تجربة كمومية تُحاكي آلة الزمن

قامت مجموعة من الفيزيائيين بمحاكاة تفاعل فوتون مع نسخة قديمة من نفس الفوتون عبر تجربة قد تساعد في التوفيق بين ميكانيك الكم والنسبية.

تسمح إحدى عجائب النسبية العامة بالسفر عبر الزمن، واكتشف العديد من الفيزيائيين حلولاً لمعادلة حقل اينشتاين تحتوي على حلقات تعود إلى نفس النقطة من الفضاء والزمن، ويدعو الفيزيائيون هذه الحلقات بالمنحنيات شبه الزمنية (time-like curves).

للوهلة الأولى، تبدو هذه الأنواع من آلات الزمن مسبباً لكل أنواع المشاكل، مثل مفارقة الجد. وفي هذه المفارقة يسافر شخص ما بالزمن إلى الوراء ويقتل جده، مما يعني أنه قد لا يُولد أبداً، وبالتالي لن يتمكن بالعودة بالزمن إلى الوراء من أجل قتل الجد.

هذا لغزٌ كبير، ولذلك حاول الفيزيائيون إيجاد طرقٍ لمنع الوصول إلى مثل هذه المفارقات. وفي وقتٍ مبكر من تسعينات القرن الماضي، برهن علماء الكون أنه عندما تدخل كرة البلياردو ثقباً دودياً، يجب أن ينتهي بها المطاف بمنحني شبه زمني، وتقابل نسختها الأقدم عند الخروج من الثقب الدودي. وأكثر من ذلك، يؤدي التصادم الناتج دوماً إلى منع الكرة من دخول الثقب الدودي. بكلمات أخرى، سترتد كرة البلياردو ببساطة عن مدخل منحني شبه زمني مغلق.

هذا كثير بالنسبة للأجسام الكلاسيكية والسفر بالزمن. لكن ماذا سيحصل إذا ما دخل جسيم كمومي إلى منحني شبه زمني مغلق؟

في وقتٍ مبكر من تسعينات القرن الماضي، برهن الفيزيائي ديفيد دوتش (David Deutsch) أن ذلك ليس ممكناً فقط، وإنما قد يحصل فقط بطريقةٍ لا تسمح بوجود إشارات أسرع من الضوء (superluminal). لذلك تلعب ميكانيك الكم دوراً مدمراً بالنسبة للسببية (causality)، لكن الأمر يتم بطريقة تنسجم مع النسبية، ومن ثمّ تمنع مفارقات كمفارقة الجد من الحصول.

تتمتع نتيجة دوتش بعواقب استثنائية جداً، فهي تؤكد أنه بالإمكان استخدام المنحنيات شبه الزمنية المغلقة لحل مسائل NP الكاملة بوجود زمن متعدد النهايات، ويُمكن استخدامها أيضاً من أجل انتهاك مبدأ الارتياب لهايزنبرغ.

كل ما يُمكننا قوله هو أنه لم يتمكن أحد من خلق منحني دوتش شبه الزمني المغلق. لذلك، من السهل جداً تخيل ذلك حتى نصل إليه، وقبل تحقُّقِ ذلك، لن نعرف أبداً فيما إذا كانت تنبؤات دوتش صحيحة أم لا. لكن اليوم، يقول مارتن رينغباور (Martin Ringbauer) وزملاؤه، من جامعة كوينزلاند في استراليا، أنه من غير الضروري خلق منحني شبه زمني مغلق من أجل اختبار كيفية تصرُّفه.

بدلاً من ذلك، قام أولئك الشباب بصنع نظامٍ كمومي يُمكنه إعادة إنتاج سلوك فوتون يمر على طول منحني شبه زمني مغلق، ويتفاعل مع النسخة القديمة من ذاته. بعبارة أخرى، بنى أولئك الشباب مُحاكٍ لآلة الزمن.

هذا الأمر ليس بعيد المنال كما يبدو، لطالما عرف الفيزيائيون أنه بالإمكان استخدام نظام كمومي من أجل محاكاة آخر. في الحقيقة، كُرِّست مساحة جديدة من العلوم الكمومية من أجل هذا التمرين. يقول رينغباور ومساعده: "على الرغم من عدم اكتشاف أي منحني شبه زمني مغلق حتى الآن. مع ذلك، تُمكننا المحاكاة الكمومية من دراسة خواصها الفريدة وسلوكها أيضاً".

من السهل جداً وصف هذا النظام-النظام الكمومي-الذي أرادوا محاكاته. إنه يتألف من فوتون يتفاعل مع نسخةٍ قديمة من ذاته، ويكافئ هذا الأمر قيام فوتون مفرد بالتفاعل مع آخر محتجز في منحني شبه زمني مغلق.

تبين فيما بعد أن محاكاة ذلك أمر بسيط باستخدام زوجٍ من الفوتونات المتشابكة، وهذه الأزواج الفوتونية تُصنع من فوتون واحد، ولذلك تتشارك الوجود نفسه على شكل تابعٍ موجي.

أرسل رينغباور هذه الفوتونات عبر دارة بصرية، ما يُعطيها حالات استقطاب عشوائية ويسمح لها بالتداخل عندما تصدم مقسم شعاعي مستقطب جزئياً. ومن خلال التحضير الحذر لإعدادات التجربة، يُمكن لهذا النظام المتشابك أن يُحاكي سلوك فوتون يتفاعل مع نسخة أقدم من ذاته.

يُمكن تحديد نتيجة هذا التفاعل بالكشف عن أنماط الفوتونات التي ظهرت من المقسم الشعاعي. كانت النتائج جديرة جداً بالقراءة، ويقول رينغباور وزميله أنه باستطاعتهم استخدام النظام من أجل التمييز بين الحالات الكمومية التي تم تحضيرها بطرق تبدو متطابقة، وهو أمر غير ممكن على الإطلاق في الحالات الأخرى.

يُمكنهم أيضاً استخدام محاكي آلة الزمن من أجل وصف الحالات الكمومية، التي من المستحيل في الحالات الاعتيادية التمييز بينها. لكن قد يكون الأمر الملفت للنظر أكثر من غيره هو أن كل المراقبات كانت منسجمة مع النسبية، إذ أن محاكي آلة الزمن لم يقد في أي نقطة إلى مفارقات شبيه بمفارقة الجدّ، وذلك بصرف النظر عن الخدع التي يمارسها على السببية، وهذا تماماً ما تنبأ به دوتش.

هناك بعض الأمور الغريبة في هذه النتائج أيضاً، فعلى سبيل المثال: يقول رينغباور أنه يُمكن للمدخلات الكمومية أن تغير المُخرج بطريقة غير خطية، لكن ذلك يحصل فقط، عند إجراء إعدادات خاصة بالتجربة.
بكلمات أخرى، بإمكانهم التحكم بالطريقة، التي يُمكن للتجربة من خلالها تشويه السببية، وهي وسيلة مهمة من أجل استكشاف مدى القدرة على تشويه السبب والنتيجة.

إنها تجربة مذهلة وتقود إلى بعض الطرق الجديدة والمحيرة من أجل سبر الرابط الموجود بين ميكانيك الكم والنسبية، إذ يستنتج رينغباور وزميله: "تُقَدِّم دراستنا، المتعلقة بنموذج دوتش، رؤىً على دور البُنى السببية واللاخطيات في ميكانيك الكم، التي تُعتبر أمراً جوهرياً من أجل الوصول إلى توافق نهائي مع النسبية العامة". هنالك الكثير من العمل، الذي يجب بذله هنا قبل أن يُشَغِّلوا سيارتهم "الدولوريان".
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • أسرع من الضوء (superluminal): هو مُصطلح يُطلق كصفة للجسيمات الافتراضية، أو الأجسام الافتراضية التي تمتلك سرعة أكبر من سرعة الضوء.
  • السببية (causality): تُشير إلى العلاقة الكائنة بين حدث (السبب) وحدث آخر (النتيجة أو التأثير)، حيث يكون الحدث الأول مسؤولاً بالضرورة عن ظهور الحدث الثاني.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات