نحو فحص مبكر لمرض الزهايمر

أظهرت البحوث نتائج واعدة للحصول على فحص دم مبكر لمرض الزهايمر. وتشير النتائج إلى أنه يمكن الكشف عن مرض الزهايمر حتى قبل ظهور الأعراض لدى الأشخاص الذين يملكون عرضة وراثية له.

وفقا لبول كولمان Paul Coleman الباحث في مرض الزهايمر في مركز أبحاث الأمراض العصبية التنكسية التابع لجامعة ولاية أريزونا - بانر ASU-Banner، فإن واحدًا من أعظم الصعوبات التي تعترض الجهود المبذولة لإيجاد علاجات فعالة لمرض آلزهايمر هو الفارق الهائل بين بداية المرض وظهور الأعراض السريرية.

في دراسة جديدة، أظهر كولمان وزملاؤه نتائج واعدة بإجراء فحص دم مبكر لمرض الزهايمر. وتشير النتائج إلى أن مرض الزهايمر يمكن الكشف عنه حتى قبل ظهور الأعراض في الأشخاص الذين يملكون عرضة وراثية له.

إضافة إلى مركز أبحاث الأمراض العصبية التنكسية NDRC، يشترك في الدراسة جامعة ولاية أريزونا ASU، وMayo Clinic، وجامعة روتشستر، ومعهد بانر لبحوث مرض الزهايمر، ومعهد بارو للعلوم العصبية.

نجحت الطريقة الجديدة في التمييز بين المصابين بمرض الزهايمر، وأولئك المصابين بمرض باركنسون، والأشخاص الأصحاء، وهو ما يعني أن الفحص لا يقتصر على التعرف على أعراض التنكس العصبي، بل إن له القدرة على تمييز مرض الزهايمر عن غيره من أمراض الدماغ التنكسية.

يقول كولمان: "ما قمنا به في ورقتنا هو تكرار عملنا مرات متعددة على مجموعات مختلفة من الناس باستخدام تقنيات مختلفة. كما قدمنا بيانات تظهر القدرة على الكشف عن الأشخاص المعرضين لخطر التشخيص المستقبلي لمرض الزهايمر".

تحقق الطريقة هذه النتيجة العظيمة من خلال فحص كريات الدم البيضاء WBCs. ومن هذه الخلايا، يمكن استخلاص نسخ من الـRNA، والناتجة بدورها عن جينات محددة في الحمض النووي (DNA). ونسخ الـRNA هذه تحمل أدلة حيوية فيما يتعلق بالصحة.

نشرت الدراسة مؤخرا في دورية Neurobiology of Aging.

 خطر متخفٍّ


يستمر مرض الزهايمر في التزايد بشكل لا يرحم، ويصيب هذا المرض 11 في المئة من الذين يبلغون 65 عاما أو أكثر، ويرتفع هذا الرقم إلى 45 في المئة في الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 85 عاما. ويتنبأ السير الحالي لإحصائيات مرض آلزهايمر بأن نحو 14 مليون أمريكي سيصابون بالمرض بحلول منتصف القرن بتكلفة باهظة، تبلغ تريليون دولار.

يدمر مرض الزهايمر الكثير في طريقه؛ فهو يدمر ذاكرة الضحية، والقدرة على التفكير، والهوية الشخصية، ما يستلزم الرعاية على مدار الساعة، قبل وصول الموت في نهاية المطاف. إن الخسائر المدمرة للمرض على المرضى والأسرة والمجتمع ككل تجعل منه أزمة صحية عالمية ذات أبعاد مخيفة.

يعرف الباحثون الآن أنه بحلول الوقت الذي تظهر فيه المظاهر الخارجية الأولى لمرض الزهايمر، على شكل الارتباك، وفقدان الذاكرة وغيرها من المعالم الكلاسيكية، يكون مضى وقت طويل على إتلاف مرض الزهايمر للدماغ. إذا كان يمكن التعرف على المرض في وقت سابق بكثير، قريبًا من وقت منشئه، هناك أمل في أنه ربما يمكن إبطاء أو حتى إيقاف تقدم المرض.

ونظرا للحاجة الماسة إلى تشخيص مبكر للمرض وموثوق به، فقد توجهت العديد من الجهود السابقة إلى حل المشكلة. ومن الناحية المثالية، ينبغي أن تكون هذه الطريقة مناسبة لمرافق الرعاية الأولية، ما يسمح باختبار شريحة واسعة من الجمهور بشكل دقيق ومنتظم. ومع ذلك، فإن الجهود المبذولة لتطوير تشخيص مبكر وموثوق لم تبرح مكانها حتى الآن. وعلاوة على ذلك، فإن دقة التشخيص حتى بعد دخول المرض مرحلة السريرية، لا تزالضعيفة.

علامات المرض


منذ فترة طويلة، من المعروف أن مرض الزهايمر ينتج تغيرات في الدماغ، والتي يمكن أن تحفز جينات متعلقة بظروف مثل الإجهاد والالتهابات. ويظهر التعبير عن هذه الجينات في الدم على شكل نسخ RNA.

وتظهر نتائج البحوث بوضوح أن نسخ الـRNA هذه يمكن دمجها مع بعضها لنحصل على فحص تشخيصي مبكر أو مؤشر حيوي مبكر، بحيث تكون قادرة على التمييز بين المرضى العاديين من أولئك الذين يعانون من مرض الزهايمر أو باركنسون، والأهم من ذلك الحصول على توقعات أدق حول المرضى المعرضين لتطوير داء الزهايمر في المستقبل.

الدقة التشخيصية التي يوفرها الاختبار الجديد كبيرة، وأظهرت نتائج المسوح لمرض الزهايمر لأشخاص مشخصين بالمرض مسبقًا (والذين شخصوا بناء على عوامل سريرية وعصبية مرضية) أن الحساسية التشخيصية كانت تتراوح بين 71% و 87% بينما تراوحت النوعية من 44% إلى 70% (في التشخيص الطبي، الحساسية هي قدرة الفحص على تحديد المصابين بالمرض بشكل صحيح، وهو ما يعرف باسم المعدل الإيجابي الحقيقي، في حين تشير النوعية إلى قدرة الفحص على تحديد السليمين من المرض، وهو ما يعرف بالمعدل السلبي الحقيقي).

يتم إجراء هذه التشخيصات عادة في مرافق متخصصة مكرسة لدراسة مرض الزهايمر. وكما يلاحظ المؤلفون، فإن دقة التشخيص القياسي تنخفض بشكل ملحوظ في أوضاع الرعاية الأولية. والنتيجة هي التأخر في الكشف عن مرض الزهايمر، فضلًا عن أنه قد لا يشخص من الأصل، وهو ما يمثل نتيجة حتمية تشير إلى فشل العلاج؛ لأن المرض يكون قد أضر لتوه في الدماغ بحيث لا يمكن إصلاح ذلك. ارتفاع معدل التشخيص الخاطئ يؤدي إلى علاجات غير ضرورية في كثير من الأحيان وغير فعالة.

في نهج جديد، يتعرف المؤلفون على نسخ الـRNA في الدم باستخدام تقنيتين مختلفتين لتحليل الـ RNA، والمعروفة باسم منظومة الـDNA المتمم cDNA array والتفاعل التسلسلي للبوليميراز للمنتسخة العكسية RT_PCR. وأظهرت نتائج الطريقتين تشابهات كبيرة، كما أظهرتا أنهما قابلتان للتكرير عبر عينات مختلفة من مجموعات البحث.

وقد أتاح ذلك للباحثين تصميم مجموعة ثابتة من النسخ التي يمكن استخدامها لتشخيص المرض. أظهر التحليل متعدد المتغيرات multivariate analysis دقة مثيرة للإعجاب في عدد من التجارب الهامة الموصوفة في الورقة الجديدة.

تقسم الدراسة 177 عينة دم و27 عينة من نسيج الدماغ بعد الوفاة إلى عدة مجموعات. وهو ما يؤكد أن التحليل الدقيق لنسخ الـRNA في عينات الدم لديه القدرة على التمييز بين مرض الزهايمر السريري المبكر ومرض باركنسون والمرضى الأصحاء من الناحية المعرفية.

ويمكن للتحليل الدقيق أيضًا أن يحدد بدقة أولئك الذين يحملون نسختين من جين APOE4، المعروف بأنه عامل اختطار شديد للإصابة بمرض الزهايمر. كما يستخدم العلماء فحص نسخ الـRNA لتحديد أولئك المعرضين لخطر ضعف الوظائف المعرفية في المستقبل بسبب وجود واحد على الأقل من الأقرباء المباشرين مصابًا بمرض الزهايمر.

وكشفت الدراسة أن كلا الطريقتين (cDNA و RT_PCR) تمكنتا من تمييز مرض الزهايمر المحتمل عن عينة المقارنة السليمين معرفيًا، بدقة 93.8 في المئة، وذلك باستخدام فقط 5 من نسخ RNA للاختبار. وكما لاحظ المؤلفون، فإن دقة اختبار الدم قد تكون أعلى من ذلك، حيث إن بعض النتائج "الإيجابية الكاذبة" (أي الأشخاص السليمون الذين شُخِّصوا خطأً بمرض الزهايمر) قد يكونون أشخاصًا مصابين بالمظاهر السابقة لأعراض مرض الزهايمر.

تقييم المخاطر المستقبلية


تظهر النتائج أن التحليل متعدد المتغيرات لنسخ الـ RNA في عينات الدم توفر إستراتيجية دقيقة وقليلة التدخل الجراحي لتشخيص مرض الزهايمر، وللكشف المبكر عن خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعلاوة على ذلك، كانت النتائج متسقة مع فحص نفس النسخ التي تعرفوا عليها في أدمغة المرضى بعد الوفاة؛ حيث استطاعوا التمييز بين الأشخاص الذين يعانون من مرض الزهايمر مقارنة بأولئك الذين شُخِّصوا بمرض باركنسون وكذلك الأشخاص الأصحاء معرفيًا في مجموعة المقارنة.

(أُخذت عينات الدماغ التي حصل العلماء عليها من خلال معهد بانر صن هيلث Banner Sun Health Research Institute من منطقة معروفة بأنها معرضة لآثار مرض الزهايمر الأكثر تدميرًا).

إضافة إلى نُسخ الـRNA المرتبطة بالالتهاب والإجهاد، تفحص الدراسة سلسلة من النسخ فوق الجينية[1] (وهي تسلسلات من الـ RNA التي خضعت للتعديل بعد عملية النسخ). وجدت النتائج مرة أخرى علاقة قوية بين وجود هذه العلامات الجينية و مرض الزهايمر، ما يعني أنها قد توفر أيضا أداة تشخيصية مقنعة.

يجب أن تصقل التطورات المستقبلية قدرة الطريقة على التحديد الدقيق لمرض الزهايمر في مرحلة مبكرة، قبل ظهور الأعراض السريرية، في مؤسسات الرعاية الأولية، بعينة صغيرة من الدم. وينبغي في نهاية المطاف أن تقترن الجهود الرامية إلى إجراء دراسات طويلة الأمد والبحث عن نسخ RNA تشخيصية إضافية، مع اختبار علاجات جديدة تستهدف التدخل المبكر.

ومن المثير للفضول أن واحدا أو أكثر من العديد من الأدوية الموجودة لمرض الزهايمر التي فشلت في التجارب السريرية، قد تنجح فعلا في إبطاء أو إيقاف مرض الزهايمر إذا كان يمكن إعطاؤها في وقت مبكر بما فيه الكفاية في عملية المرض. وعلاوة على ذلك، يمكن لنا زيادة التجارب على الأدوية الجديدة التي تستهدف المرضى المعرضين للخطر بشكل كبير إذا كان اختبار الدم البسيط يمكن أن يحل محل التصوير المكلف مثل التصوير المقطعي بالإصدار البوزتروني PET.


[1] التعديل فوق الجيني epigenetic modification هو تعديل يجرى على ترجمة الجينات، بحيث لا يتغير تسلسل الحمض النووي نفسه، من مثل إضافة مجموعة الميثيل mythelation والذي يؤثر على التعبير الجيني بدون التغيير على الجين نفسه، ويأتي أصل الكلمة من فكرة أن هذا التعديل يؤثر على البروتينات الناتجة بحيث يكون "فوق" أو "إضافة إلى" التغييرات الأساسية على الجينات.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات