آلية اضطراب ما بعد الصدمة في الدماغ.. نظرة جديدة

تُعالِج أدمغتنا الذكريات المخيفة بسرعةٍ كبيرةٍ جدًا، حيث أظهرت دراسةٌ جديدةٌ أن أدمغة الحيوانات قد لا تكون قادرةً على مواكبة خلق ذاكرة للخوف "Fear Memory" وقد يكون هذا هو السبب وراء حدوث اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) وظروفٍ مماثلةٍ أخرى.

‎ويمكن لذلك أن يساعد الباحثين في فهم سبب حدوث (اضطراب ما بعد الصدمة) في مجموعةٍ معينةٍ من السكان، في حين أن بعضهم الآخر قد لا يتأثر، ومعرفة السبب وراء صعوبة علاجه.

‎ويمكن أيضًا أن يحدث اضطراب ما بعد الصدمة بعد تعرّض شخصٍ ما لحادثٍ مؤلمٍ. ويكون ذلك من الحالات المروّعة للشخص ذاته كما لأسرته، وعلى الرغم من وجود أدويةٍ واعدةٍ على طريق العلاج إلّا أنّ العلاج المتوافر حاليًا محدود الفعالية.

‎ولذلك قام باحثون من جامعة التكنولوجيا في سيدني University of Technology Sydne _ UTS ومعهد غارفان Garvan Institute، وكلاهما في أستراليا، بالتحقيق في كيفية تشكّل الذاكرة من الذكريات الصادمة الحادثة، آملين بالحصول على رؤىً جديدةٍ في كيفية إيقاف تشكيلها.

‎و قد قام الباحثون باستخدم الفئران في دراستهم، حيث قسّموا 80 فأرًا إلى مجموعاتٍ منفصلةٍ، واختبروا تأثير تطبيق مُنبّهٍ مخيفٍ وبوتيرةٍ سريعةٍ على الحيوانات (عن طريق صعق القدم بتيار 1 ميلي أمبير) في تشكيل ذاكرةٍ لهذا الحَدَث.

‎ويقول برايس فيسيل Bryce Vissel، أحد الباحثين وعالم أعصاب في UTS: ‎"بأن النتائج تشير إلى أنّه قد تكون الحيوانات قادرةً على تشكيل ذكرياتٍ للأحداث المخيفة جدًا بسرعةٍ كبيرةٍ ولكن لا يمكن أن يكوّن الحُصين hippocampus صورةً كاملةً وتفاصيلَ كاملةً لهذا الحَدَث للتعايش معه. يمكن أن يكون هذا الاكتشاف مهمًا، لأنّ الحيوانات تعتمد على ذاكراتها لتحديد مكان وتوقيت وآلية وقوع هذا الحادث الصادم، كي تكون على بيّنةٍ مما قد يقلقها في المستقبل. ففي حال تكوّنت ذاكرةً عند الفئران للحَدَث الصادم وكانت الذاكرة مبهمةً تفتقر إلى التفاصيل الضرورية للإخبار عن البيئات المختلفة أو المواقف المختلفة، فإنّ ذلك قد يطلق هذه الذكريات الصادمة في مجموعةٍ متنوعةٍ من الظروف غير الملائمة".

‎ويعتقد الباحثون أنَّ هذا الانفصال يمكن أن يؤدي إلى سلوكياتٍ شاذةٍ مرتبطةٍ بالخوف عند الفئران، وذلك على غرار ما نشاهده من مُطلِقات تُحدِث أنواعًا مختلفةً من الاضطرابات النفسية عند البشر.

‎ونشير إلى أن هناك العديد من الأسباب التي تجعل الناس يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، ومنها فيما لو كنت طفلًا أو شخصًا بالغًا، والوراثة، ونمط هذه الصدمة، ولكن قد لا تكمن الإجابة في أيٍّ من هذه الأمور تمامًا عن السبب وراء معاناة بعض الناس من اضطراب ما بعد الصدمة بعد تعرضهم لظروفٍ قاسيةٍ وعدم معاناة البعض الآخر.

‎ويقول رافائيل زين Raphael Zinn، وهو أحد الباحثين: "جرى التحقيق بشكلٍ تقليديٍّ في اضطرابات الذاكرة وأساليب معالجتها من خلال التركيز على الفكرة التي تقول أنّ استدعاء الذاكرة أمرٌ خاطئٌ. ومع ذلك، فإنّ جزءًا من المشكلة يكمن في كيفية تشكُّل الذاكرة في المقام الأول، وقد تحتاج الأبحاث وطرق العلاج على التركيز على كيفية تكوّن الذاكرة في الأساس وليس على آلية استدعائها فحسب".

‎وعلى الرغم من أنّ هذا البحث واعدٌ، فمن المهم ملاحظة أن هذه الاختبارات قد أُجرِيَت على فئران المخابر، ولا يمكننا أن ندلي بتصريحاتٍ حاسمةٍ إلّا إذا استطعنا التحقق من صحة هذه النتائج على البشر.

‎ومع ذلك، فإنّ هذه الدراسة المبكرة هي خطوةٌ إلى الأمام، ويأمل الفريق أن يبدأ بتحري الآليات والأساليب الدماغية التي يمكن الاستفادة منها لمساعدة من يعاني من هذا الاضطراب ومحاولة علاجه.

‎نُشِرَ البحث في دورية Learning and Memory.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات