ما الذي تخفيه بصمات أصابعنا؟


حقوق الصورة: Getty Images


يُمكن أن تُقدِّم البصمة إشارة ضمنية تكشف جزءًا من جوانب نمط حياة الشخص وبيئته كالوظيفة وعادات الأكل والمشاكل الصحية.

قدمت بصمات الأصابع أدلة حاسمة في عدد كبير جدًا من الجرائم الخطيرة، إلا أنه في بعض الحالات توجد هناك صعوبة أو استحالة في استعادة بصمات الأصابع وهذا ما يُسبِّب صداعًا رهيبًا لمحققي الطب الشرعي.

وفي محاولة لإيجاد حل لهذه المشكلة بدأ الباحثون يُدركون إمكانية استخدام بصمات الأصابع بشكل أوسع مما هي عليه الآن.

تتشكل بصمة الإصبع بمجرد تلامس الإصبع مع سطح ما، حيث يَترك الإصبع على السطح آثارًا من العرق أو أي مادة أخرى يلمسها المشتبه به، وبالتالي تتمركز هذه المواد داخل نموذج معين من الأخاديد الموجودة على الإصبع الذي يعطي البصمة.

معظم بصمات الأصابع لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة ويتطلب ذلك عملية كيميائية متطورة لتصويرها، فقد أصبح بالإمكان اليوم الحصول على المزيد من المعلومات عن صاحب البصمة من خلال العمليات الحديثة عن طريق ما يلمسه ويأكله، وكذلك عن طريق ما يتعاطاه من عقاقير.

تترك بصمة الإصبع في مسرح الجريمة ما يُطلَق عليه في الطب الشرعي (طبعات الأصابع) التي لا تحتوي على عرق المشتبه به فحسب بل وأي مواد لمسها كذلك، وهذا من شأنه أن يشكل دليلًا حاسمًا، خاصةً إذا كانت تلك الطبعات تحمل دم الضحية أو بعض المركبات المتفجرة التي تربط المشتبه به مباشرةً بتلك المواد، ولكن حتى في هذه الحالة لا تُقدِّم الطبعات أي دليل يفيد القضية ما لم يكن للمشتبه به ملف في قاعدة بيانات خاصة ببصمات الأصابع.

عندها يمكن الاستعانة بالطرق الحديثة في تحليل البصمات، فقد أظهر الباحثون مؤخرًا بأن المواد الموجودة على الهاتف المحمول يمكن أن تختلف من جهاز لآخر بحسب مالك الجهاز نتيجة مجموعة من الأغذية ومواد التجميل والأدوية وغيرها من الملوثات البيئية الأخرى التي نتعرض لها، وبهذا المنطق تتباين المواد الموجودة في بصمات الأصابع بطريقة مماثلة، وقد بُذِلت بعض المحاولات من قبل لإثبات ذلك.

إذا ثبت هذا الأمر فإن هذا المبدأ يعني أن بصمات الأصابع ممكن أن تعطي إشارة ضمنية تكشف عن جوانب من نمط حياة الأفراد ووضعهم كوظائفهم وعاداتهم في الأكل ومشاكلهم الصحية، وهذا من شأنه أن يساعد الشرطة على معرفة صاحب الطبعات.


اختبار المخدرات


تقول الدكتورة ميلاني بيلي Melanie Bailey المحاضرة في علم الكيمياء في جامعة سوري (The University of Surrey): "نحن بعيدون بعض الشيء عن ابتكار طريقة بسيطة لدراسة بصمات الأصابع في هذه الحالة لكي تستخدمها الشرطة، إلا أنه قد أُحرِزَ بعض التقدم، فقد أوضح الباحثون أنه من الممكن الكشف عن التعامل المباشر مع العقاقير أو المتفجرات عن طريق بصمة الإصبع، ومن شأن هذا أن يُساعِد على تقليص قائمة المشتبه بهم المحتملين، وإذا فكرنا بشكل أوسع من نطاق الطب الشرعي فإننا سنجد أن بصمات الأصابع يُمكن أن توفر لنا بعض الاحتمالات المثيرة للغاية في مستقبل الفحص الطبي، إذ تُعتبر بصمة الإصبع طريقةً ملائمةً جدًا لإعطاء عينة في اختبار المخدرات إضافةً لكونها أسرع وأسهل بكثير من الفحص عن طريق الدم أو البول ناهيك عن صعوبة تزوير النتيجة في هذه الطريقة لأنها تحتوي على الأنماط الخاصة بالأخاديد لتمييز الأشخاص".

لا تتشكل بصمات الأصابع فقط عن طريق المواد التي تُلمَس، بل وكذلك من المواد المفروزة من الغدد العرقية الموجودة على أطراف الأصابع، وبما أن العرق يمكن أن يحتوي على آثار المواد التي نتناولها فهذا يعني أن بصمة الإصبع يُمكن أن تحتوي على آثار المخدرات والعقاقير التي نتعاطاها، ففي بحث جديد في الكيمياء السريرية أظهرت بيلي وزملاؤها إمكانية اكتشاف تعاطي الكوكايين والهيروين والمورفين عن طريق بصمة إصبع واحدة.

المثير للدهشة أن هذه المواد منتشرة بشكل واسع بين بصمات أصابع الناس عامة، فعلى سبيل المثال كان هناك 13% ممن لا يتعاطون المخدرات ظهرت عند الفحص آثار كوكايين في بصمات أصابعهم، وهناك احتمال أنها قد علقت بهم بسبب الأوراق النقدية أو من سطوح ملوثة أخرى، ومع ذلك فإن المستخدم الفعلي للمخدرات سترتفع نسبة التركيز في بصمته إلى أكثر من مئة مرة، إضافةً لأنّ المخدرات ستبقى مُعرّضة للكشف حتى بعد غسل اليدين، إذ تبقى المواد في حالة إفراز حتى بعد التعاطي، وهذا يعني أنه باستطاعتنا تمييز بصمات أصابع متعاطيي المخدرات عن غيرهم.

في الوقت الذي تُعتبر فيه احتمالية وجود الكوكايين في بصمات العديد ممن لا يتعاطون المخدرات أمرًا مزعجًا فمن المهم الإشارة إلى أنّ الاختبار قادر على التقاط كميات صغيرة للغاية تصل حتى إلى نحو (0.00000000001) من الغرام من المخدرات لذا فنحن لا نواجه حالة طوارئ صحية عامة.

لقد أصبحت التقنيات أكثر دقة وحساسية تجاه المخلفات والآثار الصغيرة جدًا، لذا أصبح من السهل الآن اكتشاف الأشياء التي قد تكون غابت عن ناظرنا من قبل.

في هذا البحث اكتشفت مجموعة بيلي أيضًا أنه يمكن اكتشاف الأدوية التي يصفها الأطباء في بصمات الأصابع، وأن هذه المخلفات والآثار يمكن أن تختفي عندما يتوقف المريض عن تناول تلك الأدوية، وعليه فقد يصبح من الممكن يومًا ما أن تكون بصمات الأصابع طريقة جيدة لمساعدة المريض على معرفة احتمالية امتصاص الدواء بشكل صحيح، وهذا الأمر مهم بشكل خاص بالنسبة للمرضى الذين يخضعون للعلاج من حالات الصرع، والسكري، والأمراض القلبية، والاضطراب العقلي، والذين يعانون من أجل امتصاص تلك العقاقير والأدوية أو ينسون أو حتى ربما يختارون عدم أخذها بإرادتهم.

تختتم بيلي بحثها بالقول: "لقد قطع علم بصمات الأصابع شوطًا طويلًا منذ إدراكنا لقدرته على تمييز الأشخاص بطريقة مميزة، ولكن لا يزال هناك العديد من المجالات المثيرة في هذا العلم لاكتشافها في المستقبل".
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات