تبدو الأرض مكاناً مناسباً جداً للحياة لو قارنّاها مع جيرانها السماويين. نحنُ محظوظون جدًا، لكن لماذا؟ تُجيب على هذا السؤال دراسة جديدة نُشرت في مجلة "علوم الأرض الطبيعية" Nature Geoscience، شارك فيها باحثون من جامعة كولومبيا البريطانية University of British Columbia، وجامعة كاليفورنيا University of California في سانتا باربارا، وتسلّط الضوء على المسار التطوري المحتمل الذي أمكن للأرض أن تحافظ على استمرار الحياة عليها.
تُشير هذه الدراسة إلى انفصال قشرة الأرض الأوليّة التي كانت غنية بالعناصر المُشعة المنتجة للحرارة مثل اليورانيوم والبوتاسيوم عنها، وفقدانها في الفضاء عندما ضربت النيازك الأرض في المراحل المبكرة من حياتها، في ظاهرة تُعرف بالتعرية عن طريق الصدم (impact erosion)، ولهذه الظاهرة دورٌ هام في تفسير ما توصّل لهُ العلم من اكتشافات تاريخية حول تكوين الأرض على مدى أكثر من عقد من الزمن، حيث يؤكد الباحثون أن خسارة الأرض لهذين العنصرين في وقت مبكّر كان عاملاً حاسماً في تطور الصّفائح التكتونية للأرض (plate tectonics)، وحقلها المغناطيسي، ومناخها.
يُوضح الأستاذ في قسم علوم الأرض والمحيط والغلاف الجوي في جامعة كولومبيا البريطانية مارك جيلينك Mark Jellinek قائلاً: "إنّ الأحداث التي تُحدِّد التكوين المبكر للأرض وتركيب الجزء الأكبر منها، تحكُم جزئياً الأحداث التاريخية التكتونية، والمغناطيسية، والمناخية اللاحقة للكوكب، والتي يجب أن تعمل معاً لتشكيل الأرض التي نعيش عليها، كما أن لهذه الأحداث إمكانية تمييز الأرض عن بقيّة الكواكب".
يتسبب التغيير في الصفائح التكتونية الأرضية في حدوث انقلابٍ منتظم لسطحها، والذي يُبرّد بدوره الوِشاح الداخلي للأرض بشكل ثابت، ويحافظ على الحقل المغناطيسي القوي لها، كما يحفّز النشاط البركاني؛ وتُطلِق البراكين الثائرة الغازاتِ الدفيئة من عمق باطنِ الكوكب، وتُساعد هذه الانفجارات المنتظمة في الحفاظ على مناخٍ صالحٍ للحياة يميّز الأرض عن بقيّة الكواكب الصخرية.
ومع أن الزهرة يُعتَبر الكوكب الأكثر تشابهًا بالأرض من حيث الحجم، والكتلة، والكثافة، والجاذبية والتركيب، إلا أنّ مناخه كارثيّ مقارنةً بمناخ الأرض المستقر والصّالح للحياة على مدى الزمن الجيولوجي (geological time)، حيث أن مناخ الزهرة يتميّز بغلاف جوّي كثيفٍ من ثاني أوكسيد الكربون، وبدرجات حرارة سطحيّة تصل حتى 470 مئوية.
ويبيّن كل من جيلينك، والأستاذ المساعد في جامعة كاليفورنيا مات جاكسون Matt Jackson، السبب الكامن وراء تطور كل من الأرض والزهرة بشكل مختلف، حيث يتحدّث جيلينك قائلاً: "قد تنتهي الأرض بسهولة وتصبح كما كوكب الزهرة في يومنا الحالي، والفرق الرئيسيّ بين الكوكبين الذي قد يقلب الميزان، هو اختلاف رقعة تأثير التعرية. فمع تأثير أقل للتعرية، يمكن أن يبرد كوكب الزهرة بشكل مطرد، ويسبِّب تقلبات كارثية في كثافة النشاط البركاني تقود على مدى مليار عام إلى تقلبات دراماتيكية في المناخ".
ويتابع: "لقد عبرنا بقصة التعرية بالصدم بالزمن نحو الأمام؛ وكنا قادرين على إظهار أن لتأثير الظروف، التي تحكُم التركيب الابتدائي للكوكب، عواقبَ وخيمة في حال تطورها، فهي مجموعة خاصة جداّ من الظروف التي تشكّل الأرض".