نيو هورايزنز: اكتشافات لا تقدر بثمن!!

ناقش فريق بعثة نيو هورايزنز التابعة لوكالة ناسا مجموعة تضم أكثر من خمسين اكتشافاً مثيراً خاصاً ببلوتو، وذلك أثناء الاجتماع السنوي السابع والأربعين لقسم الجمعية الفلكية الأميركية المختص بعلوم الكواكب والذي عقد في فندق ناشيونال هابور بولاية ماريلاند. تضم قائمة الاكتشافات مجموعة متنوعة تبدأ بإمكانية وجود براكين جليدية على سطح بلوتو وتنتهي بأقماره دائرية الشكل.

يقول جيم غرين Jim Green، وهو مدير قسم علوم الكواكب في المقر الرئيسي لوكالة ناسا في واشنطن: "ساهمت بعثة نيو هورايزنز في تغيير ما كنا نعتقد أننا نعرفه من معلومات حول بلوتو وقلبتها رأساً على عقب. وهذا هو السبب الذي يدفعنا إلى إجراء المزيد من عمليات الاكتشاف بهدف إشباع فضولنا الفطري للمعرفة، وللإجابة على الأسئلة المعقدة والغامضة بخصوص كيفية وصولنا إلى هنا وما يلوح من اكتشافات جديدة في الأفق".

ولتحقيق مثل هذا الاكتشاف، عمل علماء الجيولوجيا في بعثة نيو هورايزنز على جمع عدة صور لسطح بلوتو بهدف وضع خرائط ثلاثية الأبعاد تشمل اثنين من أكثر الجبال الموجودة على سطح بلوتو تميزاً، واللذيْن يمكن أن يكونا عبارة عن براكين جليدية -أي تلك التي ربما كانت نشطة في الماضي الجيولوجي القريب.


اكتشف علماء بعثة نيو هورايزنز أن اثنين من جبال بلوتو يمكن أن يكونا عبارة عن براكين جليدية، ويدعى هذان الجبلان بشكل غير رسمي بـ جبل رايت وجبل بيكارد. توصّل العلماء إلى هذا الاكتشاف عبر استخدام مجموعة صور لسطح بلوتو بهدف إنتاج خريطة طبوغرافية ثلاثية الأبعاد له. تصف الألوان في الصورة التغيرات في ارتفاع المناطق والتضاريس، حيث يشير اللون الأزرق إلى تضاريس ذات ارتفاع منخفض بينما يشير اللون البني إلى مناطق ذات ارتفاع أعلى. أما اللون الأخضر فيشير إلى التضاريس ذات الارتفاعات المتوسطة. المصدر: NASA/JHUAPL/SwRI
اكتشف علماء بعثة نيو هورايزنز أن اثنين من جبال بلوتو يمكن أن يكونا عبارة عن براكين جليدية، ويدعى هذان الجبلان بشكل غير رسمي بـ جبل رايت وجبل بيكارد. توصّل العلماء إلى هذا الاكتشاف عبر استخدام مجموعة صور لسطح بلوتو بهدف إنتاج خريطة طبوغرافية ثلاثية الأبعاد له. تصف الألوان في الصورة التغيرات في ارتفاع المناطق والتضاريس، حيث يشير اللون الأزرق إلى تضاريس ذات ارتفاع منخفض بينما يشير اللون البني إلى مناطق ذات ارتفاع أعلى. أما اللون الأخضر فيشير إلى التضاريس ذات الارتفاعات المتوسطة. المصدر: NASA/JHUAPL/SwRI


يقول آلان ستيرن Alan Stern، الباحث الرئيسي في بعثة نيو هورايزنز من المعهد الجنوبي الغربي للأبحاث في بولدر بولاية كولورادو: "من الصعب تخيّل السرعة الهائلة التي تتطور بها نظرتنا نحو بلوتو وأقماره نتيجة تدفق البيانات الجديدة التي تصلنا كل أسبوع. ولذلك يمكنني القول أن بلوتو أصبح نجماً في النظام الشمسي بسبب الاكشتافات الغزيرة التي نجدها في هذه البيانات. وعلاوة على ذلك، فإنني أراهن أنه بالنسبة إلى معظم علماء الكواكب، فإن واحدة أو اثنتين من نتائجنا المهمّة المكتشفة في عالم واحد ستعتبر شيئاً مذهلاً، أما إمكانية الحصول على هذا كله فسيعتبر ببساطة أمراً لا يصدق". يعتبر كلا هذين البركانين الجليديين المرشحين معالمَ كبيرةً للغاية تمتد على مساحة تقدر بعشرات الأميال أو الكيلومترات، كما أن ارتفاعها يبلغ عدة أميال أو كيلومترات.

يقول أوليفر وايت Oliver White، وهو باحث في أبحاث ما بعد الدكتوراة يعمل في بعثة نيو هورايزنز من مركز أميز للأبحاث التابع لوكالة ناسا في موفيت فيلد بولاية كاليفورنيا: "إنها جبال كبيرة جداً كما أنها تمتلك حفرة كبيرة في قمتها، وهذا الأمر عادة يشير في الأرض إلى شيء واحد ألا وهو: البركان. وفي حال كانت هذه الجبال بركانية فهناك احتمال أن يكون التجويف الموجود في القمة ناجماً عن عمليات انهيار حدثت مع اندلاع وخروج المواد من تحت السطح. كما إنه من الممكن أن تشير البنية المُحدبة والمرتفعة غريبة الشكل والموجودة على جانبي الجبل إلى تدفقات بركانية نزلت من منطقة القمة إلى منطقة السهول. ولكننا إلى الآن لا نعرف ما هي المواد التي تتكون منها تلك الهضبة الغريبة كما أننا لا نعرف لِم تبدو بهذا الشكل".


وفي حين أن مظهرها مشابه للبراكين التي تقذف صخوراً منصهرة على سطح الأرض، إلا أنه من المتوقع أن ينبعث من البراكين الجليدية على سطح بلوتو طينٌ ذائب مكون من عدة مواد مثل جليد الماء والأمونيا والنتروجين أو الميثان. وفي حال تم التأكد من وجود البراكين على سطح بلوتو، فإن ذلك سيمنح العلماء دليلاً مهماً على عملية التطور الجيولوجي وتطور الغلاف الجوي لبلوتو.

يقول جيفري مور Jeffrey Moore، وهو رئيس فريق التصوير والجيولوجيا والجيو فيزياء في بعثة نيو هورايزنز من مركز أميز: "حتى الآن، لم تتم مشاهدة أي شيء من هذا القبيل في الأعماق السحيقة للنظام الشمسي الخارجي".

بلوتو: تاريخ طويل من النشاط الجيولوجي


وفقاً لاكتشاف جديد توصلت إليه بعثة نيو هورايزنز، فإن سطح بلوتو يتميز بتنوع واختلاف عمر وتاريخ التضاريس الموجودة عليه، ابتداءً من تلك التي تشكلت منذ فترة طويلة جداً، مروراً بأخرى تشكلت في فترة زمنية متوسطة، وانتهاءً بالتضاريس التي تكونت في فترة حديثة نسبياً.

يعمَد العلماء إلى حساب الفوهات الموجودة بهدف تحديد عمر منطقة معينة على سطح الكوكب، ووفقاً لهذه الطريقة، كلما زاد عدد الفوهات كلما كانت المنطقة أكبر عمراً. هذا ويشير عدد الفوهات في مناطق سطحية من بلوتو إلى امتلاكه بعض البقع والمناطق التي يعود تاريخها إلى فترة ما بعد تشكل الكواكب في نظامنا الشمسي، أي إلى حوالي أربعة مليارات سنة خلت.

لكن يوجد هناك أيضاً على سطح بلوتو مساحات واسعة يمكن القول بالمفاهيم الجيولوجية أنها تشكلت منذ عهد حديث جداً، أي خلال الـ 10 ملايين سنة الماضية. تظهر هذه المنطقة التي تدعى بشكل غير رسمي سبوتونيك بلانوم Sputnik Planum، على الجانب الأيسر من قلب بلوتو، وهي تبدو في جميع الصور التي وصلت إلى الآن خالية من الفوهات بشكل كامل.

تكشف بيانات جديدة مستقاة من حساب عدد الفوهات عن وجود تضاريس على سطح بلوتو تشكلت في فترة زمنية متوسطة. ويشير هذا الأمر إلى أن سبوتونيك بلانوم لا تُعتبر استثناءً أو أمراً شاذاً عن القاعدة، وعليه يمكن القول بأن بلوتو كان نشطاً من الناحية الجيولوجية على مدار معظم فترات تاريخه الممتد إلى أكثر من 4 مليارات سنة.


تقول كيلسي سينغر Kelsi Singer، وهي طالبة أبحاث ما بعد الدكتوراة من المعهد الجنوبي الغربي للأبحاث SwRI في بولدر بولاية كولورادو: "قمنا برسم خرائط حددنا فيها أماكن أكثر من 1000 فوهة موجودة على سطح بلوتو، والتي تختلف فيما بينها بشكل كبير من ناحية المظهر والحجم. ومن بين عدة أشياء أخرى، أتوقع أن تُقدم لنا دراسة الفوهات مثل هذه رؤى جديدةً ومهمةً حول كيفية تشكل هذا الجزء من النظام الشمسي".
 

تشير عملية رسم الخرائط التي قامت بها بعثة نيو هورايزنز التابعة لوكالة ناسا لتحديد أماكن أكثر من 1000 فوهة على سطح بلوتو، إلى تنوع واختلاف عمر وتاريخ التضاريس الموجودة عليه. ويعني هذا الأمر أن بلوتو كان نشطاً من الناحية الجيولوجية على مدار معظم فترات تاريخه.  المصدر: NASA/JHUAPL/SwRI
تشير عملية رسم الخرائط التي قامت بها بعثة نيو هورايزنز التابعة لوكالة ناسا لتحديد أماكن أكثر من 1000 فوهة على سطح بلوتو، إلى تنوع واختلاف عمر وتاريخ التضاريس الموجودة عليه. ويعني هذا الأمر أن بلوتو كان نشطاً من الناحية الجيولوجية على مدار معظم فترات تاريخه. المصدر: NASA/JHUAPL/SwRI

 

اللبنات الأساسية للنظام الشمسي


ساهم حساب عدد الفوهات في منح فريق بعثة نيو هورايزنز رؤى مهمة حول تركيب حزام كايبر نفسه، حيث يشير العدد الضئيل من الفوهات الصغيرة والتي تكاد تكون نادرة الوجود على سطح بلوتو وأكبر أقماره شارون إلى احتمال أن يمتلك حزام كايبر، وهو منطقة خارجية غير مستكشفة بعد من النظام الشمسي، أجساماً صغيرة بشكل أقل مما توقعته بعض النماذج الموضوعة مسبقاً.

أدى هذا الأمر إلى زيادة شكوك علماء بعثة نيو هورايزنز بأحد النماذج التي بقيت صامدة لفترة طويلة، والتي تقول بأن الأجرام الموجودة في حزام كايبر تشكلت بفعل تراكم واندماج أجسام أصغر بكثير لا تتجاوز مساحتها الميل الواحد. ولذلك يمكن القول أن انعدام وجود الفوهات صغيرة الحجم على كل من بلوتو وشارون يساهم في دعم بعض النماذج الأخرى التي تفترض أن أجسام حزام كايبر الكبيرة والتي تتجاوز مساحتها عشرات الأميال ربما تشكلت مباشرة بشكلها الراهن أو لنقل بحجم قريب من شكلها الحالي.

وفي الواقع، دفع الدليل القائل بأن أجسام حزام كايبر يمكن أن تكون "وُلدت كبيرة الحجم"، العلماء إلى أن يشعروا بالإثارة حيال الهدف المحتمل التالي لبعثة نيو هورايزنز وهو الجسم الموجود في حزام كايبر المسمى بـ 2014 MU69 والذي تبلغ مساحته حوالي 30 ميلاً (40-50 كم). وتكمن أهمية هذا الهدف باعتباره ربما سيقدم أول نظرةٍ مفصلةٍ حول اللبنات الأساسية القديمة والبدائية للنظام الشمسي.


دوران أقمار بلوتو المندمجة


سلَّطت بعثة نيو هورايزنز الضوء أيضاً على نظام الأقمار الرائع التابع لبلوتو، وعلى خصائصها الفريدة من نوعها. على سبيل المثال: يتمتع تقريباً كل قمر في النظام الشمسي بما في ذلك قمر كوكب الأرض بدوران متزامن ومتناوب، بحيث يكون أحد وجهيه مقابلاً للكوكب. ولكن الحال مختلف هنا بالنسبة إلى الأقمار الصغيرة لبلوتو.

تدور الأقمار الصغيرة التابعة لبلوتو بشكل أسرع بكثير، حيث يدور هيدرا Hydra أبعد أقمار بلوتو 89 مرة خلال دورة واحدة حول بلوتو وهو أمر لم يسبق له مثيل من قبل. ويعتقد العلماء أن معدلات الدوران هذه يمكن أن تكون متغيرة لأن القمر شارون يُظهر عزم دوران قوي مما يمنع بقية الأقمار الصغيرة من الاستقرار في دوران متناوب.

أمر غريب آخر تتصف به أقمار بلوتو: حيث يتوقع العلماء أنها تتمايل ولكن ليس بدرجة كبيرة جداً.



تحافظ معظم الأقمار الموجودة في النظام الشمسي على أحد الأوجه موجهاً نحو الكوكب المركزي، ولكن عرض الرسوم المتحركة هذا يوضح أن هذه الحالة لا تنطبق بالتأكيد على أقمار بلوتو التي يبدو دورانها شبيهاً بالبلبل الدوار. يظهر بلوتو في المنتصف، كما نرى بالترتيب المداري من الأقرب إلى الأبعد، قمره شارون، وستيكس، ونيكس، وكيربيروس، وهيدرا.

المصدر: NASA/JHUAPL/SwRI/M. Showalter



يقول مارك شولتر Mark Showalter، وهو باحث مشارك من معهد SETI في ماونت فيو بولاية كاليفورنيا: "يبدو دوران أقمار بلوتو شبيهاً بالبلبل الدوار".

و تشير صور الأقمار الأربعة الصغيرة التابعة لبلوتو إلى أن بعضاً منها ربما يكون تشكّل بفعل اندماج اثنين أو أكثر من الأقمار.

تشير بيانات بعثة نيو هورايزنز إلى أن اثنين على الأقل (وربما الأقمار الأربعة كلها) من أقمار بلوتو ربما تشكلت بفعل حدوث اندماج بين اقمار أصغرَ بكثير. وفي حال تم دعم هذا الاكتشاف بمزيد من عمليات التحليل، فإنه ربما سيمنحنا أدلة مهمة حول كيفية تشكل نظام بلوتو.  المصدر: NASA/JHUAPL/SwRI
تشير بيانات بعثة نيو هورايزنز إلى أن اثنين على الأقل (وربما الأقمار الأربعة كلها) من أقمار بلوتو ربما تشكلت بفعل حدوث اندماج بين اقمار أصغرَ بكثير. وفي حال تم دعم هذا الاكتشاف بمزيد من عمليات التحليل، فإنه ربما سيمنحنا أدلة مهمة حول كيفية تشكل نظام بلوتو. المصدر: NASA/JHUAPL/SwRI


يقول شولتر: "نعتقد من ذلك أن بلوتو كان يمتلك فيما مضى عدداً أكبر من الأقمار، وذلك في أعقاب الاصطدام الكبير الذي أدى إلى تشكل القمر شارون".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات