الزراعة على المريخ

في تجربةٍ لاختبار إمكانية نمو المحاصيل الزراعية في الفضاء، استطاع العلماء حصاد عشرة محاصيل من ضمنها الطماطم والبازيلاء والجاودار في تربةٍ تحاكي الظروف على كوكب المريخ.


على الرغم من أن التربة المماثلة لتربة المريخ أنتجت محاصيل بشكلٍ أقل مما تنتجه التربة العادية لكوكب الأرض، إلا أن الفرق لم يكن كبيراً، الأمر الذي يدل على أنه مع الظروف المناسبة، سوف يتمكن المستعمرون الأوائل للمريخ من الحصول على الغذاء الكافي لهم من محاصيل الكوكب الأحمر. 


في الحقيقة، لقد بتنا أقرب إلى تحقيق الحلم ببناء أول مستعمرةٍ مريخية. يقول ويجر ويملينك Wieger Wamelink، وهو باحثٌ في جامعة ومركز أبحاث فانجنجن في هولندا: "إن الكتلة الحيوية الناتجة في التربة المحاكية لتربة المريخ، كانت أقل مما أنتجته تربة الأرض، ولكن هذا الفرق كان ثانوياً ونتج عن أحد الأحواض التي لم تنمو كما يجب".


و يضيف: "كانت هذه مفاجأةً حقيقيةً لنا، هذا يظهر إمكانياتٍ جيدةً للتربة المماثلة لتربة المريخ، إذا تمت تهيئتها وريّها بالشكل المناسب".
 

قام الباحثون أيضاً بزراعة المحاصيل العشرة ذاتها -الطماطم والجاودار [1] والفجل واالبازيلاء والكراث والسبانخ والجرجير والرشاد والكينوا [2] والثوم المعمر- في تربةٍ تحاكي تربة القمر، وتبين أن هذه المحاصيل وصلت فقط إلى نصف نسبة نجاح محاصيل المريخ، خاصةً محصول السبانخ الذي عانى في البيئة القمرية.


يبقى السؤال هنا، كيف نستطيع إيجاد تربةٍ شبيهةٍ بتركيبتها الكيميائية لأتربة موجودة في أماكن خارج كوكب الأرض؟ الإجابة تكمن بالتوجه إلى أماكن تتمتع بظروفٍ مناخيةٍ قاسيةٍ على كوكبنا. 


على سبيل المثال، تربة "المريخ" جاءت من بركانٍ على جزيرة هاواي، و تربة "القمر" تم جمعها من صحراء أريزونا، بعد ذلك تم مزج هذه الأتربة مع عشبٍ مقطوعٍ حديثاً في أحواض قليلة العمق لتسهيل ري النباتات، بالإضافة إلى حوض (الشاهد أو المقارنة) Control Tray الذي يحتوي على سمادٍ زراعيٍّ عاديٍّ من الأرض.


ولكن قبل أن تتحمس كثيراً وتبدأ بتحضير عدة الزراعة في المريخ، هنالك عدة أمورٍ يجب أخذها بعين الاعتبار.


أولاً، لم يتم نشر أي نتائج بعد، ولكن المعلومات الحالية جاءت حسب ما تحدثت به جامعة فانجنجن (للعلم، هذه هي التجربة الثانية للجامعة في المحاصيل الفضائية، لذلك تعتبر هذه المعلومات موثوقة، ولكننا يجب أن نكون حذرين دائماً إلى حين صدور نتائج مدققةٍ ورسمية).


كما أن هذه الدراسة قامت فقط بمحاكاة التربة على المريخ والقمر، وليس باقي ظروفهما المناخية، كالإشعاع الفضائي أو الحرارة والبرودة القاسية. لقد تمت زراعة هذه المحاصيل في بيتٍ زجاجيٍّ ضمن نطاق الغلاف الجوي للكرة الأرضية، مع وجود ظروف رطوبةٍ وإضاءةٍ وحرارةٍ ثابتة، ويوضح ويملينك هذا الأمر قائلاً: "نتوقع أن ينمو أول محصولٍ على القمر أو المريخ في غرفٍ تحت الأرض، وذلك لحماية النباتات من البيئة القاسية". 


ما يقوله واملينك منطقي بما فيه الكفاية، ولكننا لا نستطيع التنبؤ بدقةٍ كيف ستسير هذه العملية على كوكب آخر. أخيراً، إن أهم مرحلةٍ في هذه التجربة -وهي الجزم بعدم خطورة تناول ثمار هذه النباتات- لم تبدأ بعد، إذ لا داعي لزراعة نباتاتٍ إن كانت ستنتج ثماراً سامة.


يقول ويملينك: "هذه الأتربة تحتوي على معادن ثقيلةٍ كالرصاص والزرنيخ والزئبق والكثير من الحديد، إذا أتيحت هذه المكونات للنباتات، فسوف تشقّ طريقها وصولاً للثمار، مما سيؤدي إلى أن تصبح هذه الثمار سامة".


يقوم الفريق بتمويل بحثٍ أكثر تعمقاً في هذا المجال، على أن تبدأ التجارب العملية في شهر أبريل/نيسان من هذا العام. على الرغم من المحددات، من المشوق معرفة أن التربة على الكوكب الأحمر (المريخ) قابلةٌ لأن تنمو النباتات فيها، في الحقيقة لا يوجد شيء يبعث الطمأنينة في نفسك أكثر من مجموعةٍ من الخضار الطازجة عندما تكون على بعد مليارات الكيلومترات عن وطنك الأرض.


في السنة الماضية، استطاع رواد الفضاء تناول أول خسةٍ تمت زراعتها على متن محطة الفضاء الدولية -والتي بدت فعلاً لذيذة- لذلك نحن أصبحنا أقرب إلى تحقيق ما فعله مارك واتني Mark Watney، حين قام بالزراعة في تربة كوكب المريخ في فيلم المريخي The Martian.
إذاً، هيا فلنقم بذلك!

ملاحظات 


[1] الجاودار نبات من عائلة القمح والشعير شبيه بها جداً يصنع منه خبز وغذاء للحيوانات -تجارب الشاهد أو دراسة المقارنة: دراسة الحالات مقترنةً بحالات ضابطة وهي نوع من الدراسات تعتمد على المقارنة بين مجموعتين، الأولى نجري عليها التغيير المراد تحريه ونقارن نتائجها مع الثانية المضبوطة والتي لم يجر عليها أي تغيير مثل مقارنة نتائج تربة المريخ مع تربة الأرض.

[2] الكينوا هو نبات يعطي حبوب يمكن أكل أوراقه وحبوبه.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات