الطقس الفضائي: البُقع الشمسية، والتوهجات الشمسية، والتدفقات الإكليلية الكتلية

أطلقت البقعة الشمسية رقم 1158 في 13 فبراير/شباط 2011 في الساعة 17:38 حسب التوقيت العالمي، أقوى توهجٍ شمسيٍ في ذلك العام، حيث صاحب ذلك التوهج انفجارٌ إشعاعيٌ ضمن الفئة M6.6. وقد سجّل مرصد الديناميكا الشمسية (Solar Dynamics Observatory) أو اختصاراً (SDO) التابع لناسا، ومضةً سريعةً مُكَثفة من الأشعة ما فوق البنفسجية. هذا ويزداد نمو نشاط البقعة الشمسية رقم 1158 بشكل سريع ومستمر.
مصدر الصورة: ناسا/مرصد الديناميكا الشمسية.


 

على الرغم من أن الشمس تقع على بعد 93 مليون ميل (149 مليون كم) عن الأرض، إلا أن نشاطها المتواصل يؤكد أن تأثيرها على كوكبنا لا ينحصر فقط بالضوء والحرارة التي تصلنا منها. غالباً ما تتأثر الأرض بنشاط رفيقتها الشمس والمتمثل بسيل الجسيمات المتدفق على شكل رياح شمسية (solar wind)، والانفجارات الناتجة عن التوهجات الشمسية (solar flares) والتدفقات الإكليلية الكتلية (coronal mass ejections). من ناحية أخرى، تُعدّ البُقع الشمسية (sunspots) التي تمتد عبر سطح الشمس أقل الظواهر الشمسية وُضوحاً، لكنها في نفس الوقت مرتبطة بتفاعلاتٍ وأحداثٍ أكثر عُنفاً. تندرج جميع هذه الظواهر المذكورة تحت مُسمّى ''الطقس الفضائي'' (space weather). 


البُقع الشمسية:


من خلال دراسة سطح الشمس، يمكن للعلماء الكشف عن مساحاتٍ صغيرةٍ داكنة اللون تتفاوت من حيث العدد والموقع. تَنجُم هذه البُقع الشمسية -التي تميل للتجمع على شكل أشرطةٍ فوق وتحت خط استواء الشمس- عن التفاعل الحاصل بين البلازما الموجودة على سطح الشمس وحقلها المغناطيسي. وفقاً لوكالة ناسا، تُعتبر البُقع الشمسيةِ أكثر الظواهر التي تدلُّ على وجود الحقل المغناطيسي للشمس.

البُقع الشمسية هي مناطق باردة تقع فوق مناطق أخرى ذات طاقة شديدة. آلية تشكّلها كالتالي:
تتحرك المادة التي تقع عند المنطقة الاستوائية الشمسية بشكل أسرع من تلك الواقعة عند القطبين، مما يؤدي إلى حدوث تشوّهٍ في خُطوط الحقل المغناطيسي. وعندما يكون الحقلُ المغناطيسي قوياً وملتوياً كفاية، تعمل التدفقات النفاثة للتياراتِ الجارية على تكوين حبالٍ مغناطيسيةٍ ملتوية. وتقع معظم هذه الحبال أو الخيوط داخل الشمس، لكن قد تخترق بعضها الطبقات المرئية للشمس وتظهر على السطح على شكل بُقعتين شمسيتين. وتتميز هاتان البقعتان بقطبين متضادين، تماماً كما هو الحال في القطبين الشمالي والجنوبي للمغناطيس حيث يعمل الحبل كمغناطيس بين البقعتين.
 

تَبلُغ درجة حرارة البُقع الشمسية حوالي 3800 كلفن (6380 درجة فهرنهايت أو 3527 درجة مئوية)، أي أنها أقل بحوالي 2000 كلفن (3140 فهرنهايت أو1727 درجة مئوية) من درجة حرارة باقي أجزاء الشمس. لكن لا تدع هذه الأرقام تخدعك، فلو وضعت بقعةً شمسيةً واحدةً فقط في السماء، ستكون أسطعَ بعشرِ مراتٍ من القمر المُكتمل.

بالمثل، تبدو البُقع الشمسية صغيرةً مقارنةً بقُطر الشمس البالغ 865 ألف ميل (1٫392 مليون كيلومتر)، لأنها غالباً ما تُغطي أقل من 4% فقط من السطح المرئي للشمس. مع ذلك، تتراوح أحجام البُقع بين 1500 و30 ألف ميل (2500 إلى 50 ألف كيلومتر)، بحيث يمكن أن يصل حجمها إلى ما يقارب عرض كوكب نبتون، أصغر الكواكب الغازية. لكن نتيجة مدة حياتها، التي تمتد من بضعةِ أيامٍ إلى بضعةِ أسابيع، لا تبقى البُقعَ الشمسية ظاهرةً على سطح الشمس بشكلٍ دائم.

كذلك، لا تتوزع البُقع الشمسية على سطح الشمس بطريقة عشوائية، بل تميل للتجمع عند شريطين يقعانِ عند دوائر العرض المتوسطة على كلا جانبي خط الاستواء. تبدأ البُقع بالظهور حول دوائر عرض 25-30 درجة شمال وجنوب خط المنتصف. ومع تقدم الدورة الشمسية (solar cycle) في نشاطها، تبدأ بُقعٌ شمسيةٌ جديدة بالظهورِ تدريجياً بالقرب من خط الاستواء، بحيث تظهر آخر بُقعةٍ شمسيةٍ عند خطوط العرض 5-10 درجات تقريباً. هذا ولا تظهر البُقع الشمسية إطلاقاً عند دوائر عرض أعلى من 70 درجة تقريباً.

وفقاً لوكالة ناسا، تستغرق الشمس ما يقارب 11 سنة لتُكمل دورة شمسية واحدة، وتتميز هذه الدورة بحالات الزيادة والنقصان في أعداد البُقع الشمسية. عندما تصل الشمس لنهاية الدورة، تظهر بُقعٌ شمسيةٌ جديدة بالقرب من خط الاستواء، بينما تظهر بُقعٌ شمسية عند ارتفاعات أعلى، نتيجةً لحدوث دورات شمسية جديدة لاحقة. وكنتيجة لتداخل الدورات، تستمر بعض البُقع الشمسية التي نتجت عن الدورة السابقة بالنمو حتى بعد ظهور بُقع شمسية من دورة جديدة. لذا فمن الصعب على العلماء تحديد متى تنتهي دورة ما ومتى تبدأ الدورة التي تليها.

في وقتٍ مُبكرٍ من عام 2015، كانت الدورة الشمسية الرابعة والعشرون ما زالت جارية. كما كانت الدورة الشمسية البالغة 11 عاماً قد بدأت في شهر فبراير/شباط عام 2008، وبلغت ذروتها في عام 2013، حيث اعتبرها العلماء في ناسا أضعف ذروة نشاط شمسي خلال السنوات المئة الأخيرة. ورغم مستوى النشاط المنخفض في تلك الفترة، إلا أن العلماء رصدوا واحدة من أكبر مناطق البُقع الشمسية في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2014، والتي وصل حجمها تقريباً إلى حجم كوكب المشتري.

يستطيع العلماء حساب النشاط الشمسي عن طريق تتبُّع أعداد البُقع الشمسية التي تظهر على سطحها. ومنذ اختراع التلسكوب، بقيت تقديرات أعداد البُقع الشمسية ثابتة. لكن في عام 1849، بدأ عددٌ من الفلكيين في مرصد زيوريخ Zurich Observatory، برصد أعداد البُقع الشمسية بشكل يومي. أما اليوم، فيتولّى كلاً من مركز تحليل بيانات التأثيرات الشمسية (The Solar Influence Data Analysis Center) في بُلغاريا، والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي National Oceanic and Atmosphere Administration التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، مسؤولية مراقبة نشاط البُقع الشمسية.

تُوضح هذه الصورة المُلتقطة بواسطة مرصد الديناميكا الشمسية التابع لناسا، شواظاً شمسياً مُذهلاً ظاهراً بوضوح على سطح الشمس. التُقطت الصورة بتاريخ 8 سبتمبر/أيلول 2010. مصدر الصورة: ناسا/مرصد الديناميكا الشمسية.
تُوضح هذه الصورة المُلتقطة بواسطة مرصد الديناميكا الشمسية التابع لناسا، شواظاً شمسياً مُذهلاً ظاهراً بوضوح على سطح الشمس. التُقطت الصورة بتاريخ 8 سبتمبر/أيلول 2010. مصدر الصورة: ناسا/مرصد الديناميكا الشمسية.


التوهجات الشمسية:


تُؤدي الحقول المغناطيسية الشديدة الموجودة في المناطق النشطة المُنتِجة للبُقع الشمسية إلى إحداث انفجاراتٍ تُعرف بالتوهجات الشمسية (Solar Flares). عندما تتقاطع خطوط الحقل المغناطيسي الملتوية وتحدث "إعادة اتصال مغناطيسي"، تنطلق كميةٌ هائلةٌ من الطاقة على شكل انفجارٍ بقوة تفوق قوة ملايين القنابل الهيدروجينية.

من ناحية أخرى، تبلغ درجات الحرارة عند الطبقة الخارجية للشمس والمعروفة باسم الإكليل أو الكورونا (corona)، عادةً بضعة ملايين من الدرجات الكِلفنية. وعندما تندفع التوهجات الشمسية عبر طبقة الكورونا، تسخن غازاتها إلى درجات حرارةٍ قد تصل إلى 10- 20 مليون كِلفن، وقد ترتفع أحياناً لتصل إلى مئة مليون كِلفن. تجدر الإشارة هنا إلى أن "الطاقة التي تُطلقها التوهجات الشمسية تُعادل الطاقة الناتجة عن انفجار مليون قنبلة هيدروجينية بقوة 100 ميغا طن في نفس الوقت"، وفقاً لوكالة ناسا.

تحدث التوهجات الشمسية في نفس المناطق النشطة التي تنشأ منها البُقع الشمسية الأصغر حجماً والأقل عُنفاً، لذا فهي مرتبطة بها. كما تميل هذه التوهجات إلى اتباع دورة الـ 11 عاماً، وهي نفسها التي تتبعها الشمس بشكل عام. يمكن أن تحدث عدةَ توهجات شمسية يومياً عند ذروة نشاط الدورة، حيث يمكن أن تستمر لمدة 10 دقائق فقط. وفي عام 2014، تسببت بعض البُقع الشمسية هائلة الحجم في اندلاع عددٍ من التوهجات الشمسية.

أما أضخم التوهجات الشمسية والتي تُسمّى التوهجات الشمسية من فئة (X-class flares)، فلها تأثيرٌ كبيرٌ جداً على الأرض مقارنة بغيرها من الفئات، إذ بإمكانها أن تتسبب بعواصف إشعاعية طويلة الأمد في المناطق العليا من الغلاف الجوي للأرض، وقد تتسبب في تعطيل موجات الراديو على الكوكب. أما التوهجات متوسطة الحجم من فئة  (M- class flares)، فيُمكنها أن تتسبب في تعطيلٍ قصير الأمد لموجات الراديو في المناطق القطبية، بالإضافة إلى عواصفٍ إشعاعيةٍ عابرة. من ناحية أخرى، لا توجد أي تأثيرات كبيرة أو ملحوظة للتوهجات الشمسية من فئة  (C-class flares).

تنطلق الجسيمات التي تم تنشيطها، والتي انفجرت من التوهجات الشمسية، مُتجهةً نحونا بسرعة كبيرة وتصل إلينا خلال 8 دقائق فقط. قد يتعرض رواد الفضاء أثناء رحلاتهم إلى خطر هذه الجسيمات، لذا يجب أخذ هذا الأمر بالحسبان عند القيام بأي رحلات مستقبلية مأهولة إلى القمر أو المريخ. كذلك، يمكن للمعدات الإلكترونية الحساسة المتواجدة في الفضاء أن تتضرر بسبب هذه الجسيمات المُنَشّطة. من ناحية أخرى، يحمي الغلاف الجوي للأرض وحقلها المغناطيسي كل من هو متواجدٌ عليها فلا خوف عليهم.

يُؤثر امتصاص الأشعة السينية على الغلاف الجوي للأرض، وينتج عن الزيادة في معدلات الحرارة والطاقة زيادة وتمدد في غلاف الأرض الأيوني المعروف باسم الأيونوسفير (ionosphere). وتُسافر موجات الراديو المُنطلقة من الأرض عبر هذا الجزء من الطبقات العليا من الغلاف الجوي تحديداً، لذا قد تتعرض الاتصالات الراديوية للاضطراب بفعل النمو المفاجئ وغير المتوقع في هذه الطبقة. وبطريقة مماثلة، يمكن للأقمار الاصطناعية التي تدور عادة حول الأرض عبر فراغ الفضاء أن تجد نفسها عالقة داخل هذه الطبقة المتمددة. ومع وجودها في هذه الطبقة، قد تتعرض الأقمار إلى احتكاكٍ يؤدي إلى إبطاء سرعتها في المدار، ما قد ينتج عنه عودتها إلى الأرض بشكلٍ مبكر عما كان مخطط له.

على الرغم من أحجامها وطاقتها العالية، إلا أن التوهجات الشمسية غير مرئية إطلاقاً بالوسائل البصرية، لأن الانبعاثات الساطعة الصادرة عن غلاف الشمس الضوئي أو الفوتوسفير (photosphere) المُحيط بها -الطبقة التي ينشأ منها ضوء الشمس- تعمل على حجب الضوء الصادر عن هذه الظاهرة المتفجرة، ويمكن رصد الانبعاثات الراديوية والبصرية من الأرض. من ناحية أخرى، لا تستطيع الأشعة السينية وأشعة جاما اختراق الغلاف الجوي للأرض. لذلك، التلسكوبات الفضائية هي الوسيلة الوحيدة لكشف آثار هذه الانبعاثات.


تُظهر هذه الصورة التي التُقطت من مرصد الديناميكا الشمسية حدثين وقعا على سطح الشمس في الوقت نفسه، وذلك بتاريخ 28 يناير/كانون الثاني 2011. إذ يظهر على يسار الصورة توهجٌ شمسيٌ من الفئة متوسطة الحجم (M1)، وتدفقٌ إكليلي كُتليٌ في الفضاء على يمين الصورة. مصدر الصورة: ناسا/مرصد الديناميكا الشمسية -مركز غودارد للطيران الفضائي.
تُظهر هذه الصورة التي التُقطت من مرصد الديناميكا الشمسية حدثين وقعا على سطح الشمس في الوقت نفسه، وذلك بتاريخ 28 يناير/كانون الثاني 2011. إذ يظهر على يسار الصورة توهجٌ شمسيٌ من الفئة متوسطة الحجم (M1)، وتدفقٌ إكليلي كُتليٌ في الفضاء على يمين الصورة. مصدر الصورة: ناسا/مرصد الديناميكا الشمسية -مركز غودارد للطيران الفضائي.


التدفقات الإكليلية الكُتلية


أحياناً تصبح خطوط الحقل المغناطيسي التي تلتوي لتُشكل التوهجات الشمسية، مُشوّهة بشكل كبير، لذا تنكسر وتتحطم ثم تُعيد الاتصال بنقاطٍ أخرى مثل شريطٍ مطاطي يتعرض لإجهاد عالٍ. نتيجة لهذا الأمر، لا يعود بإمكان الفجوات المُتكونة الاحتفاظ بالبلازما الشمسية على سطحها، مما يؤدي إلى تحرّر البلازما وانطلاقها إلى الفضاء على شكل انفجارٍ يُعرف باسم التدفق الإكليلي الكُتلي (coronal mass ejection) أو اختصاراً CME.

يستغرق التدفق الإكليلي الكتلي عدةَ ساعاتٍ كي ينفصل عن الشمس، لكنه ما إن ينفصل عنها حتى ينطلق باتجاه الفضاء بسرعةٍ قد تصل إلى أكثر من ألف كم في الثانية (7 مليون ميل في الساعة). وفي عام 2012، تم تسجيل أحد أسرع التدفقات الإكليلية الكتلية، حيث وصلت سرعة انتقاله بين 6.48 إلى 7.92 مليون ميل في الساعة (10.43 إلى 12.75 مليون كيلومتر في الساعة). وحول ذلك، تقول ريبيكا إيفانز Rebekah Evans، عالمة فضاء في مختبر غودارد للطقس الفضائي Goddard's Space Weather Lab: ''إن رؤية تدفقٍ إكليلي كتلي ينطلق بهذه السرعة هو أمر غير اعتيادي". وأضافت: "الآن، لدينا فرصة كبيرة لدراسة هذه الظاهرة القوية في الفضاء، حيث ستُمكننا من فهم مُسببات هذه الانفجارات العنيفة بشكل أفضل، كما ستُساعدنا على تحسين نماذجنا من أجل تمكينها من احتواء ما يحدث أثناء أحداث نادرة الحدوث كهذه''.

يمكن أن تصل كتلة السحابة المنطلقة والمتكونة من جسيمات ساخنة مشحونة إلى أكثر من 100 مليار كيلوغرام (220 مليار باوند). كما هو الحال مع التوهجات الشمسية، تستغرق الجسيمات المشحونة 8 دقائق للوصول إلى الأرض في حال كان التدفق الإكليلي الكُتلي مُنطلقاً باتجاهنا. ولكن مع ذلك، تستغرق الجسيمات بين يوم وخمسة أيام لتقطع المسافة بين الشمس والأرض. أما الرياح الشمسية فهي عبارة عن تيارٍ مستمرٍ من الجسيمات المشحونة المقذوفة من الشمس، وتؤثر على سحابة الجسيمات تماماً كما يُؤثر تيارٌ مائيٌ على زورق. تستجيب التدفقات الكتلية الأسرع لقوى الجرّ التي تمارسها الرياح الشمسية من خلال إبطاء سرعتها. أما التدفقات التي تنطلق من الشمس بسرعات بطيئة، فتستجيب لتأثير الرياح عبر زيادة سرعتها.


الشفق القطبي (الأضواء الشمالية)


عندما تصل عاصفة شمسية مُحمّلة بالطاقة إلى الأرض، تتفاعل الجسيمات المشحونة في أعالي الغلاف الجوي مع الجزيئات الموجودة في العاصفة الشمسية، لينشأ عن ذلك ظاهرة تُعرف بالشفق القطبي (aurora). ويمكن أن تتحول هذه الظاهرة، التي تسمى كذلك بالأضواء الشمالية، إلى عروضٍ مبهرةٍ من الألوان الجميلة. من ناحية أخرى، تُولّد الرياح الشمسية عروضاً شبه مُستقرة شبيهة بالشفق القطبي لكنها أقل روعة منه.

 

تُعرف الأضواء الشمالية (northern lights) باسمها الرسمي وهو الشفق القطبي، وهي ناتجة عن التفاعل الحاصل بين الرياح الشمسية والحقل المغناطيسي للأرض. مصدر الصورة: كارل تيت space.com .
تُعرف الأضواء الشمالية (northern lights) باسمها الرسمي وهو الشفق القطبي، وهي ناتجة عن التفاعل الحاصل بين الرياح الشمسية والحقل المغناطيسي للأرض. مصدر الصورة: كارل تيت space.com .


تجدر الإشارة هنا إلى أن العديد من العواصف الشمسية لا تَكون مُوجّهة نحو الأرض. وفي ذروة دورتها، يمكن للشمس أن تُنتج حوالي خمسة تدفقاتٍ إكليلية كُتلية في اليوم الواحد. وحتى أثناء نشاطها المنخفض، يمكن للشمس أن تُنتج تدفقاً واحداً في اليوم. كذلك، يعني الشكل الكروي للشمس أن الكثير من هذه التدفقات لا تصل إلى الأرض أبداً. في الحقيقة، لا يمكننا أن نرصد جميع التدفقات الإكليلية التي تحدث على الشمس، خاصة تلك التي تندلع في الجانب البعيد منها.

ومع ذلك، عندما تقذف الشمس بسحابةٍ من البلازما والغاز مباشرة نحونا، تظهر المادة القادمة منها وكأنها طوق يُحيط بالشمس. يُدعى هذا بالتدفق الإكليلي الكتلي ذو الهالة (halo coronal mass ejection)، حيث يظهر وكأنه يحجب ضوء الشمس التي جاء منها، لأن مع اقتراب هذا التدفق منا وبُعد الشمس عنا، يصبح أكبر وأكبر في نظرنا ويعمل على تغطية الشمس. تُسبب مثل هذه التدفقات النسبة الأكبر من الأضرار للناس على الأرض.

وكما هو الحال بالنسبة للتوهجات الشمسية، تجلب التدفقات الإكليلية الكتلية معها كميات زائدة من الإشعاع، مما يُعرّض رواد الفضاء والإلكترونيات المتواجدة في الفضاء للخطر. بخلاف التوهجات الشمسية، تجلب التدفقات الكتلية معها أيضاً جسيمات مادية مشحونة تتفاعل مع الحقل المغناطيسي المحيط بكوكبنا، وتتفاوت الآثار المترتبة عن هذا التفاعل اعتماداً على حجم وسرعة الجسيمات وقوتها المغناطيسية.

عندما تصل الجسيمات إلى الغلاف المغناطيسي للأرض، فإنها تبدأ بالتمدد ثم تنحرف عن مسارها. وكشجرة وسط رياح عاتية، يتعرض الجانب المواجه للشمس للانضغاط، بينما يتمدد الجانب الآخر تماماً مثل الذيل. عندما تُعاود التدفقات الاتصال مع الجانب غير المواجه للشمس، تنطلق كميةٌ من الطاقة على شكل صاعقةٍ من الضوء والبرق. هذا وتدوم العواصف المغناطيسية لفترة طويلة بينما يستمر البرق لبضع أجزاء من الثانية.

يُمكن للزيادة المفاجئة في الطاقة الشمسية أن تتسبب في تدمير المعدات الإلكترونية الحساسة، وقد تتعرض مُحولات الطاقة للإجهاد ما يُسبب انقطاعات طويلة الأمد في الكهرباء. كما يُمكن للمنشآت المعدنية الطويلة، كخطوط أنابيب نقل النفط والغاز، أن تحمل التيارات الكهربائية مما يُعزز من نسبة تآكلها مع مرور الوقت، الأمر الذي قد يُؤدي إلى وقوع آثار مُدمرة في حال فشل القائمون على هذه المنشآت في تطبيق إجراءات السلامة الملائمة. إضافة إلى هذا، يمكن للاختلافات الحاصلة في طبقة الأيونوسفير أن تُعطّل إشارات جهاز GPS، ما يجعله يُعطي قياساتٍ خاطئة.
 

في 13 فبراير/شباط الساعة 17:38 حسب التوقيت العالمي، أطلقت البقعة الشمسية رقم 1158 أقوى توهجٍ شمسيٍ في ذلك العام، إذ نتج عنه كميةُ من الأشعة السينية تحت فئة M6.6، وسجّل مرصد الديناميكا الشمسية التابع لناسا ومضةً سريعةً مُكَثفة من الأشعة ما فوق البنفسجية، ويعود سبب هذا النشاط إلى النمو السريع للبُقعة الشمسية رقم 1158. مصدر الصورة: ناسا/مرصد الديناميكا الشمسية.
في 13 فبراير/شباط الساعة 17:38 حسب التوقيت العالمي، أطلقت البقعة الشمسية رقم 1158 أقوى توهجٍ شمسيٍ في ذلك العام، إذ نتج عنه كميةُ من الأشعة السينية تحت فئة M6.6، وسجّل مرصد الديناميكا الشمسية التابع لناسا ومضةً سريعةً مُكَثفة من الأشعة ما فوق البنفسجية، ويعود سبب هذا النشاط إلى النمو السريع للبُقعة الشمسية رقم 1158. مصدر الصورة: ناسا/مرصد الديناميكا الشمسية.


في الأول من شهر سبتمبر/أيلول عام 1859، قام اثنان من هُواة الفلك في بريطانيا، وهما ريتشارد كارينغتون RICHARD CARRINGTONوريتشارد هودجسون RICHARD HODGSON بشكل مستقلٍ بأول عملية رصدٍ لتوهجٍ شمسي، وهو ذاته التوهج الذي نتجت عنه أكبر عاصفة مغناطيسية أرضية سُجّلت على الإطلاق. كانت ظواهر الشفق القطبي، والتي تظهر عادةً بشكل رئيسي في المناطق القطبية، مرئية عند خطوط العرض الوسطى فيما مضى. وقد ذَكَر العاملون على أجهزة التلغراف آنذاك تعرّضهم لصعقةٍ كهربائيةٍ أثناء عملهم على تلك الأجهزة. لقد تمكنت الرسائل من الوصول إلى أجهزة التلغراف حتى بعد أن قام مُشغلوها بفصلها عن التيار الكهربائي.

كانت ستسبب تلك الحادثة، المعروفة بحدث كارينغتون، ضرراً أكبر من ذلك بكثير لو أنها وقعت في وقتنا الحالي نظراً لاتساع نطاق الاعتماد على الأجهزة الإلكترونية وإمدادات الطاقة المتوسعة في هذا العصر. وإلى يومنا هذا، تُعتبر تلك العاصفة الشمسية أقوى العواصف التي سُجّلت على الإطلاق، على الرغم من أن العلماء يقولون بأن التدفق الإكليلي الكتلي الذي حصل عام 2012، والذي لم يصل إلى الأرض، كان سيسبب خسائر مُدمرة لو أنه اصطدم بالكوكب.

من جهته، قال دانيال بيكر Daniel Baker، وقد كان مسؤولاً عن دراسة العاصفة الشمسية في جامعة كولورادو في تصريح له: "لقد جاءت دراساتنا الحالية بنتيجة أكثر إقناعاً من ذي قبل حيث أشارت إلى أن الأرض وسكانها كانوا محظوظين بشكل لا يصدق عندما لم تُصبهم عاصفة عام 2012."

تجهيز صاروخ أطلس 5 (Atlas 5) التابع لمشروع "تحالف الإطلاق المُتّحد (ULA) "حاملاً على متنه مرصد الديناميكا الشمسية التابع لناسا، في منصة إطلاق الصواريخ الواقعة في مُجمّع إطلاق الصواريخ رقم 41 في قاعدة كاب كانفيرال للقوات الجوية (Cape Canaveral Air Force Station) في فلوريدا، وذلك تمهيداً للإطلاق المُقرّر في 10 فبراير/شباط 2010. مصدر الصورة: بات كوركِري/تحالف الإطلاق المُتّحد.
تجهيز صاروخ أطلس 5 (Atlas 5) التابع لمشروع "تحالف الإطلاق المُتّحد (ULA) "حاملاً على متنه مرصد الديناميكا الشمسية التابع لناسا، في منصة إطلاق الصواريخ الواقعة في مُجمّع إطلاق الصواريخ رقم 41 في قاعدة كاب كانفيرال للقوات الجوية (Cape Canaveral Air Force Station) في فلوريدا، وذلك تمهيداً للإطلاق المُقرّر في 10 فبراير/شباط 2010. مصدر الصورة: بات كوركِري/تحالف الإطلاق المُتّحد.


رصدُ الشمس


تعمل ناسا حالياً على إنجاز ما يُعرف بمشروع الدرعِ الشمسي (Project Solar Shield)، الذي يهدف إلى توجيه تحذيراتٍ للأنظمة الحيوية العاملة على الأرض، في حال تعرض الكوكب لتدفقٍ إكليليٍ كتليٍ قادمٍ من الشمس. في حال تفعيله، سيسمح نظام الإنذار هذا للخبراء بإغلاق الأقمار الصناعية ومُحولات الطاقة لفترة قصيرة من الزمن إذا لزم الأمر. حينئذ، سيتمكن الخبراء من تنفيذ انقطاعٍ كهربائي قصير الأمد يكون تحت سيطرتهم، وذلك أفضل بالتأكيد من حدوث انقطاع كهربائي طويل الأمد ناتج عن تضرر المعدات الحيوية.

وبالمثل، هناك عددٌ من الأقمار الاصطناعية التي تقوم بمراقبة الشمس ككلٍ بشكل مُستمر، حيث تقوم مركبة مرصد الشمس وغلافها الجوي Solar & Hemispheric Observatory أو اختصاراً SOHO التابعة لناسا بدراسة الشمس، بينما يُركز مرصد الديناميكا الشمسية على دراسة الغلاف الجوي للشمس. أما مُستكشف التركيب المُتقدم Advanced Composition Explorer أو اختصاراً ACE، فيتولى مهمة أخذ عيناتٍ من الجسيمات القادمة من الشمس والمُنطلقة نحو الأرض. من شأن هذه البرامج والجهود أن تُساعد العلماء على فهم موضوع الطقس الفضائي بشكل أفضل هنا على الأرض.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • التدفق الإكليلي الكتلي (Coronal mass ejections): أو CMEs، هي ثورانات مكونة من الغاز والمواد المُمغنطة القادمة من الشمس والتي قد تؤدي إلى أثار مدمرة على الأقمار الصناعية والتقنيات الأرضية.
  • التوهجات الشمسية (solar flares): ثورانات غازية عنيفة تحصل على سطح الشمس.
  • الغلاف الجوي (Atmosphere): هو الغلاف المكون من الغازات المُحيطة بالأرض أو أي كوكب آخر.
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

اترك تعليقاً () تعليقات