الذاكرة

هاورد آيخنباوم Howard Eichenbaum، جامعة بوسطن بماساتشوستس

الذاكرة هي سجل الخبرة المتمثل في الدماغ، وهناك أشكال متعددة من الذاكرة تدعمها أنظمة دماغية متمايزة. حيث تُصنَّف الأشكال المختلفة من الذاكرة بحسب فترة استدامتها قصيرة المدى أو طويلة المدى، وبحسب انطوائها على تجارب فريدة من نوعها أو على معارف متراكمة، وبحسب التعبير الجليّ عنها باستخدام التذكر الواعي أو التعبير الضمني من خلال التغيرات في السرعة أو التحيز في أداء مهام معينة، وتستند كل أشكال الذاكرة على التغيرات الحاصلة في الروابط المشبكية (synaptic connections) داخل الدوائر العصبية (neural circuits) لكل نظام من أنظمة الذاكرة، وتتغير قوة الذاكرة بحسب الاستثارة العاطفية، كما تنخفض مع الشيخوخة.

أنظمة متعددة للذاكرة


الشكل 1: الذاكرة والدماغ. حقوق الصورة: Eichenbaum Figure for Scholarpedia
الشكل 1: الذاكرة والدماغ. حقوق الصورة: Eichenbaum Figure for Scholarpedia

هناك مجموعة كبيرة ومتنوعة من أشكال الذاكرة، تبدأ بالأنواع الأولية (elementary) وغير الترابطية (non-associative) من الذاكرة، بما فيها التعود (habituation) والتحسس (sensitization)، وصولاً إلى أكثر أشكال الذاكرة الترابطية (associative memory) تعقيداً، بما فيها الذاكرة العرضية (episodic memory) والذاكرة الدلالية (semantic memory). وهكذا فإن المبدأ المحوري في هذا المجال، هو أن هناك أنظمة متعددة للذاكرة، يتَّسم كل منها بخصائص تشغيلٍ متمايزةٍ ومساراتٍ دماغيةٍ تتجسد فيها الذكريات عبر لدونة (قابلية التكيّف) ومعالجة المعلومات داخل الدوائر العصبية ذات الصلة (الشكل 1؛ Eichenbaum & Cohen, 2001).

 

المهم هنا، هو أن موضوع الذاكرة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتعلم، وهو العملية التي تُكتسب الذكريات بواسطتها، كما أن التعلم ليس حكراً على شكلٍ بعينه، بل يشمل أشكالاً متنوعة، من أمثال التعلم بالتكييف (conditioning) والتعلم بالتعزيز (reinforcement)، اللَّذَين سنغطي كلاً منهما كموضوعٍ رئيسيٍّ لاحقاً.


الذاكرة التقريرية


لقد بدأ التقدم الكبير في فهم أنظمة الذاكرة والآليات الدماغية التي تقوم عليها، مع دراسةٍ أُجريت على مريضٍ يُعرف بالحروف الأولى من اسمه HM. وهي حالة تضمّنت معالجةً جراحيةً تجريبيةً لعلاجِ الصّرع، أُزيل فيها الفص الصدغي الإنسي (medial temporal lobe). وقد خففت الجراحة كثيراً من حدة نوبات الصرع، لكنها -وعلى نحو غير متوقع- تسببت لـ HM بفقدانٍ حادٍّ للذاكرة يسمح له بأن يتذكر كمية محدودة من المعلومات لفترة زمنية قصيرة (تصل إلى بضع دقائق). وعلى الرغم من عدم قدرته على تذكر المعلومات الجديدة، فقد بقيت لدى HM ذكريات سليمة معتبرة عن طفولته وعن المعلومات التي اكتسبها في السنوات القليلة التي سبقت الجراحة التي أجريت له.

 

وقد استنتج الباحثون من هذه المشاهدات، أن الأجزاء التي أزيلت من الفص الصدغي الوسطي لدى HM، بما فيها الحصين (hippocampus) والمنطقة المجاورة للحصين (parahippocampal region)، تلعب دوراً حاسماً في تحويل الذاكرة قصيرة المدى (short-term memory) إلى مخزن ذاكرةٍ دائمٍ وطويل المدى (long-term). علاوة على ذلك، فإن حقيقة احتفاظ HM بذكرياتٍ من أحداثٍ وقعت في وقتٍ بعيدٍ سابقٍ للجراحة، يدل على أن هذه المناطق الدماغية ليست مواقع التخزين الدائم، ولكنها بدلاً من ذلك، تلعب دوراً في تنظيم الذكريات وتخزينها الدائم في مواقع أخرى في الدماغ، من خلال عملية تعرف باسم "توطيد الذاكرة" (memory consolidation).

وقد أكدت الدراسات التي استخدمت "التصوير الوظيفي للدماغ" (functional brain imaging)، أن الحصين والمنطقة المجاورة للحصين، تنشطان أثناء ترميز واسترجاع الذكريات لدى البشر، كما حددت هذه الدراسات أيضاً شبكة واسعة من المناطق في قشرة المخ (cerebral cortex)، التي تعمل معاً لدعم الذاكرة التقريرية، أي قدرتنا على التعلم والتذكر الواعي للوقائع والأحداث اليومية.

 

وتشمل المناطق القشرية مناطق الترابط في القشرة قبل الجبهية (prefrontal cortex) والقشرة الجدارية (parieta cortexl) والقشرة الصدغية (temporal cortex)، بالإضافة إلى منطقتي الحزام (cingulum) والمنطقة خلف الشريط الثفني (retrosplenial)، التي تلعب كل منها أدواراً متمايزة في الجوانب المعقدة للإدراك والحركة والمشاعر والمعرفة.

 

ولقد بينت دراسات التصوير الوظيفي والدراسات على حيوانات التجارب، وهي تجارب أُزيلت خلالها مناطق مُنتقاة من الدماغ، والتي يمكن من خلالها تمييز المعلومات التي شفرتها عصبونات (neurons) معينة، أن الحصين والمنطقة المجاورة للحصين تؤديان أدواراً محددةً في الذاكرة. هذا وتدعم المنظومة الحصينية-القشرية (cortical-hippocampal system)، كلاً من قابليتنا للإحساس بالألفة نحو محفزات بعينها سبق التعرض لها، وقدرتنا على الاسترجاع الفعال للخبرات السابقة. بالإضافة إلى ذلك، تتميز هذه المنظومة بمعالجة "الذاكرة العلائقية" (relational)، التي يتم فيها ربط وتقييد ما يُراد تذكره بعناصر مرتبطة بها، وبالسياق الذي اكتُسبت فيه الخبرة، وبالأحداث السابقة واللاحقة، وبالذكريات ذات الصلة. 


ومما يجدر ذكره، هو أن "الذاكرة المزيفة" (false memory) عادة ما تنطوي على خطأ في المعالجة العلائقية، التي تسترجع علاقاتٍ لم تحدث في الواقع، ولكنها مضمَّنَة في شبكة الذكريات العلائقية.

الأشكال قصيرةُ المدى للذاكرة


تُخزن المعلومات المستمدة من الخبرات الجديدة، -مبدئياً- في "الذاكرة الأيقونية" (iconic memory)، وفي أشكالٍ من الذاكرة قصيرة المدى، التي تستطيع أن تدعم التخزين السريع والاسترجاع الفوريّ للتفاصيل الأساسية. ويَدخُل بعضُ هذه المعلومات "الذاكرةَ العاملة" (working memory) أيضاً، وهي شكلٌ من أشكال الذاكرة التقريرية التي تمكّننا من الاحتفاظِ بالمعلومات ومعالجتها بشكلٍ عابرٍ "على خط الاتصال" (on-line) في الوعي.

 

تعتمد الذاكرة العاملة على القشرة قبل الجبهية، وكذلك على شبكةٍ واسعةٍ من المناطق القشرية الدماغية الأخرى. وقد بينت دراسات على حيوانات التجارب أن العصبونات قبل الجبهية تحفظ المعلومات ذات الصلة خلال الذاكرة العاملة، وتستطيع الجمع بمرونة بين أنواعٍ مختلفةٍ من المعلومات الحسية والمفاهيم المجردة والقواعد التي تُتخذ القراراتِ بناء عليها.

 

تُنَشط القشرة قبل الجبهية تنشيطاً عالياً لدى البشر، أثناء ترميز واسترجاع وصيانة والتلاعب بالذكريات. وتدعم مناطقُ متمايزةٌ في القشرة قبل الجبهية وظائفَ تنفيذية مختلفة للمعرفة (cognition)، بما فيها انتقاء وتكرار ورصد المعلومات التي تُسترجع من الذاكرة طويلة المدى، وفي أثناء تنفيذ هذه الوظائف، تتفاعل القشرة قبل الجبهية مع شبكة واسعة من مناطق قشرية خلفية (posterior cortical areas)، والتي تقوم بترميز وصيانة واسترجاع أنواع معينة من المعلومات الإدراكية.

الذاكرة العرضية والذاكرة الدلالية


يعتبر "الفص الصدغي الإنسي" (medial temporal lobe) ذا أهميةٍ بالغةٍ في معالجة وتخزين الذكريات العرضية، أي ذكرياتنا عن خبراتٍ شخصيةٍ محددةٍ حدثت في مكانٍ ووقتٍ معينين. وقد بينت الدراسات التي أُجريت على أشخاص مصابين بفقدان الذاكرة، وعلى حيواناتٍ أُحدث لها إتلافٌ تجريبيٌّ في الدماغ، أن الأجزاء المختلفة من المنطقة المجاورة للحصين، تلعب أدواراً متمايزةً في معالجة المعلومات عن "ماذا"، و"أين"، و"متى" المتعلقة بالأحداث الفريدة، ويقوم الحصين بربط هذه السمات الخاصة بالذاكرة العرضية.

 

وعلى الأرجح أن هذه الروابط لا تحوي تفاصيلَ الذكريات في الحصين، لكنها وبدلاً من ذلك، تخدم في مكاملة المعلومات التي عالجتها مناطق قشرية معينة كثيرة. وهكذا يربط الحصين بين معلومات الـ ماذا-أين-متى، التي حُوِّلت بالتوازي إلى المنطقة الصدغية الإنسية، لتقوم هذه الروابطَ بوصل تمثيلات كل نوع من أنواع تلك المعلومات بالمناطق القشرية الدماغية ذات العلاقة. 


تقوم التجارب الإضافية المتعلقة بنفس الأحداث أو بأحداثٍ متعلقةٍ بها، وربما أيضاً إعادة عرض الذكرى أثناء النوم، بتوليد تفاعلاتٍ متكررةٍ ثنائية الاتجاه بين مناطق واسعة الانتشار من القشرة الدماغية، بحيث يقوم الفص الصدغي الإنسي بتيسيرٍ بطيءٍ لتكوين الصلات البينية بين التمثيلات في مختلف مناطق القشرية الدماغية. فتؤدي هذه التفاعلات -على مدى فترة طويلة- إلى إعادة تنظيم وتوطيد كبيرين للروابط فيما بين التمثيلات القشرية، لدمج المعلومات التي تضمنتها الوقائع الجديدة والمعرفة الدلالية المجردة بالذاكرة الدائمة.

مخزن ذكرياتنا الدائم، الذي يسمى "الذاكرة الدلالية" (semantic memory)، يستخدم شبكة كبيرة موزعة من المناطق القشرية التي تشاركُ في إدراكِ وإجراء وتحليل المواد التي يتم تعلمها. وتختص شبكاتٌ قشريةٌ متمايزةٌ في معالجة أنواعٍ محددةٍ من المواد، من أمثال الوجوه والبيوت والأدوات والأفعال واللغة وغيرها من التصنيفات المعرفية.

 

وقد تبين من الدراسات التي أُجريت على الأشخاص المصابين بتلفٍ موضعيٍّ في مناطق من القشرة الدماغية، أن هناك مناطق وشبكات محددة تعد حاسمة بالنسبة لتصنيفاتٍ بعينها من المعرفة الدلالية. كذلك تمكنت الدراسات التي أجريت على أشخاصٍ طبيعيين باستخدام التصوير الوظيفي، من تحديد شبكاتٍ قشريةٍ تعالج تصنيفاتٍ معينةٍ من المعلومات، بما فيها الوجوه والأدوات والحيوانات والمقاعد والكلمات والبيوت.

 

كما تؤدي هذه الشبكات أيضاً أنواعاً مختلفةً من معالجة المعلومات، على سبيل المثال، تمييز النماذج ضمن تصنيفٍ أو تخيل استخدام شيءٍ ما. وهكذا فإن شبكةً كبيرةً ومتمايزةً من المناطق القشرية تشارك في أي تصنيفٍ معينٍ من المعالجة الدلالية. بالإضافة إلى ذلك، من الممكن تشكيل تمثيلاتٍ محددةٍ في هذه المناطق القشرية عن طريق التدريب، مما يتيح تعلم المهارات الإدراكية، وتُخضَع هذه التمثيلات للمحاباة بغرضِ الاسترجاع غير الواعي للمدركات التي اختُبرت حديثاً، وهي التي تسمى "برمجة" (priming).

الذاكرة الضمنية


في حين أن من الممكن أن يصاب المريض H.M. ومرضى فقدان الذاكرة بتلفٍ شديدٍ في الذاكرة التقريرية، إلا أنهم عادة ما يحتفظون بأشكالٍ متنوعةٍ من "الذاكرة الضمنية" (implicit memory)، التي تنطوي على قدرة اكتساب المهارات والعادات والتفضيلات، والتي يمكن التعبير عنها بواسطة تحسين الأداء أو تغيير المحاباة دون تذكرٍ واعٍ. وتُدعم هذه الأشكال المتنوعة من الذاكرة الضمنية من قبل مجموعةٍ متنوعةٍ من أنظمة الذاكرة وفي داخل القشرة الدماغية كما في حالة البرمجة التي طُرحت أعلاه.

 

يتعلق أحد أنظمة الذاكرة الضمنية بالمناطق القشرية التي تتفاعل مع "الجسم المخطط" (striatum) لدعم "الذاكرة الإجرائية" (procedural memory)، والتي تتعلق باكتساب السلوك الحاذق والعادات المكتسبة. ويُعبَر عن الذكريات الإجرائية مباشرةً من خلال تفعيل "نظام التنسيق الحركي في الدماغ" (motor coordination system).

 

بالإضافة إلى ذلك، فإن الذاكرة التي تنطوي على الدقة الشديدة في التوقيت في التعلم الحركي، تعتمد على المخيخ. كما يشمل نظامٌ آخرٌ متميزٌ للذاكرة المناطق القشرية وتحت القشرية، التي تتفاعل مع "اللوزة" (amygdala) لدعم ارتباط المغزى العاطفي بالمحفزات والأحداث، والتي كانت لتكون محايدة لولا ذلك الارتباط. ويبرز هذا النظام "الذاكرة العاطفية" (emotional memory)، من خلال تفعيل الوطاء (ما تحت المهاد) (hypothalamus) والجهاز العصبي الودي (sympathetic nervous system)، واللَّذَيْن يولدان ردود الأفعال والمشاعر. وهكذا وبالإضافة إلى نظام الذاكرة التقريرية، يستطيع نظاما الذاكرة الإجرائية والذاكرة العاطفية تخزينَ وإبراز أشكالٍ مختلفةٍ من الذاكرة بتميز، حتى بالنسبة لنفس الحدث.

اللدونة التشابكية والذاكرة


تتضمن الأسس الخلوية للذاكرة "لدونة" (plasticity) معتمدة على النشاط، وذلك في الارتباطات المشبكية (synaptic connections). أحد النماذج المهمة في دراسة الأسس الخلوية للذاكرة، هو ظاهرة "التقوية على المدى الطويل" (long-term potentiation)، أو اختصاراً (LTP)، وهي زيادةً طويلة الأمد في قوة الاستجابة المشبكية التي تعقب التحفيز. تتجلى الـ LTP في الحصين، وكذلك في القشرة المخية وفي مناطق أخرى من الدماغ تشارك في أشكالٍ مختلفةٍ من الذاكرة.

 

وعادةً ما تُحفز الـ LTP بوقوع حدثين معاً: وجود مُدخلٌ مستثير، وإزالة الاستقطاب بين الخلوي في ما يسمى "مشبك هيب"[1] Hebbian synapse  ، وذلك بمشاركة مُستَقبِل الـ (N-methyl-d-aspartate)، أو اختصاراً (NMDA)، الذي يسمح بدخول الكالسيوم (Ca++) في المشبك، والذي يُنشط بدوره "أحادي فوسفات الأدينوزين الحلقي" (cyclic adenosine monophosphate)، أو اختصاراً (cAMP).

 

بعد ذلك يفعّل الـ cAMP عدداً من إنزيمات الكيناز (kinases)، التي يقوم بعضها بزيادة عدد المستقبلات المشبكية. بالإضافة إلى ذلك، يُفعّل الـ cAMP بروتينَ استجابة cAMP الرابط للعناصر (CREB)، الذي يعمل داخل النواة لتنشيط رتبة من الجينات تسمى "الجينات الفورية المبكرة"(immediate early genes)، أو اختصاراً (IEGs)، وهذه بدورها تُفعّل جينات أخرى توجه تركيب البروتين. ومن بين البروتينات المُنتَجة المغذي العصبي "النيوروتروفين" (neurotrophin)، الذي ينشط نمو المشبك. وهكذا، تلعب سلسلة من التفاعلات الجزيئية دوراً حاسماً في تثبيت التغيرات في وظيفة التشبيك التي تحدث في الـ LTP.

يأتي الدليل على أن التثبيت الدائم للذكريات يعتمد على تعاقب الأحداث الجزيئية والخلوية، من الدراسات التي تبين إمكانية إيقاف تثبيت الذاكرة بواسطة تشويش الجزيئات في هذا التعاقب. وقد بينت كثيرٌ من الدراسات أن العقاقير التي تُحبط مستقبلات NMDA أو cAMP أو CREB أو الجزيئات الأخرى الداخلة في تركيب البروتين، تُحبط الذاكرة.

 

فهذه العلاجات فعالة عندما تُعطى قبل أو خلال دقائق من التعلّم، ولكنها ليست فعالة إذا تأخرت، مما يشير إلى أن التعاقب الجزيئيّ الذي يؤدي إلى تركيب البروتين ليس ضرورياً للتعلم المبدئي أو للحفاظ على الذاكرة قصيرة المدى، ولكنه ضروريٌّ لتثبيت الذاكرة الدائمة. بالإضافة إلى ذلك، بينت الدراسات التي استخدمت الفئران المعدلة وراثياً، أن التعديلات في جيناتٍ معينةٍ لهذه الجزيئات يمكن أن تؤثر بشكلٍ كبيرٍ على القدرة على الـ LTP وتثبيت الذاكرة.

بالإضافة إلى LTP، هناك أيضاً آلية تُقلص قوة الروابط في نقاط التشبيك التي لا تُستخدم باستمرارٍ تسمى "الإخماد طويل الأمد" (long term depression)، أو اختصاراً (LTD). ينطوي الـ LTD على نفس الركائز الجزيئية التي ينطوي عليها الـ LTP، لكن بقواعد توقيت مختلفة من التفعيل في نقاط التشبيك. ويسمح مركب الـ LTP وLTD بإعادة التنظيم المعقد للدوائر التي تُنشئ التمثيلات العصبية للمعلومات. يُحدث كل من الـ LTP والـ LTD بين كل البُنى الدماغية التي يُعرف أنها تُشارك في أنواعٍ مختلفةٍ من الذاكرة. هذه الأحداث الخلوية والجزيئية التي تقع على مقياسٍ زمنيٍّ من الثواني والدقائق، ضروريةً للانتقال من التخزين قصير المدى إلى الذاكرة طويلة المدى، وتحدث في كل بنية دماغية تشارك في الذاكرة.

تحوير الذاكرة


بالإضافة إلى ذلك، فإن تحوير (modulation) تثبيت الذاكرة يحدث من خلال الاستثارة العاطفية والتوتر. فالاستثارة العاطفية تحفز إطلاق "قشرانيات سكرية" (glucocorticoids) وآليات أدرينالية (adrenergic) عبر اللوزة، مما يؤثر في تثبيت الذاكرة في أنظمة كل من الذاكرة التقريرية والذاكرة الإجرائية، ولدى كل من الحيوانات والبشر. وهكذا فإن الخبرات العاطفية الحادة قد تؤدي إلى ذكرياتٍ تقريريةٍ أكثر وضوحاً واستدامةً -تسمى أحياناً الذكريات الوهاجة- وإلى عاداتٍ راسخة بعمق.

الذاكرة والتقدم في العمر


على الرغم من أن الشيخوخة تتسبب في فقدان الذاكرة الذي يتضمن شيئاً من الخسارة في كل أنواع القدرة على التعلم، إلا أن الانحدار الأكثر شيوعاً وبروزاً هو ذلك الذي يصيب الذاكرة العرضية. ينطوي فقدان الذاكرة المرتبط بالعمر على قصورٍ في كلٍّ من القشرة أمام الجبهية، الذي ينتج عنه خسارة الوظائف الإجرائية، وفي الفص الصدغي الإنسي، الذي يؤدي إلى إضعاف تخزين الذكريات الجديدة.

 

لا تحدث الشيخوخة الطبيعية جراء فقدان العصبونات، بل بسبب تناقص عدد الروابط المشبكية وخسارة التحويرات العصبية (neuromodulation)، التي عادةً ما تُفعل وتُنسق العمليات في هذه المناطق الدماغية، ولا سيما تلك التي تنطوي على مساراتٍ تستخدم الناقل العصبي الأسيتيل كولين (acetylcholine). ويتسبب التدهور المرتبط بالتقدم في العمر في تباطؤ معدل التعلم الجديد، وتصلب في تحوير التمثيلات القائمة استناداً إلى معلوماتٍ جديدة.

 

ملاحظات


[1] نسبة إلى دونالد هيب Donald Hebb، الذي وضع هذه النظرية لتفسير تكيف العصبونات أثناء عملية التعلم.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات