ناسا تُؤكّد: الماء بشكله السائل يجري على سطح المريخ الآن

يُشير العلماء إلى أن هذه الخطوط الداكنة الضيقة البالغ طولها حوالي 100 متر والمعروفة باسم "خطوط المنحدرات المتكررة" (recurring slope lineae) التي تجري نحو الأسفل على هذه المنحدرات المريخية الظاهرة في الصورة أعلاه قد تشكّلت بفعل الماء الجاري على سطح الكوكب حالياً، أي أنها حديثة التشكّل. ومؤخراً، رصد العلماء المختصون بعلوم الكواكب وجود أملاح مائية على هذه المنحدرات الموجودة في فوهة هيل، ما يُعزز الفرضية الأصلية السابقة التي تقول بأن هذه الخطوط تشكّلت بالفعل بسبب الماء السائل. ويعتقد العلماء أن اللون الأزرق الظاهر في قمة المنحدر عند الخطوط الداكنة ليس له علاقة بتشكل هذه الخطوط، بل هو ناتج عن وجود معدن البيروكسين. أُنتجت الصورة عبر وضع صورة مُصححة متعامدة بألوان زائفة (ما تحت الحمراء-الأزرق/الأخضر (IRB) (إي أس بي_030570_1440) على نموذج التضاريس الرقمي (DTM) الخاص بالموقع نفسه والذي أنتجته تجربة التصوير العلمي عالي الدقة High Resolution Imaging Science Experiment، أو اختصاراً (HiRISE) في جامعة أريزونا. يبلغ مستوى التضخيم العمودي Vertical Exaggeration حوالي 1.5 درجة.


حقوق الصورة: NASA/JPL/University of Arizona


تُقدم النتائج الجديدة التي تم الحصول عليها بواسطة مستكشف المريخ المداري التابع لناسا (MRO) أقوى دليلٍ حتى الآن على أن الماء بشكله السائل يجري على سطح كوكب المريخ بشكل متقطّع حالياً.


وقد تمكّن الباحثون من رصد دلائلَ وإشاراتٍ على وجود المعادن المائية على المنحدرات، حيث تُرى الخطوط الغامضة المنتشرة على سطح الكوكب الأحمر، وذلك باستخدام مطياف التصوير على متن مستكشف المريخ المداري. وقد تبيّن أن هذه الخطوط المُظلمة تنحسر وتتدفق مع مرور الوقت. تُسبب هذه الخطوط اللون الداكن للمنحدرات السحيقة وتجري باتجاه الأسفل على طولها خلال المواسم الدافئة، لكنها تتلاشى وتختفي في المواسم الأبرد. تَظهر هذه الخطوط أيضاً في مناطقَ مختلفةٍ من سطح المريخ عندما تكون درجات الحرارة أعلى من 10 درجات فهرنهايت (23 درجة سلسيوس تحت الصفر)، ثم تعود وتختفي في الأوقات التي تشهد درجات حرارة أبرد.


في هذا الشأن يقول جون غرنسفيلد John Grunsfeld، رائد فضاء ومدير مُشارك في مديرية المهام العلمية NASA’s Science Mission Directorate في مقر ناسا في واشنطن: "لقد كان مسعانا الرئيسي في رحلتنا إلى المريخ هو تتبع آثار الماء على سطحه لكي نكشف عن وجود حياة في الكون. والآن، لدينا أدلة علمية مقنعة تؤكد ما كنا نشكك به سابقاً". ويضيف غرنسفيلد قائلاً: "هذا اكتشاف مهم جداً لأنه، كما يبدو، يُؤكد لنا على أن الماء يجري حالياً على سطح كوكب المريخ، ولو أنه مالحٌ قليلاً".


رُبطت هذه التدفقات الجارية على المنحدرات، والمعروفة باسم خطوط المنحدرات المتكررة (recurring slope lineae)، أو اختصاراً (RSL)، في الغالب بالماء السائل. وتُشير النتائج الجديدة المتعلقة باكتشاف الأملاح المائية على تلك المنحدرات إلى ماهية أو طبيعة العلاقة التي تربط بين الماء وتلك التضاريس أو المعالم المُظلمة. يمكن للأملاح المائية أن تُخفّض من درجة التجمد الخاصة بمحلول ملحي، بالطريقة نفسِها التي يُساعد فيها الملح هنا على الأرض على تسريع عملية ذوبان الجليد والثلج إذا ما تم رشّه على الطرقات المًتجمدة في الشتاء. يقول العلماء إنه من المحتمل وجود تدفقٍ ضحل تحت السطح يحتوي على كمية كافية من المياه المتسربة إلى السطح لجعله داكن اللون.

تُظهر هذه الصورة خطوطاً مُظلمة وضيقة تُسمى خطوط المنحدرات المتكررة وهي تمتد على طول جدران فوهة غارني على كوكب المريخ. يبلغ طول الخطوط الداكنة هذه بضع مئات من الأمتار، ويفترض العلماء أنها تشكّلت بسبب تدفق الماء المالح السائل على السطح. أُنتجت الصورة عبر وضع صورة مُصححة مُتعامدة (orthorectified) (RED) (إي أس بي_031059_1685) على نموذج التضاريس الرقمي (DTM) للموقع نفسه الذي أنتجته تجربة التصوير العلمي عالي الدقة (جامعة أريزونا). يبلغ مستوى التضخيم العمودي حوالي 1.5 درجة. حقوق الصورة: Credits: NASA/JPL/University of Arizona
تُظهر هذه الصورة خطوطاً مُظلمة وضيقة تُسمى خطوط المنحدرات المتكررة وهي تمتد على طول جدران فوهة غارني على كوكب المريخ. يبلغ طول الخطوط الداكنة هذه بضع مئات من الأمتار، ويفترض العلماء أنها تشكّلت بسبب تدفق الماء المالح السائل على السطح. أُنتجت الصورة عبر وضع صورة مُصححة مُتعامدة (orthorectified) (RED) (إي أس بي_031059_1685) على نموذج التضاريس الرقمي (DTM) للموقع نفسه الذي أنتجته تجربة التصوير العلمي عالي الدقة (جامعة أريزونا). يبلغ مستوى التضخيم العمودي حوالي 1.5 درجة. حقوق الصورة: Credits: NASA/JPL/University of Arizona


في هذا الصدد يقول لوجندرا أوجها Lujendra Ojha، من معهد جورجيا للتكنولوجيا Georgia Institute of Technology (جورجيا تيك) في أتلانتا، والمُؤلف الرئيسي للتقرير الخاص بهذه النتائج والتي تم نشرها بتاريخ 28 سبتمبر في مجلة Nature Geoscience: "لقد وجدنا الأملاح المائية فقط عندما كانت التضاريس الموسمية أوسع ما يكون، ما يُشير إلى أن الخطوط الداكنة نفسها أو العملية التي شكّلتها هي مصدر إضافة الماء إلى هذه الأملاح. في أي من هاتين الحالتين، يُشير اكتشاف وجود الأملاح المائية على هذه المنحدرات إلى أن الماء يلعب دوراً حيوياً في عملية تشكيل هذه الخطوط."


وقد لاحظ أوجها هذه التضاريس المُحيّرة أول مرة عندما كان طالباً في مرحلة البكالوريوس في جامعة أريزونا عام 2010 وذلك عند استخدامه صوراً التقطتها تجربة التصوير العلمي عالي الدقة الموجودة على متن مستكشف المريخ المداري. لقد تمكنت تجربة التصوير العلمي عالي الدقة إلى الآن من توثيق وجود خطوط المنحدرات المتكررة في العديد من المواقع على المريخ. وتجمع الدراسة الحديثة بين عمليات الرصد التي حققتها تجربة التصوير العلمي عالي الدقة وعمليات إعداد خرائط المعادن بواسطة مطياف التصوير المدمج لاستطلاع المريخ Compact Reconnaissance Imaging Spectrometer، أو اختصاراً (CRISM) الموجود على متن مستكشف المريخ المداري.


وتُظهر عمليات الرصد التي قام بها هذا المطياف إشاراتٍ ودلائلَ على وجود الأملاح المائية في عدة مواقع خاصة بخطوط المنحدرات المتكررة، لكن ذلك لم يتم إلا عندما كانت التضاريس المُظلمة أو الداكنة واسعة نسبياً. وعندما نظر الباحثون إلى المواقع نفسها ووجدوا بأن خطوط المنحدرات المتكررة لم تكن واسعة بما يكفي، لاحظوا عدم وجود الأملاح المائية.


يُفسّر أوجها والمؤلفون المشاركون معه هذه الإشارات الطيفية على أنها ناتجة عن معادن مائية تُسمى البيركلوريتس (perchlorates). وهناك احتمال كبير بأن تكون الأملاح المائية المرتبطة بالإشارات الكيميائية عبارة عن خليط من بيركلورات المغنيسيوم، وكلورات المغنيسيوم، وبيركلورات الصوديوم. وقد لُوحظ من قبل أن بعض أنواع البيركلورات قادرة على حماية السوائل من التجمد حتى عندما تكون الظروف الحرارية منخفضة جداً، أي عند 94 درجة فهرنهايت تحت الصفر (70 درجة سلسيوس تحت الصفر). على الأرض، تتركز البيركلورات الطبيعية في الصحارى، ويمكن استخدام بعض أنواعها كوقود لدفع الصواريخ.


وقد شُوهدت البيركلورات سابقاً على المريخ، إذ وَجدت كل من مركبة الهبوط فينيكس Phoenix التابعة لناسا ومركبة الفضاء كريوسيتي Curiosity هذه البيركلورات في تربة الكوكب الأحمر. ويعتقد بعض العلماء أن بعثات مركبات الفايكنغ Viking التي أُطلقت في سبعينيات القرن الماضي قد قامت بقياس إشارات ودلائل هذه الأملاح. لكن، من جهة أخرى تمكنت هذه الدراسة التي أُجريت على خطوط المنحدرات المتكررة من رصد البيركلوراتس في شكلها المائي في مناطق مختلفة عن تلك التي رصدتها مراكب الهبوط. كما أن هذه هي المرة الأولى التي تم العثور فيها على البيركلوراتس من المدار.


كما كانت مركبة مستكشف المريخ المداري تقوم بفحص المريخ منذ عام 2006 باستخدام أدواتها العلمية الست. يقول ريتش زوريك Rich Zurek، أحد العلماء العاملين على مشروع مستكشف المريخ المداري في مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory التابع لناسا في باسادينا، كاليفورنيا: "لقد تمكنا من تحقيق نتائج كهذه بفضل قدرة مستكشف المريخ المداري على رصد ومراقبة سطح المريخ على مدار العديد من السنوات المريخية مُستخدماً حمولة علمية قادرة على رصد التفاصيل الدقيقة لهذه التضاريس. في البداية، تمكنّا من تحديد الخطوط الموسمية المُحيّرة، والآن نقوم بإنجاز مراحل هائلة في سبيل تفسير ماهية هذه الخطوط."


بالنسبة لأوجها، تُعد هذه النتائج الحديثة بمثابة دليل على أن الخطوط الغامضة التي تُسبب ظهور اللون الداكن على منحدرات المريخ والتي شاهدها أول مرة قبل خمس سنوات، هي بالفعل، ماء يجري على السطح.


يقول أوجها: "عندما يتكلم أغلب الناس عن الماء على المريخ، فإنهم غالباً ما يقصدون الماء القديم الذي كان موجوداً واختفى، أو المُتجمد. لكننا الآن نعلم أن القصة أكبر من ذلك بكثير. فهذه هي عملية الرصد الطيفية الأولى التي تدعم فرضيات تشكّل الماء السائل التي وضعناها لتفسير تشكّل خطوط المنحدرات المتكررة."


يُعتبر هذا الاكتشاف الأحدث في سلسلة من الاكتشافات الهائلة التي حققتها مركبات ناسا التي أُرسلت إلى المريخ. وفي هذا الشأن يقول مايكل ماير Michael Meyer، العالم الرئيسي المسؤول عن برنامج استكشاف المريخ التابع لناسا Mars Exploration Program في مقر الوكالة في واشنطن: "تطلّب الأمر منا إرسال عدة مركبات فضائية إلى المريخ على مدار عدة سنوات من أجل حل هذا اللغز. والآن بين أيدينا دليل على وجود الماء السائل على سطح الكوكب الأحمر القاحل والبارد. ويبدو أنه كلما درسنا المريخ أكثر، تعلمنا أكثر حول الكيفية التي يمكن من خلالها دعم الحياة كما نعرفها، وحول كيفية العثور على الموارد التي من شأنها دعم الحياة في المستقبل."

 

 رسم رقمي مُتحرك لموقع التدفقات الموسمية في فوهة هيل على المريخ
يُحاكي هذا الرسم الرقمي المُتحرك عملية التحليق حول واحدٍ من الأماكن على المريخ التي تجري فيها الخطوط الداكنة أسفل المنحدرات أثناء المواسم الدافئة، والتي يُحتمل أنها تحتوي على ماء سائل. يقع هذا الموقع ضمن فوهة هيل Hale Crater، ويبلغ طول هذه الخطوط طول ملعب كرة قدم تقريباً.



هنالك ثمانية مؤلفين مشاركين في الورقة التي تم نشرها في مجلة Nature Geoscience، من بينهم: ماري بيث ويلهيلم Mary Beth Wilhelm من مركز أبحاث إيمز التابع لناسا Ames Research Center في موفيت فيلد، كاليفورنيا وجورجيا تيك، وسكوت مورتشي Scott Murchie، الباحث الرئيسي لمطياف التصوير المدمج لاستطلاع المريخ من مختبر الفيزياء التطبيقية Applied Physics Laboratory في جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University في لوريل، ماريلاند، وألفرد ماك إيوين Alfred McEwen، الباحث الرئيسي لتجربة التصوير العلمي عالي الدقة من المختبر القمري والكوكبي Lunar and Planetary Laboratory التابع لجامعة أريزونا في تاكسون، أريزونا. أما الباحثون الآخرون فهم مُوزعون على كل من جورجيا تيك، ومعهد البحوث الجنوبي الغربي Southwest Research Institute في بولدر، كولورادو، ومختبر الكواكب والجيوديناميكيا Laboratoire de Planétologie et Géodynamique في فرنسا.

يتولى مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory التابع لوكالة ناسا في باسادينا، كاليفورنيا إدارة مشروع مستكشف المريخ المداري Mars Reconnaissance Orbiter لصالح مديرية المهام العلمية التابعة لناسا في واشنطن Science Mission Directorate. قامت شركة لوكهيد ببناء المركبة وتتعاون مع مختبر الدفع النفاث في عملية تشغيلها.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية. (IKI): معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات