تحدّيات غير مسبوقة واجهتها ناسا عند إرسال مركبة فضائية إلى بلوتو

تعرّضت مهمة نيو هورايزنز التابعة لناسا إلى تحدّيات غير مسبوقة لم تواجهها مهمات أخرى، لكنّ هدف المهمّة كانَ غير مسبوق أيضاً. ستبدأ المركبة الفضائية قريباً دراسةَ أقصى حدودِ نظامنا الشمسي. وفي الحقيقة فقد كانت رحلتها تاريخية؛ إذ بدأت من المطار الفضائي في فلوريدا، وامتدّت على مسافة 3،6 مليار ميل.

موظفو مركز كينيدي للفضاء يستمعون إلى مناقشة مع الأشخاص المساهمين في نيو هورايزنز
موظفو مركز كينيدي للفضاء يستمعون إلى مناقشة مع الأشخاص المساهمين في نيو هورايزنز
صورة للمركبة الفضائية في مركز كينيدي للفضاء
صورة للمركبة الفضائية في مركز كينيدي للفضاء
صورة مُلتقطة في 17 ديمسبر/كانون الأول 2005 للمركبة الفضائية نيو هورايزنز على متن الصاروخ أطلس
صورة مُلتقطة في 17 ديمسبر/كانون الأول 2005 للمركبة الفضائية نيو هورايزنز على متن الصاروخ أطلس
المركبة الفضائية نيو هورايزنز أثناء إقلاعها من المنصة 41 في قاعدة كاب كانافيرال التابعة للقوى الجوية الأمريكية
المركبة الفضائية نيو هورايزنز أثناء إقلاعها من المنصة 41 في قاعدة كاب كانافيرال التابعة للقوى الجوية الأمريكية

ستُرسل هذه المركبة الفضائية أولى الصور القريبة والمراقبات العلمية الخاصة ببلوتو البعيد ونظامه المكوّن من قمرٍ كبير ومجموعة من الأقمار الصغيرة، بالإضافة إلى حزام كايبر (Kuiper Belt) الذي يمثّل منطقة تقع خلف الكواكب وتتألّفُ من أجسام كوكبية صغيرة.


سافرت المركبة الفضائية مسافةً طويلة جداً، ولفترة طويلة من الزمن أيضاً، من أجلِ الوصولِ إلى هدفها الرئيسي؛ حيث امتدت رحلتها تسعة أعوام، وهي أطول من أي مهمة فضائية سابقة.


وحسبَ ما هو مخطّط له، فستجري عمليةُ التحليقِ عبر نظام بلوتو في 14 يوليو/تموز 2015، وستُنجِزُ المهمّة استكشافها الأوّلي للنظام الشمسي الكلاسيكي، لتُوّسع بذلك حدود معرفتنا للفضاء، وقدرتنا وفرصنا فيه.


تحدّث البروفسور آلان ستيرن Alan Stern، الباحث الرئيسي في المهمة، إلى بضعِ مئات من الموظفين الموجودين في مركز كينيدي للفضاء مؤخّرًا ، حيث ساعدَ العديد من هؤلاء في عملية إطلاق أول مجسّات بلوتو الفضائية.

يقول ستيرن، وهو نائب مدير معهد الأبحاث الجنوبي الغربي SwRI في بولدر-كولورادو: "الشكر لكلّ هؤلاء الذين عملوا على هذه المهمة، إنه عمل كامل تماماً، يستحقّ تصفيقًا كبيرًا للمجتمع العلمي كلّه، ولفريقنا العلمي، ولفريق مهمتنا، ولكل أولئك الناس الذين عملوا على الأمر".


جرى التوقيع على مشروع الحدود الجديدة في يونيو/حزيران من العام 2001 مع مهمة مقترحة لبناء مركبة فضائية من قبل فريق يقوده ستيرن، ويتضّمن باحثين من SwRI ومختبر الفيزياء التطبيقية في جامعة جونز هوبكنز APL في لوريل بميريلاند.


وفي وقتٍ مبكّرٍ من العملية، عرض فريق برنامج الحدود الجديدة برنامج خدمات الإقلاع لناسا LSP في مركز كينيدي للفضاء في فلوريدا، ويقول مايك ستيلزر Mike Stelzer مدير نيو هورايزنز في LSP: "مباشرة بعد التصديق على المهمة، بدأنا المناقشات حول ما سيكون مناسباً استخدامه كعربة إقلاع لتقديم الطاقة اللازمة لإرسال مركبة فضائية بسرعات غير مسبوقة، وإلى أماكن بعيدة جداً لم نصلها سابقاً. اختبرنا صاروخ أطلس V ليُعطينا التعزيز اللازم لإطلاق مركبة فضائية بحجم بيانو، وبوزن 1054 باوندًا، وبسرعة مناسبة للقيام برحلة تمتد على مسافة ثلاثة مليارات ميل".


استخدمت النسخة المختارة من صاروخ أطلس، من شركة لوكهيد مارتن، خمسة معززات صاروخية تستخدم الوقود الصلب، وهو رقم لم يُستخدم سابقاً أبداً، وأُضيفت إلى ذلك مرحلة عليا قوية جداً.


يقول ستيلزر: "كلّ ذلك لم يكن كافياً من أجل الحصول على الدفع الإضافي اللازم لإنجاز سرعة الإفلات الضرورية؛ فأضفنا مرحلةً عليا هي صاروخ دلتا بوينغ 2." يعمل ستيلزر الآن في قسم دعم الإقلاع ودمج المركبات في برنامج أنظمة التطوير والتشغيل الأرضية في كينيدي.


ووفقاً لتشك تاترو Chuck Tatro، الذي كان مدير موقع إقلاع مهمة نيو هورايزنز لصالح LSP، كان هناك حاجة إلى المزيد من الجهود للتنسيق بين العديد من المنظمات المشاركة، ويُضيف: "في العادة، تتضمن اجتماعات المهمة بين 30 و40 شخصًا، لكن بالنسبة لهذه المهمة، كان هناك بين 50 إلى 60 شخصًا، وفي بعض الأحيان وصل العدد إلى 100".


بالإضافة إلى ناسا، جاء الدعم من SwRI وAPL ولوكهيد مارتن وبوينغ ومختبر إيداهو الوطني، وممثلين من مكتب برنامج نيو هورايزنز في مركز مارشال للطيران الفضائي في آلاباما.


يقول تاترو الذي يعمل حالياً مديرًا لقسم موقع الدمج في LSP: "مثّل التنسيق بين الأدوارِ العديدة في المشروع تحدياً كبيراً لنا، لكن بما أننا كنا نُرسل مسباراً إلى كوكب غير مستكشف، فقد كان الوقت مثيراً جداً".

 

جرى نقل نيو هورايزنز على متن طائرة القوى الجويّةِ الأمريكية C-17، ووصلت إلى منشأة هبوط المكّوك في كينيدي في 24 سبتمبر/أيلول 2005.
يقول تاترو: "لقد كانت الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً، وفي تلك الليلة كان الجميع متحمسًا، فلطالما مثّل إرسال مسبار إلى بلوتو حلماً لفترة طويلة من الزمن، والآن المركبة الفضائية في مراحلها الأخيرة قبل أن تبدأ رحلتها الطويلة".


شرح ستيلزر أهمية التركيز على أن المعالجة السابقة للتحليق كانت إحدى مصادر قوة مسبار بلوتو، ويُعلق على الأمر قائلاً: "إنّ السفرَ على طول مسافة بعيدة عن الشمس، كما هو الحال مع نيو هورايزنز، يعني أن الألواح الشمسية غير مفيدة، ولن تعمل البطاريات وخلايا الوقود نتيجة لطول المهمة، وهو ما يعني ضرورة استخدام مولّد كهروحراري نظائري مُشعّ لإنتاج الطاقة RTG".

مولدات RTG هي مولّدات كهربائية تستخدم صفيفة من الأزواج الحرارية لإنتاج الطاقة الكهربائية عن طريق تحويل الحرارة المنطلقة أثناء التفكّك الإشعاعي لمادة مشعة، وفي هذه الحالة فإنّ المادة المشعة المستخدمة هي البلوتونيوم. طوّرت وزارة الطاقة الأمريكية الوحدة الخاصة بنيو هورايزنز في مجمّع المواد والوقود الخاص بها، وهو جزء من مختبر إيداهو الوطني. يقول ستلزر: "تأكدنا من فحص التصميم والتشكيل بشكلٍ جيد للتأكد من ان الـ RTG كان آمناً".

وفي الوقت الذي كانت تجري فيه معالجة المركبة الفضائية في PHSF، حضّر الفريق عربة الإقلاع في قاعدة كاب كانافيرال للقوى الجوية. وصل صاروخ أطلس V والمرحلة الثانية "قنطورس" إلى مدرج كاب في وقتٍ متأخر من شهر أوغست/آب، وتمت معالجة المرحلتين معاً في مركز العمليات الفضائي "أطلس".

في 29 سبتمبر/أيلول 2005، رفع الفريقُ المرحلةَ الأولى من صاروخ أطلس في مجمّع الإقلاع 41 في قاعدة كاب، وتمت إضافة المرحلة الثانية "قنطورس" بعد ذلك بوقتٍ قصير، واستمرت الاستعدادات للإقلاع في منشأة الدمج الشاقولية VIF مع وصل المحرّكات الصاروخية الصلبة الخمسة، وهنا واجه فريق نيو هورايزنز تحدّيَهم التالي.

يقول ستلزر: "هبّت العاصفة ويلما أثناء تركيبنا للصاروخ، وقد تمزق قسمٌ من البابِ واصطدم مع أحد المكوّنات الصلبة". عبرت ويلما فلوريدا في 24 اوكتوبر/تشرين الأول 2005، وسجلت العاصفة سرعةً وصلت إلى 94 ميلًا في الساعة في الارتفاعات العالية منها، في حين كانت السرعة القصوى للرياح التي استمرت بالهبوب حوالي 76 ميلا في الساعة.
تمزّق جزء من الباب الكبير ذي الأبعاد 41 ∗ 275 قدما، الموجود فوق VIF جراء تلك العاصفة، ما تسبب في تصادم بعض الحطام مع المعزّز الصاروخي الصلب، ليقوم بالتالي تقنيو لوكهيد مارتن باستبدال معزز الوقود الصلب المُدمَّر.

يقول تاترو: "لقد قاموا بعملٍ عظيم للتعافي مما سببته العاصفة، وساهم ذلك في بقائنا على الجدول. منذ بداية المشروع، كنا ملتزمين بجدولٍ زمني ضيّق للاستفادة من التحاذي قصير الأجل بين الأرض والمشتري وبلوتو".

جرى تمديد نافذة (فرصة) الإقلاع من 11 يناير/كانون الثاني إلى 14 فبراير/شباط 2006. وعلي أيّ حال، فقد حصل الإقلاع في غضون الأيام الثلاثة والعشرين الأولى، وسمح ذلك لنيو هوراينز بالمرور بالمشتري والاستفادة من جاذبيته التي سمحت بتسريع المركبة الفضائية على طول طريقها نحو بلوتو.

على الرغم من وجود فرص للإقلاع في فبراير/شباط 2006 وفبراير/شباط 2007، إلا أن أي إقلاع خارج الفترة الرئيسية سيُجبر المركبة الفضائية على التحليق بسرعة أقلّ على طول مدار يتجه مباشرةً نحو بلوتو، مما يعني أنه سيكون هناك تأخير يقع بين خمسة وستة أعوام.

تضع مناورة الاستفادة من الجاذبية المركبة الفضائية على طول مسار قريب على نحو كافٍ من كوكبٍ ما للاستفادة من جاذبيته، ويُغيّر ذلك من مسار المجس ليُعطيه سرعةً توفّر الموادّ الدافعة وزمن السفر. في 17 ديسمبر/كانون الأول، ألقى تاترو النظرة الأخيرة على نيو هوراينز قبل أن يجري تغليفها في أعلى الصاروخ.
 
يقول تاترو: "لقد بدت مثل بيانو ضخم مع ظهور RTG من أحد الجوانب وصحون الهوائيات السبعة عالية الربح الموجودة في الأعلى. إنها مركبة فضائية أنيقة". بعد نقل المركبة الفضائية نيو هورايزنز مع المرحلة الثالثة المكونة من الصاروخ الدافع "دلتا 2 ستار" من PHSF إلى مجمع الإطلاق 41، جرى تركيبها على متن صاروخ مُعزز.

كان سي سونغ Si Song من "لوكهيد مارتن" الشخص الذي دمج المرحلة الثالثة من أطلس V، وقد راقب العدّ التنازلي الأخير لمركز التحكم بالإقلاع في مركز عمليات الطيران الفضائي الخاص بأطلس في قاعدة كاب كانافيرال من مسافة 4 أمسال فقط من المنصة 41، ولا زال يتذكر مشاعر تلك اللحظة.

يقول سونغ، الذي يعمل الآن قائد عمليات دمج المركبة الفضائية لصالح تحالف المتحدة لعمليات الإطلاق United Launch Alliance: "كانت هناك فكرتان تجولان في خاطري في ذلك الوقت: إحداهما كانت الذهاب بشيء من صناعة الإنسان في النظام الشمسي حالما يُقلع الصاروخ؛ والثانية هي أن هذه هي المرة الأخيرة التي سيشاهد فيها أي إنسان مركبة فضائية قبل أن تبدأ رحلة من ثلاثة مليارات ميل نحو حواف النظام الشمسي، لقد كان ذلك مثيراً حقاً، لقد كانت الدموع في عيني".

بعد إقلاعها من كاب كانافيرال في 19 يناير/كانون الثاني 2006، حصلت المركبة الفضائية نيو هورايزنز على مساعدة جاذبية المشتري أثناء وصولها لأقرب مسافةٍ من المشتري في العام 2007، وساهم ذلك في زيادة سرعة المجس إلى حوالي 9000 ميل في الساعة، ما قصَّر رحلته نحو بلوتو.

سيحصل أقرب وصول للمركبة الفضائية من بلوتو في 14 يوليو/آب 2015، وستمرُّ المركبة الفضائية في وقتٍ لاحق بالقرب من أكبر أقمار بلوتو "شارون".
يقول ستيرن: "هذه واحدة من الأشياء التي لا يُمكن نسيانها، إنه استكشافُ النظام الشمسي".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات