ضربة جديدة توجهها فيزياء الجسيمات لنظرية التناظر الفائق

في ضربة جديدة لنظرية التناظر الفائق (supersymmetry) المستقبلية التي تتناول التحليل الأساسي للكون، ذكر مجموعة من الخبراء أدلةً على وجود نشاط دون ذري (subatomic) يتوافق مع المجرى الأساسي للنموذج القياسي في فيزياء الجسيمات (Standard Model)؛ فقد برهنت بيانات جديدة قادمة من تصادمات البروتونات عند سرعات عالية في مصادم الهادرونات الكبير LHC، على أنّ جسيماً غريباً يُعرف بالكوارك الجميل (beauty quark) يتصرف بطريقة مطابقة لما يتنبأ به النموذج القياسي في فيزياء الجسيمات، ونُشرت النتائج في مجلة Nature Physics.

قادت محاولات سابقة لقياس التحول النادر للكوارك الجميل لما يُعرف بالكوارك العلوي (up quark) إلى نتائج متضاربة، مما دفع العلماء لاقتراح تفسير آخر يقع خلف النموذج القياسي، وقد يكمن في التناظر الفائق.

لكنّ المراقبات الأخيرة وفقاً لما صرح به غي ويلكينسون Guy Wilkinson قائد "تجربة الجمال" في مصادم الهادرونات الكبير لـلوكالة الفرنسية للأنباء AFP: "تتفق بالكامل مع النموذج القياسي وهذه المراقبات تُزيل الحاجة إلى هذه الفرضية" القادمة من نظرية بديلة. ويضيف غي: "سيكون الأمر مثيراً بالطبع إذا ما تمكنا من إظهار أن هناك خللاً ما في النموذج القياسي، لا أستطيع إنكار أن ذلك سيكون مثيراً بالفعل."


عالم ينظر إلى أحد الأقسام في مصادم الهادرونات الكبير أثناء الصيانة التي جرت في ميرن بالقرب من جنيف في 19 يوليو/تموز 2013.
عالم ينظر إلى أحد الأقسام في مصادم الهادرونات الكبير أثناء الصيانة التي جرت في ميرن بالقرب من جنيف في 19 يوليو/تموز 2013.

وفي الواقع يُعتبر النموذج القياسي النظرية الأساسية لدراسة كل الجسيمات العنصرية التي تُؤلف المادة، والقوى التي تربطها معاً. لكن لهذا النموذج نقاط ضعف، فهو لايُفسر المادة المظلمة (dark matter) أو الطاقة المظلمة (dark energy)، اللّتين تكوّنان معاً حوالي 95% من الكون. وهذا النموذج ليس متوافقاً مع نظرية النسبية العامة لإينشتاين، فقوة الجاذبية كما نعرفها لا يبدو أنها تعمل في مستوى الأحجام الكمومية دون الذرية.

التناظر الفائق، أو اختصاراً سوزي (SUSY)، هي واحدة من البدائل المقترحة لتفسير عدم التوافقات تلك، وتقترح وجود "شقيق" أثقل لكل جسيم في الكون، وقد يشرح هذا الأمر أيضاً كلاً من المادة المظلمة والطاقة المظلمة.



الوحش متعدد الرؤوس


لم يتم اكتشاف أي برهان على وجود توائم فائقة التناظر في LHC، الذي رصد كل الجسيمات التي اقترحها النموذج القياسي، بما في ذلك بوزون هيغز (Higgs boson) الذي يضفي الكتلة إلى المادة. يتنبأ التناظر الفائق بوجود خمسة أنواع من بوزون هيغز على الأقل، لكن لم يُكتشَف سوى أحدها وهو ذلك الذي تنبأ به النموذج القياسي، ويقول ويلكنسون أنه كان "من المبكر جداً" إلغاء التناظر الفائق، ويضيف: "من الصعب جداً قتل التناظر الفائق، فهي وحش متعدد الرؤوس".

ويتابع: "لكن إذا لم يتم مشاهدة أي شيء خلال العامين القادمين، ستكون نظرية التناظر الفائق في حالة أصعب بكثير، وسينخفض عدد المؤمنين بها بشكلٍ كبير في كل أنحاء العالم".

الكواركات (Quarks) هي الجسيمات الأساسية والتي تُعتبر لبنات البناء للبروتونات والنيوترونات، التي يُمكن إيجادها في الذرات. وهناك ستة أنواع من الكواركات وأكثرها شيوعاً هو الكوارك العلوي والسفلي، في حين تُعرف الكواركات الأخرى بالغريب، والساحر، والجميل، والقمي. يستطيع الكوارك الجميل، الأثقل من الكواركين العلوي والسفلي، أن يغير من شكله ويأخذ في العادة شكل الكوارك الساحر عندما يفعل ذلك.

وبشكلٍ أكثر ندرة بكثير، قد يصير على هئية كوارك علوي. وفي الواقع، قاس فريق ويلكنسون للمرة الأولى كيف يحصل ذلك الأمر، ويُضيف ويلكنسون: "نحن سعداء لأنه قياس من نوع لم يعتقد أحد بإمكانية إجرائه في LHC"، إذ ساد اعتقاد بضرورة وجود آلة أقوى بكثير للقيام بذلك. بدأ LHC المُحدث، وهو منشأة موجودة في منظمة الأبحاث النووية الأوروبية CERN، العمل في أبريل/نيسان بعد عامين من التجديد لتعزيز قدرته من 8 إلى 13 وربما 14 تيرا إلكترون فولط (TeV).

أخبر المدير العام لسيرن رولف هوير Rolf Heuer الصحفيين في فيينا أثناء مؤتمر للجمعية الأوروبية لعلوم الفيزياء: "إذا كنتم تتوقعون أخباراً قوية جداً من التشغيل الجديد لمصادم الهادرونات الكبير، فالوقت لازال مبكراً قليلاً. سيأتي الحصاد الرئيسي خلال الأعوام القادمة، ولذلك عليكم البقاء مطلعين على الأمور".

حتى يومنا هذا، أعاد التشغيل الجديد، عند طاقة 13 تيرا إلكترون فولط، اكتشاف كل جسيمات النموذج القياسي عدا بوزون هيغز، لكن يُصرّ هوير قائلاً: "إننا متأكدون أنه هناك".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المادة المظلمة (Dark Matter): وهو الاسم الذي تمّ إعطاؤه لكمية المادة التي اُكتشف وجودها نتيجة لتحليل منحنيات دوران المجرة، والتي تواصل حتى الآن الإفلات من كل عمليات الكشف. هناك العديد من النظريات التي تحاول شرح طبيعة المادة المظلمة، لكن لم تنجح أي منها في أن تكون مقنعة إلى درجة كافية، و لا يزال السؤال المتعلق بطبيعة هذه المادة أمراً غامضاً.
  • الطاقة المظلمة (Dark Energy): هي نوع غير معروف من الطاقة، ويُعتقد بأنه المسؤول عن تسارع التوسع الكوني.

اترك تعليقاً () تعليقات