عيون ألما الحادّة، ترصد وهجًا فوق نجمٍ عملاقٍ أحمر

تُظهر المشاهدات فائقة الحدّة لمقراب ألما [1] (ALMA)  ما يبدو كأنه وهجٌ عظيمٌ على سطح النجم ميرا  (Mira)، وهو أحد أقرب وأشهر النجوم الحمراء العملاقة في السماء. حيث يُعتبر وجود نشاط كهذا في نجم أحمر عملاق، كالذي نشاهده فوق شمسنا، مفاجأة بالنسبة لعلماء الفلك، كما أن اكتشافًا كهذا من شأنه أن يوضّح كيف يُمكن للرياح القادمة من النجوم العملاقة أن تساهم في النظام البيئي لمجرتنا.

تُعطي هذه المشاهدات الجديدة القادمة من "ألما" علماءَ الفلك مشاهدتهم الأكثر حدّة على الإطلاق للنجم المزدوج الشهير "ميرا"، حيث تُظهر الصورُ نَجمَيّ النظام، "ميرا A" و"ميرا B" بوضوحٍ تام. لكن هذا ليس كل شيء، فهذه الصور تُظهر، وللمرة الأولى عند أطوال موجية ميليمترية، تفاصيلَ عن سطح "ميرا A". 

يقول ووتر فليمنجز Wouter Vlemmings، عالم فلك في شالمر، وهو الذي قاد الفريق: "يُعتبر بصر (ألما) حادًّا لدرجة أننا نستطيع رؤية تفاصيل عن سطح النجم، أما بالنسبة للسطح النجميّ، فهو ليس ساطعًا جدًا فحسب، بل إنه أيضًا متفاوتٌ في السّطوع. لا بدّ وأن يكون هذا وهجًا عملاقا، كما نظن أنه على علاقةٍ بوهجٍ شاهَدَتْه مَقاريبُ الأشعّة السينيّة منذ عدّة سنوات".

نُشرت نتائج الفريق في دورية (Astronomy & Astrophysics) في شهر مايو/أيار 2015.

تُعتبر النجوم الحمراء العملاقة (Red giants)، مثل "ميرا A"، مكوّناتٍ ضروريّة للنظام البيئيّ لمجرّتنا، وعندما تَقرُب هذه النجوم من نهاية حياتها، فإنها تخسر طبقاتها الخارجية على شكل رياح دخانية غير متساوية، وتحمل عناصر ثقيلة كانت النجوم كوّنتها مسبقاً، إلى الخارج نحو الفضاء، حيث يمكنها أن تُشكِّل نجومًا وكواكبَ جديدة، فأغلب الكربون، والأوكسجين، والنتروجين الذي في أجسادنا تكوّن داخل النجوم، ومن ثمَّ أعيد توزيعه بفعل الرياح النجمية.

 

صورةٌ زائفةُ الألوان مُلتقطة بواسطة "ألما" للنجم المزدوج "ميرا" القابع على بعد 420 سنة ضوئية من الأرض. التُقطت صور النَجمين -اللذين تفصلهما مسافةٌ كتلك الّتي بين الشّمس وبلوتو.  Credit: W. Vlemmings/Alma
صورةٌ زائفةُ الألوان مُلتقطة بواسطة "ألما" للنجم المزدوج "ميرا" القابع على بعد 420 سنة ضوئية من الأرض. التُقطت صور النَجمين -اللذين تفصلهما مسافةٌ كتلك الّتي بين الشّمس وبلوتو. Credit: W. Vlemmings/Alma


عُرف ميرا ("ميرا" تعني "الجميل" باللاتينية) لقرون كواحدٍ من أكثر النّجوم المتغيّرة شهرةً في السماء، فعندما يكون في أسطع حالاته، يُمكننا رؤيته بوضوح بوساطة العين المجرّدة، لكن عندما يكون في أبهت حالاته، نحتاج إلى مقراب. 


في الحقيقة، يُعتبر هذا النجم -الذي يقع على بعد 420 سنة ضوئيّة في كوكبة "قيطس"- نظامًا ثنائيًّا (Binary system)، مكوَّنًا من نَجمين بنفس حجم الشمس تقريباً، فأحدهما قزمٌ أبيض ساخن (White dwarf)، والآخر عملاقٌ أحمر باردٌ وسمين، ويدور أحدهما حول الآخر عند مسافةٍ قريبةٍ ومكافئةٍ تقريبًا لبعد بلوتو عن الشمس.

تقول صوفيا رامستيد Sofia Ramstedt، عالمة فلك في جامعة أبسالا، ومؤلفة مشاركة لورقة البحث: "ميرا هو مفتاحٌ أساسيّ من أجل فهمنا لكيفية وصول نجوم، مثل شمسنا، إلى نهاية حياتها، وما الفرق الذي يصنعه وجود مُرافقٌ قريبٌ من النّجم المُسِنّ".

تُبدي الشمس، أقربُ النجوم إلينا، نشاطًا مصدرُه حقولٌ مغناطيسيّة، ويسوق هذا النشاط، الذي قد يكون في أحيانٍ ما على شكل عواصف شمسيّة، الجزيئات التي تكوّن الرياح الشمسية، والتي بدورها تكوّن الشفق القطبي (Aurora) في الأرض.

يقول ووتر ﭬـليمنجز: "تقترحُ رؤيةُ وهجٍ على ميرا A أنّ الحقل المغناطيسي له أيضًا دور يلعبه في رياح العملاق الأحمر". 

تُعطي الصور الجديدة علماءَ الفلك رؤيتهم الأكثر حدّة على الإطلاق لميرا B، النجم القريب بشكل كافٍ من رفيقه، بحيث أن المواد تتدفق من نجم إلى الآخر.

يقول إيمون أوغورمون Eamon O'Gorman، عالم فلك من شالمر وعضوٌ في الفريق: "هذه هي الصورة الأوضح التي حصلنا عليها حتى الآن للغاز الصادر عن ميرا A، والذي يسقط باتجاه ميرا B".

تمّ إجراء هذه المراقَبات كجزء من المراقَبات الأولى طويلة الأساس (Long - baseline observations) لـ ألما، الذي وصل إلى أقصى دقّة له للمرة الأولى، وذلك عن طريق وضْع هوائيات المقراب في أبعد مسافة عن بعضهم. 

كان ميرا واحدًا من عدّة أهداف في الحملة التي شملت أيضًا نظامًا شمسيًّا شابّ، ومجرّة بعدسةٍ جاذبيّةٍ [2] (gravitational lensed galaxy)، وكويكب صغير، ويخطط ووتر ﭬـليمنجز وفريقه لإجراء مراقبات جديدة لـ "ميرا" ونجوم أخرى مشابهة.

ويقول: "أظهرت لنا  "ألما" تفاصيل عن سطح ميرا للمرة الأولى، والآن، يمكننا البدء باكتشاف العملاق الأحمر الأقرب إلينا بتفصيلٍ لم يكن متاحًا في السابق". 

 

ملاحظات:


  1. مقراب "ألما": اختصارٌ للصّفيفة التلسكوبيّة المليمتريّة/تحت المليمتريّة الكبيرة في أتاكاما (Atacama Large Millimeter/submillimeter Array)، أو اختصاراً ALMA.
     
  2. عدسة الجاذبية: هو توزيع للمادة (مثل تجمع للمجرات) بين مصدر بعيد (نجم مثلاً) وبين المراقب، بحيث ينتج عن الأثر الثقالي لهذه العدسة انحناءٌ في الضوء الناتج عن المصدر، فيظهر الضوء الناتج عن المصدر في مكان غير مكانه الحقيقي.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • القزم الأبيض (White dwarf): هو ما ستؤول إليه الشمس بعد أن ينفذ وقودها النووي. عندما يقترب من نفاذ وقوده النووي، يقوم هذا النوع من النجوم بسكب معظم مواده الموجودة في الطبقات الخارجية منه، مما يؤدي إلى تشكل سديم كوكبي؛ والقلب الساخن للنجم هو الناجي الوحيد في هذه العملية.
  • العملاق الأحمر (red giant): أو النجم العملاق الأحمر، هي المراحل الأخيرة من تطور نجم ميت، وستتحول شمسنا في مراحلها الأخير إلى هذا النوع من النجوم.
  • المجرة (galaxy): عبارة عن أحد مكونات كوننا. تتكون المجرة من الغاز وعدد كبير (في العادة، أكثر من مليون) من النجوم التي ترتبط مع بعضها البعض، بوساطة قوة الجاذبية. و عندما تبدأ الكلمة بحرف كبير، تُشير Galaxy إلى مجرتنا درب التبانة. المصدر: ناسا
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات