "السؤال هو ما هي مجموعة العوامل التي يكمن التنبؤ بها؟ هناك عدة نظريات، وما قمنا به في هذا البحث هو إلغاء النظرية الأكثر شيوعاً نظراً لضعف قدرتها التنبؤية واستبدالها بنظرية جديدة ذات قدرات تنبؤية أفضل". النظام الذي عمل عليه ميدي تمكن من توضيح مقدار جديد هو الثابت الثاني في شعاع الجهد المتغير والذي يعرف باسم J2.


يقول ميدي: "نجد هذا المقدار في علم المعادن ومذكور في نظريات أخرى، ولكنّه لم يكن شائعاً في علم الزلازل. معنى ذلك أن النتيجة التي وصلت إليها الشبكة العصبية ليست خارجة عن المألوف بل هي مفهوم قابل جداً للفهم والتفسير، حيث أنّها تمكِّن من تحديد العوامل الفيزيائية التي علينا التركيز عليها، وهذا أمر رائع جداً".


إن قابلية الفهم والتفسير هذه مهمة جداً لأنها تُخرج أنظمة الذكاء الاصطناعي من النظرة الخاطئة التي تعامل بها العلماء معها لفترة طويلة، حيث اعتبروها كصناديق سوداء تعطي نتائج بناءً على بيانات معينة دون توضيح تفاصيل أكثر.


توضح ذلك ديفرايز بقولها: "كانت هذه إحدى الخطوات الأكثر أهمية في عملنا. عندما درّبنا الشبكة العصبية في البداية تبيّن لنا أنّها تعمل بشكل جيّد جداً في التنبؤ بمواقع الهزات الارتدادية، ولكنّنا رأينا أنّه من المهم معرفة ماهي العوامل التي صنّفتها الشبكة بأنّها مهمة أو مفيدة للوصول إلى ذلك التنبؤ".


إلا أنّ مواجهة مثل هذا التحدي مع بيانات من العالم الحقيقي تبيّن أنّها مهمة شاقة، لذلك جعل العالمان نظامهما يتعامل مع زلزال مصطنع ببيانات شديدة الواقعية ومن ثم تفحصا التنبؤات التي نتجت عن ذلك.


توضح ديفرايز: "لقد راقبنا خرج الشبكة العصبية وقارنّاه بشكل واسع مع المخرجات التي يمكن توقُّعها في حال تحكّم مقادير مختلفة بتنبؤات الهزات الارتدادية وتنبين لنا أن المقدار J2 له أهمية كبيرة في التنبؤ".


نظراً لأنّ الشبكة العصبية تدرّبت باستخدام بيانات الزلازل والهزّات الارتدادية المختلفة من أنحاء العالم فقد تمكّن النظام من العمل بشكل فعّال مع مختلف أنواع الانزياحات في الطبقات والتصدعات والتشققات المرتبطة بالزلالزل.


يوضح ميدي: "لناتج كل زلزال، تبعاً لمكان وقوعه، تركيب هندسي مختلف، ففي مدينة كاليفورنيا California الأمريكية معظم النواتج تكون عبارة عن انزياحات في الطبقات الأرضية، بينما في أماكن أخرى مثل اليابان تظهر النتائج في انهيارات في الطبقات. ما يميز هذا النظام أنّه بمجرد تدريبه على منطقة واحدة فإنّه سيتنبأ بالمناطق الأخرى أي أنّه قابل للتعميم بشكل كبير".


وتضيف ديفرايز: "الطريق مازال طويلاَ أمامنا قبل أن نتمكن من التنبؤ بشكل دقيق وفي الزمن الحقيقي لكنني أعتقد بأن تعلم الآلة تقدّم إمكانيات كبيرة في هذا المجال".


يعمل ميدي حالياً على محاولات للتنبؤ بحجم الزلازل نفسها باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي آملاً في أن يتمكن في المستقبل من المساعدة في تقليل النتائج الكارثية للزلازل. ويقول: "خبراء الزلازل التقليديون يركزون جهودهم على دراسة الآثار التالية للكارثة، إلا أنني أريد فهم المحرّضات والمسبّبات والتنقّلات التي تؤدي إلى حصولها".


بشكل عام، تهدف الدراسة إلى إلقاء الضوء على خوارزميات التعلم العميق وقدرتها على الإجابة على التساؤلات التي عجز عنها العلماء حتى الآن.
 

يقول ميدي: "أعتقد أن هناك قفزة نوعية فيما يتعلق بالتنبؤ بالزلازل، الفكرة لم تعد خيالية كما كانت في السابق. وبينما النتائج التي حصلنا عليها تعد شيقة إلا أن أهميتها تكمن في كونها جزءاً من حركة تطورية تهدف إلى إعادة بناء العلم في زمن الذكاء الاصطناعي". ويتابع: "المشاكل التي كانت تعتبر معقدة جداً أصبحت سهلة الفهم في هذه الأيام، وهذا ليس بسبب توفر القوة الحاسوبية فحسب. هناك فكرة هامة ستفيد المجتمع العلمي بشكل كبير جداً، وهي أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تبدو معقدة وصعبة إلا أنّها في الحقيقة ليست كذلك. إنها في الحقيقة نوع من الحوسبة سهلة الوصول للجميع، وأعتقد أن الكثير من الناس بدأوا بفهم ذلك".
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات