يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
ما مصير الابتكار بدون المعرفة الأساسية؟

إن فهم كيف يحدث الابتكار فعليًا هو واحد من أكثر النقاشات الفكرية الإشكالية والهامة التي تجري في أوساط التكنولوجيا، ومن الواضح أن المعرفة الأساسية تلعب دورًا جوهريًا، وهذا ما تم تجاهله طويلًا. 


عندما تتطور وتنمو الأنظمة، تصاب بالركود أيضًا. الابتكار هو عملية تقديم أفكار جديدة وديناميكية لتنشيط هذه الأنظمة باستمرار، وإلا لن تحقق أهدافها التي قامت لأجلها. 

يمكن أن تأتي المعرفة الأساسية من العلوم الاجتماعية والعلوم الصحية والدراسات السياسية والحقوق والخدمة الاجتماعية والأنثروبولجيا (علم الأجناس البشرية)، وأيضًا بشكل انتقادي الأعمال والاقتصاد. لا يمكن للمجتمع استيعاب التكنولوجيا أو الإمكانيات التكنولوجية بشكل كامل دون المعرفة العلمية الأساسية التي تساعدنا على فهم هذه المجالات. وسواء كانت المعرفة العلمية الأساسية مأخوذة من الفيزياء أو الكيمياء أو البيولوجيا أو العلوم الهندسية كأمثلة، فإنها حقيبة أدوات ضخمة تستمر في النمو وتُشذب بمرور الزمن.

الإجابات ليست بسيطة 


هذا لا يعني أن المعرفة الأساسية أو المعرفة العلمية الأساسية تقود -أو لا تقود- بالضرورة إلى ابتكار تكنولوجي. فهذا خطي جدًا إلى حدٍّ بعيد، وحتى بسيط. وليس السؤال الذي يتوجب علينا طرحه.

بدلًا من ذلك، يجب أن يكون التركيز على التفكير الشمولي العام، وعلى العلاقات المؤثرة الفعّالة بين المعرفة العلمية الأساسية والمعرفة العلمية والابتكار التكنولوجي. فيجب على أحجار البناء الضخمة والديناميكية هذه أن تعمل مع بعضها.

بأخذ عمل بريان آرثر W. Brian Arthur بعين الاعتبار، وهو بروفيسور في معهد سانتافي وأستاذ اقتصاد سابق في ستانفورد وحائز على الدكتوراه في أبحاث العمليات من بيركيلي، فإنه يعتقد أن الابتكار التكنولوجي يعتمد على "تزامن الظواهر، تأثيرات طبيعية تعمل مع بعضها"، ويضيف: "بالنتيجة لا يوجد سؤال في تعليم العلوم والتكنولوجيا الممتاز يؤتي ثمارًا ضخمة ضخمة ضخمة، لا يمكنني المبالغة في ذلك. إن الابتكار هو المقدرة على أن تمتلك في جعبتك عددًا ضخمًا من القدرات الوظيفية وتتقنها، بالإضافة إلى فهم عميق لكيفية عمل الظواهر".

ربط العلم والتكنولوجيا هو النقطة المفتاحية هنا


نرى من التاريخ أنه بلا مزج المعرفة الأساسية مع المعرفة العلمية الأساسية، يتقدم الابتكار بشكل سيء. وكمثال، توماس إديسون Thomas Edison، الذي حذف فعليًا كل العلوم من المعادلة عندما شق طريقه نحو تسويق المصباح الكهربائي. على الجانب الآخر، عمل نظيره تسلا Tesla ذو البصيرة القوية كعالم أساسي، يحل المشاكل التي لم نكن نعلم بوجودها، كما أنه كان مخترعًا أعظم من إديسون، وهذا محل للجدل.

من الممكن الجدال بأن إديسون نجح في الواقع، بينما انتهى الأمر بتسلا غائبًا عن الذكر. مع ذلك لن ينكر أي أحد أن الإنسانية خسرت كمًا هائلًا بعدم دعم ابتكارات تسلا، فبعضها حتى لم يُنتسخ ليصل يومنا الحالي من مثل الطاقة اللاسلكية.

 

لقد كان من الممكن أن يوصلنا تسلا أبكر إلى حيث نريد، ومن ثم يدفعنا إلى الأمام. إن مزجًا كهذا للعلوم الأساسية بالترافق مع الملاحظة الدقيقة وموهبة الاكتشاف قاد بعضًا من أهم إنجازات البشرية، انطلاقًا من عمل بيير وماري كوري مع النشاط الإشعاعي إلى أليكسندر فليمنغ Alexander Fleming والبنسلين.

في عصرنا الحديث، نحن متأثرون بحقٍّ بالتطبيقات المذهلة واسعة الانتشار بكل سحرها الرقمي التي تظهر على الهواتف الخليوية، لكن الفيزياء الأساسية والعلوم التابعة للمغناطيسية الكهربائية والإلكترونيات والاتصالات ومعالجة الإشارة، هم الذين يكوّنون حقًا هذه الإنجازات الرقمية، حتى إنهم هم الذين يجعلونها ممكنة، ذروة الأشياء التي تصورها تسلا والحرب العالمية الثانية والحرب الباردة وتأثيرات أخرى.

في العديد من الحالات، أصبحت هذه الاكتشافات ممكنة عبر أبحاثٍ مولها الدفاع، لكن من المبهج رؤية أن الحكومات الفيدرالية تعترف بدور الأبحاث الأساسية في جميع مجالات الابتكار، كما هو مُبين في الميزانية الأخيرة لكل من معاهد الصحة الوطنية الأميركية (NIH) ومؤسسة العلوم الوطنية الأميركية (NSF) ومنظمات ذات صلة.

 

العلوم الأساسية أو المعرفة الأساسية يمكن أن تؤدي إلى الابتكار التكنولوجي، الذي يمكن بدوره أن يعود بالمزيد من المعرفة. فكر لدقيقة في كل الأدوات المتقدمة التي طورها تكنولوجيون لدراسة الذرة أو البيولوجيا أو الفضاء العميق. 

من الذي يحصل على القيادة؟


يبدو أن الحكومة الفيدرالية، خصوصًا وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدم (DARPA) التي كانت وراء ابتداع الإنترنت، تدرك كيفية مزج المعرفة العلمية الأساسية والمعرفة الأساسية والتكنولوجيا. في الواقع، لقد وظف التمويل الفيدرالي الفيزياء الأساسية وفيزياء أشباه الموصلات وفيزياء الكم وفيزياء المواد المكثفة، للمساعدة في تكوين مجموعة من التقنيات الحديثة القوية والعميقة التي نعتبرها الآن أمورًا بديهية.

لسوء الحظ، ما يريده رأس المال الخاص أكثر هو نتائج فورية -وعائدات فورية- على أدوات الابتكار خاصته، ما يضع البحث الأساسي طويل الأمد أمام عائق تمويلي. 

المفارقة هنا بالتأكيد أن المعرفة الأساسية والمعرفة العلمية الأساسية تساعد في دعم وتعزيز الكثير من الابتكار. إذًا في حال كانت سوق رؤوس الأموال الخاصة قد تمول هذه المجالات الأقل جاذبيةً وسرعةً في التلبية، فربما تصبح فعليًا قادرةً على تجاوز المخاطرة الكبيرة في التأسيس والمراحل الباكرة من التطور التكنولوجي.

في النهاية، ومع هذا، نحتاج إلى الإقرار بالجسم الضخم للمعرفة الأساسية والمعرفة العلمية الأساسية الذي قد شكله الجنس البشري عبر الزمن. لا نريد مجتمعًا في كل مرة يُشغَل فيه ضوء، يذهل الأشخاص ويرتعبون بالذي يحسبونه سحرًا أو معجزة.

لقد عمل الباحثون عملًا طويلًا وشاقًا لإحراز هذه المعرفة التأسيسية والهامة، وكما دائمًا، إنها متاحة بسهولة للمبتكرين. إذا فهمنا وسخّرنا هذه الملكية وثيقة الصلة غير المقدرة غالبًا، سيعود مجتمعنا بالمنفعة على الأجيال القادمة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات