طريقةٌ جديدة للكشف عن المادة المظلمة

يتواجد "الزينون Xenon" في الهواء الذي نتنفسه، والذي يستخدم في الكشف عن "المادة المظلمة" Dark Matter في أعماق الأرض. فإن كنت ترغب في شرائه، فيمكنك ذلك، فهناك سوقٌ لبيعه مع عددٍ قليلٍ من الموردين الكبار له.

ولكن تمهل قليلاً، أنت بحاجة إلى عشرة أطنان متري من الزينون الخالص والنقي في صورته السائلة؛ من أجل تجربة المادة المظلمة التي تدعى (LUX-ZEPLIN). هنا الأمر سيصبح معقدًا قليلاً، أليس كذلك؟

البحث عن كميات كبيرة من الزينون يُشبه إلى حدٍ ما البحث عن المادةِ المظلمةِ ذاتها، فهو موجود بكلِ مكانٍ حولنا، ولكنهٌ عديم اللون والرائحة ويصعب فصلُه عن أي شيءٍ آخر. على الرغم من أنهٌ موجود في الهواء الذي نتنفسه، ولكنه أيضاً من أندر العناصر الموجودة على الأرض. خيرٌ مثال على تلك الندرة، أنه يوجد حوالي جزء واحد من الزينون في كل 11.5 مليون جزء من الهواء.

إضافة إلى ذلك، فإن الصناعة العالمية تستخرج الزينون السائل وتنتج منه نحو 40 طنًا سنويًا. من الصعب جداً الحصول على عشرة آلاف طن دفعةً واحدة. يقول أحد فيزيائيي مختبر SLAC "توماس شوت" Thomas Shutt، والذي غادر جامعة كيس ويسترن ريزرف Case Western Reserve University بولاية أوهايو، العام الماضي للانضمام مع الفيزيائي "دانيل أكيريب" Daniel Akerib إلى مختبر المعجلات الوطني SLAC: "إن شراء عدة أطنان سنوياً لن يُربك السوق بدرجةٍ كبيرة". وأضاف: "شراء عشرة أطنان من الزينون في السنة يُمثل ربع الحصة السوقية".

يرأس شوت وأكيريب تجربة LUX-ZEPLIN، أو اختصارًا LZ، التابعة لمختبر SLAC، والتي تعد واحدة من أكبر الجهود المبذولة لإيجاد جسيمات المادة المظلمة. ستُملأ تجربة LZ بسائل الزينون فائق البرودة مثلما حدث مع التجربة التي تعتبر السلف الاصغر لها والتي تدعى LUX.


الزينون مثلهُ مثل العديد من الغازات النادرة الأخرى، يمكن أن تنبعث منه ومضات من الضوء والالكترونات عندما تُصدم ذراته بجسيماتٍ أخرى. سيوضع "كاشف LZ" على بعد ميلٍ تحت الأرض في منشأة الأبحاث بسانفورد بولاية داكوتا الجنوبية، محميًّا من معظم الجسيمات الأخرى، وبانتظار صدور أي إشارة من جسيمات المادة المظلمة. يقول أكيريب: "الزينون لديه قوة إيقاف جيدة حقًا". فهيئتُه السائلة كثيفة جدًا لدرجة أنه يُمكن للألومنيوم أن يطفو على سطحه، لاسيما أنهُ على درجةٍ عاليةٍ من الحساسيّة لمرور الجسيمات.


يُستخدم الزينون في مجالاتٍ أخرى غير تجارب المادة المظلمة، فهو مكوِّن أساسي في أضواء الهالوجين مثل المصابيح الأمامية الزرقاء في بعض السيارات، وفي المصابيح التي تحرك الليزر، وكوقود للأقمارِ الصناعية والمركبات الفضائية الأخرى. كما يُستخدم في تصنيع أشباه الموصلات والتصوير الطبي، وكان يُستخدم كمخدر. أيضاً، يُستخدم كمُنتَج ثانوي في عملية تصنيع الفولاذ، حيث يستخدم الأوكسجين السائل لتنظيف الملوثات الموجودة على سطح الحديد المنصهر.


من بين المُنتجين الأساسيين للزينون: (روسيا وجنوب أفريقيا والمملكة العربية السعودية). كانت روسيا لاعبًا أساسيًّا في هذه السوق في عهد الاتحاد السوفيتي حينما كانت تهيمن على صناعة الفولاذ بشكل كبير. على الرغم من ذلك، فالزينون المنتَج صناعيًا ليس نقيًا بما فيه الكفاية ليصلح للمتطلبات الصارمة لتجربة LZ.


يقول شوت: "إنّ استخلاص الزينون من الهواء لم يكن خيارًا". وأضاف: "إذا كان علينا أن نبدأ من الصفر في تكرير الزينون، فسيكلفنا ذلك كثيراً". إذ يخطط فريق LZ للحصول على الزينون خلال السنوات الأربعة القادمة. وأكمل شوت: "ليس هناك مدة انتهاء صلاحية للزينون، ولكنهُ يحتاج إلى أن يتم احتواؤه بإحكام حتى لا يتمكن من التنفيس. والزينون الذي نستخدمه يمكننا طرحه مرة أخرى في السوق، أو نستخدمهُ في الأمور العلمية الأخرى، وذلك بعد اكتمال تجربة LZ، أي انه سيظل معنا للأبد".

للتأكد من أنَّ كاشف المادة المظلمة يعمل على نحو جيد وفائق الحساسية، يقوم فريق LZ ببناء نظام تنقية Purification System في مختبر المعجلات الوطني SLAC؛ لإزالة الكريبتون والغازات النادرة الأخرى التي يُمكن أن تختلط مع الزينون. أجريت تجربة LUX من قبل بالزينون الذي يحتوي على 100 جزء من الكريبتون لكل مليار جزء من الزينون، وتمت تنقيته ليصبح أربعة أجزاء لكل تريليون، أما تجربة LZ فتحتاج إلى زينون مُنقّى عند مستوى 0.015 جزء من الكريبتون لكل تريليون. (أي أكثر نقاءً بـ300 مرة).

يمزح شوت بقوله إنه بينما تدور الـLZ كلها حول فيزياء الجسيمات، "فإننا نحن المهندسين الكيمائيين نصبح كُرسيًّا ذا ذراعين" أثناء طرح التجربة معاً.

تنُص الخطة الحاليّة على تنقية الزينون في عام 2018، وإدخال كل دُفعة على حدة في عملية التنقيّة لمرتين. ومن المتوقع أن تنتهي عملية تنقية تلك الدُفعات في عدةٍ أشهرٍ، لِتبدأ تجربة LZ في عام 2019، كما هو مقرر.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المادة المظلمة (Dark Matter): وهو الاسم الذي تمّ إعطاؤه لكمية المادة التي اُكتشف وجودها نتيجة لتحليل منحنيات دوران المجرة، والتي تواصل حتى الآن الإفلات من كل عمليات الكشف. هناك العديد من النظريات التي تحاول شرح طبيعة المادة المظلمة، لكن لم تنجح أي منها في أن تكون مقنعة إلى درجة كافية، و لا يزال السؤال المتعلق بطبيعة هذه المادة أمراً غامضاً.

اترك تعليقاً () تعليقات