العمالقة الغازية: حقائقُ مثيرة عن الكواكب الخارجية

العملاق الغازي (gas giant) هو كوكبٌ كبيرٌ يتألف بشكلٍ رئيسيٍّ من الغازات مثل الهيدروجين والهليوم، مع نواةٍ صخريةٍ صغيرةٍ نسبياً. تشمل العمالقة الغازية في مجموعتنا الشمسية كلاً من المشتري وزحل وأورانوس ونبتون. وهذه الكواكب الأربعة الكبيرة تدعى أيضاً بالكواكب الجوبيترية (jovian planets) نسبةً لكوكب المشتري، وهي تقبع في الأجزاء الخارجية من مجموعتنا الشمسية، خارج مدار المريخ وحزام الكويكبات. ويعتبر المشتري وزحل أكبر بشكلٍ ملحوظٍ من أورانوس ونبتون، مما يشير إلى أن تركيبَ هذين الكوكبين مختلفٌ نوعاً ما.



وعلى الرغم من وجود أربعةٍ فقط من الكواكب العملاقة في المجموعة الشمسية، إلا أن العلماء قد اكتشفوا الآلاف من هذه الكواكب خارج مجموعتنا الشمسية، وخصوصاً من خلال أرصاد تلسكوب كبلر الفضائي (Kepler space telescope) التابع لناسا. وتتم دراسة هذه الكواكب الخارجية -كما يُطلق عليها- بهدف معرفة المزيد عن كيفية تشكّل نظامنا الشمسي.

حقائق أساسية


يُعتبر المشتري (Jupiter) أكبر الكواكب في المجموعة الشمسية، حيث يعادل قطره حوالي 11 مرة ضعف قطر الأرض. ويمتلك 50 تابعاً مؤكداً بالإضافة إلى 17 تابع ينتظر التأكيد حسب ناسا. ويتألف هذا الكوكب بشكلٍ رئيسيٍّ من الهيدروجين والهليوم، واللذين يُغلفان نواة كثيفة من الصخور والجليد. وتتألف هذه الأخيرة على الأرجح من الهيدروجين المعدني السائل، الذي يولّد حقلاً مغناطيسياً هائلاً. يُشاهَد المشتري بالعين المجرّدة، فقد كان معروفاً للقدماء. ويتألف غلافه الجوي بشكلٍ رئيسيٍّ من الهيدروجين والهليوم والأمونيا والميثان.

يُعتبر قُطر زحل (Saturn) أكبر من قطر الأرض بتسع مراتٍ تقريباً، وهو يتميّز بوجود الحلقات الكبيرة، والتي لا تزال ظروف تشكلها غير معروفة حتى الآن. ويمتلك زحل 53 تابعاً مؤكداً بالإضافة إلى تسعةٍ أخرى تنتظر التأكيد حسب ناسا. وكما بالنسبة للمشتري، فإن زحل يتألف بشكلٍ رئيسيٍّ من الهيدروجين والهليوم اللذين يغلفان نواةً كثيفة. وقام القدماء برصده كذلك، وهو يمتلك غلافاً جوياً مشابهاً لغلاف المشتري.


شكل تمثيلي لكواكب المجموعة الشمسية، لا تتوافق أحجام الكواكب ومداراتها مع المقاييس النسبية الحقيقية.  المصدر: ناسا.
شكل تمثيلي لكواكب المجموعة الشمسية، لا تتوافق أحجام الكواكب ومداراتها مع المقاييس النسبية الحقيقية. المصدر: ناسا.


يبلغ قطر أورانوس (Uranus) أربعة أضعاف قطر الأرض. وهو الكوكب الوحيد المائل على جانبه، حيث يدور حول نفسه باتجاهٍ معاكسٍ لجميع الكواكب الأخرى باستثناء الزهرة، ما يشير إلى أنه ربما قد تعرض لارتطامٍ منذ زمنٍ طويلٍ أدى إلى ميلانه بهذا الشكل. ويمتلك الكوكب 27 تابعاً، ويتألف غلافه الجوي من الهيدروجين والهليوم والميثان حسب ناسا. وقد اكتُشف هذا الكوكب من قِبل وليام هيرشل William Herschel في عام 1781.

أما نبتون فيبلغ قطره حوالي أربعة أضعاف قطر الأرض. وكما بالنسبة لأورانوس، فغلافه الجوي يتألف بشكلٍ رئيسيٍّ من الهيدروجين والهليوم والميثان. وهو يمتلك 13 تابعاً مؤكداً بالإضافة إلى تابع واحد ينتظر التأكيد حسب ناسا. وقد تم اكتشافه من قِبل عدة علماء في الوقت نفسه في عام 1846.

النشأة وأوجُه الشبه


يُعتقد بأن الكواكب العملاقة كانت عند تشكلها كواكب صخرية وجليدية مشابهة للكواكب الأرضية. ولكن حجم النوى الموجودة في باطن هذه الكواكب (وخصوصاً المشتري وزحل) قد سمح لها بجذب الهيدروجين والهليوم من السحابة الغازية التي تكثفت منها الشمس، قبل أن تتشكل الشمس وتُشتت بإشعاعها معظم هذا الغاز في الفضاء.

ونظراً لأن أورانوس ونبتون يمتلكان حجماً أصغر ومداراتٍ أبعد من المشتري وزحل، فقد كان من الصعب عليهما جمع الهيدروجين والهليوم بنفس كفاءة الكوكبين الكبيرين، ويقدم ذلك على الأرجح تفسيراً لكونهما أصغر حجماً. ويعتبر الغلاف الجوي لكل منهما أكثر "تلوثاً" بالعناصر الثقيلة مثل الميثان والأمونيا، وذلك لأنهما أصغر حجماً.

وقد اكتشف العلماء آلاف الكواكب الخارجية التي تدور حول نجومٍ أخرى. وتبيّن أن الكثير من هذه الكواكب هي "مشتريات ساخنة" (hot Jupiters)، أي عمالقة غازية هائلة وقريبة للغاية من نجومها الأم. ولذلك فإن العلماء يفترضون أن الكواكب قد تحركت جيئةً وذهاباً في مداراتها قبل أن تستقر على وضعها الحالي. ولكن لا يزال مدى اتساع هذه الحركة مجالاً للنقاش.

تدور عشرات التوابع حول العمالقة الغازية، وقد تشكلت العديد منها مع تشكل كواكبها الأم، حيث تُعتبر هذه الفرضية واردة حين يدور التابع بنفسِ اتجاه دوران الكوكب، وبالقرب من المستوى الاستوائي (مثل توابع المشتري الكبرى: آيو وأوروبا وغانيميد وكالسيتو)، ولكن هناك استثناءات لهذه القاعدة.

يُعتبر تريتون أحد توابع نبتون، وهو يدور حول نبتون بعكس جهة دوران نبتون حول نفسه، ما يشير إلى أن نبتون ربما يكون قد أسر تريتون لدى مروره بالقرب منه، ربما حين كان نبتون يمتلك غلافاً جوياً أكبر. وهناك العديد من التوابع الصغرى في المجموعة الشمسية التي تدور على مسافاتٍ كبيرةٍ من المستوى الاستوائي لكواكبها، ما يشير إلى أنها أيضاً قد وقعت في قبضة الجاذبية الهائلة.

الأبحاث الحالية


تمتلك جميع هذه الكواكب أغلفة جوية معقّدة، والتي تشاهد فيها عواصف عملاقة في العديد من الأحيان. فعلى سبيل المثال، رُصدت البقعة الحمراء الكبرى (Great Red Spot) على المشتري منذ حوالي 400 سنة، وهي تنكمش حالياً لأسبابٍ لا تزال غير مفهومة بشكلٍ جيد. وحسب مارك مارلي Mark MarleyK، وهو أحد علماء الفيزياء الفلكية في معهد آمِس للأبحاث Ames Research Institute التابع لناسا، فإن فهم طبيعة هذه العواصف بشكلٍ أفضل يحتاج إلى وضع برامج أكثر وطويلة الأمد لرصد الأغلفة الجوية للعمالقة الغازية.

وفي حين أن بعثة المركبة كاسيني Cassini mission لا تزال تدور حول زحل حتى اليوم، فإن ناسا تتحضر حالياً لوصول المركبة جونو Juno spacecraft، وهي المركبة الفضائية التي ستحلق حول المشتري وستقوم للمرة الأولى بإجراء قياسات مفصّلة لباطن هذا الكوكب، وذلك من خلال قياس حقل الجاذبية الخاص به، ويبحث العلماء كذلك عن الموجات الزلزالية المشابهة للموجات التي تنتشر في طبقات الأرض أثناء الزلازل. يقول مارلي: "سيكون من الرائع حقاً أن نعثر على مثل هذه الموجات في الكواكب العملاقة، وأن نتمكن من قياسها أثناء انتقالها عبر باطن الكواكب، سيعطينا ذلك فكرة عن بنيتها الداخلية".

الأراضي الفائقة


عثر العلماء خلال السنوات الخمسة المنصرمة على عددٍ من الأراضي الفائقة (super-Earths) في منظومات شمسية أخرى، وهذه الأجرام عبارة عن كواكب يتراوح حجمها بين حجم الأرض وحجم نبتون. ونظراً لأن هذا النمط من الكواكب غير موجود في مجموعتنا الشمسية، فهناك الكثير من التساؤلات حولها، فيما إذا كانت أكثر شبهاً بالكواكب الغازية الصغيرة أم أقرب للكواكب الصخرية الكبيرة.

وسيحاول العلماء اكتشاف المزيد من الكواكب الخارجية خلال السنوات القادمة، وذلك بواسطة كل من القمر الصناعي الماسح لعبور الكواكب الخارجية (Transiting Exoplanet Survey Satellite)، الذي من المقرر أن ينطلق في عام 2017، وتلسكوب جيمس ويب الفضائي (James Webb Space Telescope)، المقرر إطلاقه في عام 2018، وتلسكوب المسح الواسع بالأشعة تحت الحمراء (Wide-Field Infrared Survey Telescope) أو اختصاراً (WFIRST)، والذي لن يتم إطلاقه قبل عام 2024 بعد أن تتم المصادقة عليه.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • السيد ويليام هيرتشيل (William Herschel): اُشتهر السيد ويليام هيرتشيل (William Herschel) بكونه اول فلكي اكتشف المنطقة تحت الحمراء من الطيف الكهرومغناطيسي في العام 1800. المصدر: ناسا
  • المجال تحت الأحمر (Infrared): هو الإشعاع الكهرومغناطيسي ذو الطول الموجي الأكبر من النهاية الحمراء للضوء المرئي، والأصغر من الأشعة الميكروية (يتراوح بين 1 و 100 ميكرون تقريباً). لا يمكن لمعظم المجال تحت الأحمر من الطيف الكهرومغناطيسي أن يصل إلى سطح الأرض، مع إمكانية رصد كمية صغيرة من هذه الأشعة بالاعتماد على الطَّائرات التي تُحلق عند ارتفاعات عالية جداً (مثل مرصد كايبر)، أو التلسكوبات الموجودة في قمم الجبال الشاهقة (مثل قمة ماونا كيا في هاواي). المصدر: ناسا
  • الغاز (Gas): أحد الحالات الأساسية الثلاث للمادة. في هذه الحالة تتحرك الذرات، أو الجزيئات، أو الأيونات بحُريّة، فلا ترتبط مع بعضها البعض. وفي علم الفلك، تُشير هذه الكلمة عادةً إلى الهيدروجين أو الهيليوم. المصدر: ناسا

اترك تعليقاً () تعليقات