فهم مستحلبات الأرض النادرة

صورة توضّح الأيونات داخل قطرات الماء. المصدر: جامعة نورث وسترن.

على الرغم من تسميتها بالعناصر الأرضية النادرة، إلّا أنها في الواقع ليست نادرة. فهي موجودة بالمناجم في جميع أنحاء العالم، وتستخدم في العديد من المنتجات ذات التقنية العالية، بما في ذلك أدوات العروض البصرية والبطاريات والموصلات الفائقة، ومحركات الأقراص الصلبة للكمبيوتر. وعلى الرّغم من أنّ العثور عليها ليس بالمهمّة الصعبة، إلّا أنه غالباً ما تتواجد هذه العناصر معاً، وهنا تأتي الصعوبة في فصلها واستخراجها.

تقول مونيكا أولفيرا دي لا كروز (Monica Olvera de la Cruz) من جامعة نورث ويسترن: "إن امتلاك القدرة على استعادة هذه العناصر النادرة أمر مهم، لأنه وعلى الرّغم من محدوديتها، إلّا أنّ طلب استخراجها مرتفع، نحن بحاجة إليها بشكل مفرّق ومفصول، لكنها تميل إلى التجمّع والتواجد معاً".

تعمل أولفيرا دي لا كروز وفريقها للحصول على أفضل تفسير يوضّح سبب انجذاب هذه المستحلبات بقوة إلى بعضها البعض عبر هذه الأزمنة الطويلة، والذي بدوره يجعل فصلها واستخراجها صعباً للغاية. وتشير سلسلة من المحاكاة الجزيئية وللمرة الأولى، إلى أنّ الوسيط الذي تعلق فيه العناصر (بالإضافة إلى العناصر نفسها) مسؤول وبشكل جزئي عن الجذب القوي. ويمكن أن تؤدي هذه النتيجة إلى جعل عملية استكشاف هذه العناصر أسهل وأسرع وأقل تكلفة.

نشرت هذه الأبحاث مؤخراً -برعاية وزارة الطاقة الأمريكية- في مجلة المجتمع الفيزيائي الأمريكي (APS) في قسم (Physical Review Letter).

يشغل منغ شين (Meng Shen) وهو طالب ما بعد الدكتوراه في مختبر أولفيرا دي لا كروز، منصب المؤلف الأول للورقة، كما ساهم طالب الدراسات العليا هونغاو لي (Honghao Li) في العمل أيضا.

وهذه العناصر النادرة هي مجموعة من 17 عنصراً كيميائياً على طول الجزء السفلي من الجدول الدوري. ومعظم هذه العناصر تملك (+3) شحنات موجبة في بنيتها الأيونية، ويجعلها ذلك صعبة الفصل بشكل واضح. وتقول أولفيرا دي لا كروز، والتي تشغل كرسي الأستاذ الأول لعلوم المواد والهندسة في كلية ماكورميك للهندسة في شمال غرب أستراليا: "إن هذه العناصر تصبح مركّزه وبشكل كبير جداً. إذا استطعنا أن نفهم لماذا ينجذب بعضها للآخر، يمكننا تحسين آلية الاستخراج المتبعة معها".

عملية الفصل تستغرق وقتاً طويلاً وهي مكلفة وتتطّلب مئات الخطوات والمذيبات الكيميائية السّامة. إذ أنه لفصل هذه العناصر يقوم المهندسون بتغليفها في قطيرات مائية نانوية مغمورة بالنفط، بعد ذلك يستخدم المهندسون مواداً كالسورفاكتانت (خافضة للتوتر السطحي للجزيء مما تسمح بالتبلل) لانتزاع العناصر من الماء وسحبها إلى النفط.

ولكن عندما تعلق قطيرات الماء في النفط، تنجذب القطيرات بقوة إلى بعضها البعض وتتحطم. يقول شين: "إن التجارب السابقة وحسابات الذرّة الكاملة كشفت أنّ هذه القطيرات تتفاعل بقوة على كامل المسافات الكبيرة. لسوء الحظ فإن هذه الدراسات لم تكشف عن أصل هذه التفاعلات".

في دراسة نظرية، اكتشف فريق أولفيرا دي لا كروز أن الوسط المختلط للنفط والماء يلعب دوراً رئيسياً في هذا التفاعل. تقول أولفيرا دي لا كروز: "إن إحدى السمات الفريدة لهذه المستحلبات هي أن السطح البيني بين الوسيطين يؤدي إلى استقطاب السطح. وهذا الاستقطاب السطحي يساهم في التفاعلات بين القطيرات. اعتقدنا أنّ استقطاب الشحنات المستحثّة سيساهم بشكل طفيف في التفاعل. لكننا وجدنا أن الشحنات المستحثّة من استقطاب السطح في الواقع تسهم إسهاما كبيراً في التفاعل".

على الرغم من أنّ الباحثين قد درسوا سابقاً الجسيمات النانوية المشحونة في الماء، إلا أنها عادةً ما تكون ثابتة، فالنّهج الذي يتبع خطوة تلو الأخرى لا ينطبق على هذا النظام الديناميكي.

عملت أولفيرا دي لا كروز على تجاوز هذه المسألة من خلال تطوير نهج حسابي، وقالت: "إنّ شحنة القطرات تتحدد بالاستقطاب، ويتم تحديد الاستقطاب بالشحنة. لقد طوّرنا تقنية يمكن من خلاها تحديد الاستقطاب العام واستجابة الوسيط في وقت واحد".

وفي تطور مفاجئ، اكتشف الفريق أيضا أنّ النتيجة تنطبق فقط على قطرات الماء في النفط. عندما يحدث العكس (قطرات النفط معلقة في الماء) فإن الشحنة الناتجة تتنافر وقوى الجذب تضعف. هذا الفهم الأفضل للمستحلبات يمكن تطبيقه لفصل عناصر الأرض النادرة وكذلك لفصل العناصر الأخرى، بما في ذلك إزالة المعادن المشعة والنفايات النووية.
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات