وكالة ناسا تكتشف مجراتٍ صغيرة السن وعملاقة في الكونِ حديثِ التشكّل

مجموعة من الصور المرئية وصور الأشعة تحت الحمراء للمجرة المُسماة HUDF-JD2.
في أعلى اليمين: الصورة كما التقطها تلسكوب هابل بالضوء المرئي.
في أسفل اليسار: الصورة كما التقطها تلسكوب هابل بالأشعة تحت الحمراء.
في أسفل اليمين: الصورة كما التقطها تلسكوب سبيتزر بالأشعة تحت الحمراء.
في أعلى اليسار: صورة تجمع وتدمج هذه الصور الثلاث السابقة معاً.


يُعتبر تلسكوب هابل (Hubble Telescope) وتلسكوب سبيتزر (Spitzer Telescope) من أعظم أجهزة الرصد التابعة لوكالة ناسا، وقد تعاونا مع بعضهما البعض كثيراً لكي يرصدا "وزن" النجوم في عددٍ من المجرات البعيدة. وقد أظهرت عمليات الرصد التي قاما بها أن إحدى تلك المجرات، والتي تُعدّ الأكثر بُعداً من بين جميع المجرات، تبدو فائقة الكتلة بشكلٍ غير اعتيادي. كما تبدو تلك المجرة كبيرةً في العُمر (قديمة) قياساً بموقعها في الكون الفتي.

أصيب علماء الفلك بدهشةٍ عارمةٍ لدى قيامهم بعمليات الرصد تلك، على اعتبار أنهم ظنّوا أن المجرات الأولى هي غالباً عبارةٌ عن مجموعاتٍ صغيرةٍ ومترابطةٍ من النجوم التي اندمجت مع بعضها البعض بشكل تدريجي لتُشكّل مجرةً كبيرةً شبيهةً بمجرتنا، درب التبانة. 

يقول الدكتور بهرام مباشر Bahram Mobasher، من معهد علوم تلسكوب الفضاء في بالتيمور Space Telescope Science Institute، ووكالة الفضاء الأوروبية في باريس European Space Agency: "تبدو هذه المجرة المُسماة بـ (HUDF-JD2) وكأنها تضخّمت بسرعةٍ مثيرةٍ للدهشة، وذلك خلال عدة مئاتٍ من ملايين السنين التالية لحُدوث الانفجار الكبير. خلال تلك الفترة، أنتجت هذه المجرة كتلةً من النجوم تُعادل 8 أضعاف كتلة النجوم الموجودة حالياً في مجرة درب التبانة. لكن في مرحلة ما توقفت HUDF-JD2 فجأةً عن تكوين نجومٍ جديدة". 

تم تحديد موقع هذه المجرة من بين ما يقارب الـ 10,000 مجرة أخرى والموجودة في رُقعةٍ صغيرةٍ من السماء تُسمّى: حقل هابل فائق العمق Hubble Ultra Deep Field. ويُعتقد أن هذه المجرة تقع على مسافةٍ مُساويةٍ للمسافة التي تفصلنا عن المجرات البعيدة التي رصدها العلماء سابقاً. كما تُمثّل هذه المجرة حقبةً من الزمن كان فيها عمر الكونِ لا يزيد عن 800 مليون سنة. ويُمثّل هذا الرقم ما نسبته 5% من عمر الكونِ الكلي الذي يبلغ 14 مليار سنة. 

من جهتهم، تمكّن علماء الفضاء من اكتشافِ هذه المجرة بواسطة صور الأشعة تحت الحمراء التي التقطها تلسكوب هابل أثناء دراستهم لحقل الفضاء فائق العمق هذا. في بداية الأمر، اعتقد العلماء أنها مجرةٌ حديثة وصغيرة تُشبه المجرات الأخرى التي رصدوها من قبل، والتي تقع على مسافاتٍ مشابهةٍ لها. لكنهم عوضاً عن ذلك وجدوا دليلاً على أن هذه المجرة كبيرةٌ في العمر بشكلٍ ملحوظ، كما أنها فائقة الكتلة بشكلٍ كبير. كما يبدو أن نجومها موجودةٌ في مكانها منذ مدةٍ زمنيةٍ طويلة.

وعلى الرغم من أن صورة الضوء البصري لحقل الفضاء فائق العمق التي التقطها تلسكوب هابل هي أكثر الصور التي تم التقاطها عُمقاً، إلا أن هذه المجرة لم تظهر واضحةً فيها، ما يُشير إلى أن القسم الأكبر من الضوء البصري الصادر عن هذه المجرة قد استُهلك واستُنفِد من قِبل غاز الهيدروجين المتواجد في طريق هذا الضوء أثناء قطعه لمليارات السنين الضوئية في الفضاء.

تم رصد هذه المجرة بواسطة كاميرا تلسكوب هابل للأشعة القريبة ما تحت الحمراء (Hubble’s near-infrared camera)، ومقياس طيف الأجسام المتعددة (multi-object spectrometer). كما تم رصدها أيضاً بواسطة كاميرا الأشعة تحت الحمراء التابعة للتلسكوب الكبير جداً (Very Large Telescope) في المرصد الأوروبي الجنوبي European Southern Observatory. هذا وقد ظهرت المجرة بلونٍ أحمرَ خافتٍ جداً من خلال صور الأشعة تحت الحمراء ذات الأطوال الموجية العالية.


لكن المفاجأة الكبيرة حدثت عندما ظهرت هذه المجرة بشكل أكثر سطوعاً في صور الأشعة تحت الحمراء ذات الأطوال الموجية الأعلى، والتي التقطها تلسكوب سبيتزر الفضائي. يُعتبر تلسكوب سبيتزر حسّاساً جداً للضوء القادم من نجومٍ أقدمَ وأكثر احمراراً، والتي تُشكّل القسم الأعظم من كتلة المجرة. يُشير هذا السطوع الظاهر في صورة الأشعة تحت الحمراء إلى أن المجرة فائقة الكتلة، ويُؤكد الدكتور مارك ديكنسون Mark Dickinson، من المرصد الوطني لعلم الفلك الضوئي في توكسون، أريزونا National Optical Astronomy Observatory، هذه الفكرة بقوله: "ستكون هذه المجرة كبيرةً جداً حتى بالنسبة إلى وقتنا الحالي، فهي تُعدّ بالتأكيد ضخمةً جداً وعملاقةً بالنسبة إلى الفترة التي كان فيها عمر الكون 800 مليون سنة فقط". 

وقد تم الإعلان عن عمليات الرصد التي نفّذها تلسكوب سبيتزر من قِبل الدكتور لورنس إيليز Laurence Eyles من جامعة إكستر في المملكة المتحدة University of Exeter، وأيضاً من قِبل الدكتور هاوجينغ يان Haojing Yan من مركز سبيتزر العلمي Spitzer Science Center في باسادينا، كاليفورنيا.

كما كشف هؤلاء العلماء عن وجودِ نجومٍ قديمةٍ في العمر في مجراتٍ عاديةٍ ذات كتلةٍ أقل تقعُ على مسافةٍ شبيهةٍ بالمسافة التي تفصلنا عن هذه المجرة، وذلك في المرحلة التي كان عمر الكون فيها أقل من مليارِ سنة.

أدّت عمليات الرصد الجديدة هذه، التي أشار إليها الدكتور مُباشِر، إلى توسيعِ فكرة الوجود المثير للدهشة لـ "مجراتٍ طفلة" وقديمةٍ في نفس الوقت، بحيث تشمل أيضاً جسماً ذا كتلةٍ أكبر بـ 10 مرات يُعتقد أنه قام بتكوين نجومه في وقتٍ مبكرٍ من عمر الكون. 

وقد قام فريق الدكتور مُباشِر بتقدير المسافة بيننا وبين هذه المجرة من خلال جمع البيانات والمعلومات التي حصلوا عليها من عمليات الرصد التي قام بها كلّ من تلسكوب هابل، وتلسكوب سبيتزر، والتلسكوب الكبير جداً. يتأثر هذا السطوع النسبي للمجرة عند أطوالٍ موجيةٍ مختلفة بالتوسّع الحاصل في الكون، ما يسمح لعلماء الفلك بتقديرِ مسافتها وبُعدها. كما باستطاعتهم أيضاً تكوين فكرةٍ معينةٍ عن طريقة تشكّل هذه المجرة، وذلك من حيث كتلتها وعمر نجومها. 

يُشير اكتشاف هذه المجرة إلى أن بعض المجرات قد تكون تشكّلت بسرعةٍ كبيرةٍ جداً منذ فترةٍ زمنيةٍ طويلة، وذلك على عكس الاعتقاد السائد لدى العلماء بأن هذه المجرات قد تكوّنت بفعل الاندماج التدريجي بين المجرات الأصغر حجماً. لكن بالنسبةِ لوضع هذه المجرة، فيُرجّح أنها قد تكوّنت بفعل حُدوث انفجارٍ هائلٍ ناجمٍ عن وِلادة أحد النجوم. 

يُدير مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory في باسادينا - كاليفورنيا، مُهمةَ تلسكوب سبيتزر الفضائي لصالح وكالة ناسا. كما يتم إجراء العمليات العلمية في مركز سبيتزر العلمي الموجود في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا California Institute of Technology في باسادينا. في حين يُمثّل تلسكوب هابل جهداً تعاونياً بين وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية. أما المرصد الكبير جداً، فهو مشروعٌ تابعٌ للمرصد الأوروبي الجنوبي في مرصد بارانال في أتاكاما، تشيلي. 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المجال تحت الأحمر (Infrared): هو الإشعاع الكهرومغناطيسي ذو الطول الموجي الأكبر من النهاية الحمراء للضوء المرئي، والأصغر من الأشعة الميكروية (يتراوح بين 1 و 100 ميكرون تقريباً). لا يمكن لمعظم المجال تحت الأحمر من الطيف الكهرومغناطيسي أن يصل إلى سطح الأرض، مع إمكانية رصد كمية صغيرة من هذه الأشعة بالاعتماد على الطَّائرات التي تُحلق عند ارتفاعات عالية جداً (مثل مرصد كايبر)، أو التلسكوبات الموجودة في قمم الجبال الشاهقة (مثل قمة ماونا كيا في هاواي). المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات