الفيزياء المذهلة لتقوّس كرة التنس

قد تسمى التنس لعبة البوصات، أو لعبة الملوك، أو لعبة الشعراء، أو لعبة الحب، أو لعبة الأخطاء، أو لعبة الاحتمالات، أو لعبة الحياة. لكنها جميعها ليست سوى مسمياتٍ مجازية، في الحقيقة التنس هي لعبة التقوّس.

راقب نوفاك يوكوفيتش Novak Djokovic وهو يرسل كرته المقوّسة من خلف آخر خطٍّ في ملعبه إلى حافة المربع الأخير لخصمه، وراقب ضربات رافاييل نادال Rafael Nadal الأرضية تعبر فوق الشبكة بقدمٍ أو أكثر لتعود فتهبط كأنها قنبلةٌ موجهةٌ نحو الزاوية المتقدمة لخصمه، وراقب أيضًا خصوم سيرينا Serena وهم يراقبون إرسالها الخارق الذي تتجاوز سرعته الـ 126 ميلًا في الساعة. اذهب إلى أي ملعبٍ في مدينتك وستجد اللاعبين من مختلف الفئات ينحنون ويلتفون ويصرخون محاولين أن يصلوا بكراتهم إلى ذلك التقوّس.


من السهل إلى حدٍّ ما معرفة ما هو التقوّس: إنه عامل الفوز بمقابلات التّنس، لكن من ناحيةٍ أخرى كيف يعمل؟ -أو بدلًا عن ذلك، كيف ينشأ؟- والإجابة هي مثل حلّ سؤالٍ فيزيائيٍّ معقدٍ يمكن طرحه دون الاستناد إلى الجسيمات دون الذرية، وتتضمن المتغيرات كراتٍ اسفنجية، مضارب قوية، أوتارًا مشدودة، وثني الركبتين، والتواء الوركين، وتأرجح الكتفين، وتناوب المرفقين. كل هذه الميكانيزمات هي ممكنةٌ بواسطة زوجٍ من المعدات المبتكرة.


من أجل إنشاء التقوّس، يجب عليك صقل المضرب في موضع الكرة دون الإضرار به، وتبدو الحركة كشكلٍ غريبٍ من المصافحة حيث تبدأ ببطءٍ عندما يكون المضرب عند الخصر، ثم تأخذه إلى الأمام، يلتوي مع الوركين والكوع إلى أن ينتهي رأس المضرب فوق كتفك المعاكس.


هذا ليس كلّ شيء، حيث يقول كروفورد لينسي Crawford Lindsey، كبير المجربين في جامعة ويرهاوس للتنس Tennis Warehouse University، وموقع تجارب التنس (الذي يحتوي على بعض الدراسات الجادة والرائعة): "من أجل تقوّسٍ عالٍ جيد، عليك إمالة المضرب بزاويةٍ جيدةٍ أيضًا". ويضيف: "أنت لا تواجه الكرة مباشرةً لأن كل شيء مائل".


أفضل زاويةٍ للوجه الأمامي لمضربك هو حوالي 50 درجةً أو أقل بالنسبة لسطح الأرض، ما يضع التقوّس على الكرة، لكنه يجعل ضربها على الحافة أسهل.


يقول لينسي: "مضارب أكبر تقدم لنا مساحةً أكثر، وبالتالي أمانًا أكثر، إذ يمكنك التأرجح أسرع بزاويةٍ أكبر".


لكنه ليس متعلقًا بالتقنية فحسب، إنه أيضًا حسب التكنولوجيا، تدين لعبة التنس الحديثة، والتي يهيمن عليها التقوّس بكل شيء، إلى مخترعٍ اسمه هوارد هيد Howard Head. في أواخر أربعينيات القرن الماضي، كان هيد مكانيكي طيران وكان يتعلم التزلج، أحب هذه الرياضة لكن لم يعجبه سحب الألواح الخشبية الثقيلة إلى أعلى التلة في كل مرة، فكان إنجازه الأول ألواح الألمنيوم التي كانت براءة اختراع، وأسّس بها شركة هيد للتزلج.


ما الذي يجب القيام به مع التنس؟ بعد بضعة عقود، قام هيد ببيع شركته، تقاعد وتولى أمر لعبة التنس، حيث قام بكل ما ينبغي: بنى ملعبًا في بيته، تعاقد مع مدربٍ واشترى آلة كراتٍ حديثة. لكن مرة أخرى، وجد رياضةً لم تكن مصممةً بشكلٍ جيد. أولًا، آلة الكرات خاصته كانت سيئة، فاشترى الشركة التي تصنعها (برانس Prince) وابتكر نسخةً أفضل.


ثم ذهب بعد ذلك إلى العتاد الشخصي، ومثلما كان الأمر مع التزلج يسيطر الخشب على التنس. لكن هذا الوسط المقيد لمنطقة رأس المضرب هو حوالي 60 بوصة مربعة وسينكسر الإطار إذا كان أكبر من ذلك.


يقول رود كروس Rod Cross وهو فيزيائيٌّ متقاعدٌ من أستراليا، والذي درس فيزياء التنس: "لا يوجد هامش خطأ كافٍ مع مضربٍ بهذا الحجم"، فجلب هيد خبرته في الألمنيوم للتأثير على المشكلة، واخترع "ألمنيوم برانس كلاسيك" الأكثر ثباتًا (the sturdier aluminum Prince Classic). واستعمل اختراعه لصناعة مضارب التنس برؤوسٍ مساحتها 125 بوصة مربّعة.

 

 
سمحت مضارب هوارد هيد ذات الرؤوس الكبيرة للاعبين بمواجهة الكرة بزاويةٍ أكبر عند التأرجح. (وقدّم لاحقًا إطارات الغرافيت والتي هي أخفّ وزنًا وأقوى). لكن حجم الإطار هو جزءٌ فقط من معادلة تصميم المضرب.

بتكبير المضارب كأوتار مواجهة للكرات وموقفة لها، فلدى وجه المضرب نوعان من الأوتار. الأوتار الرئيسية من الرأس إلى المقبض والأوتار التقاطعية من الجنب إلى الجنب. في معظم تاريخ رياضة التنس، كانت هذه الأوتار من أمعاء البقر. لكن اليوم، أفضل الأوتار لإحداث التقوّس هي من البوليستر، إذ أنّ لديها ما يسمى بانخفاض معامل الاحتكاك، أي أنها تنزلق ضد نفسها، وهو ضخم لتوليد التقوّس، لأنه ينشئ ما يسمى بتأثير العودة المفاجئة.

نموذج الارتداد: نموذج الارتداد لضربة كرة على الأوتار مع تقوسٍ تراجعيٍّ ينزلق إلى الأسفل عبر الأوتار الرئيسية وترتد بتقوسٍ علوي.
نموذج الارتداد: نموذج الارتداد لضربة كرة على الأوتار مع تقوسٍ تراجعيٍّ ينزلق إلى الأسفل عبر الأوتار الرئيسية وترتد بتقوسٍ علوي.

لعبة الدّفع، تقوم الكرة مؤقّتًًا بعد تلقيها حركة المضرب التصاعدية بثني الأوتار الرئيسية السفلى، وعندما تغادر الكرة المضرب، يخف الضغط وترجع الأوتار الرئيسية إلى وضعها مصدّرةًً طاقتها العلوية إلى الكرة، يقول لينسي: "تُلتقط هذه الطاقة المخزنة وتحول إلى تقوّس".

هناك طرقٌ أخرى لتخفيض معامل الاحتكاك، حيث تقوم شركة ويلسون Wilson فقط بإطلاق مضارب بأوتارٍ تقاطعيةٍ أقلّ من الأوتار الرئيسية (يسمى في هذه التكنولوجيا المبتكرة بتأثير التقوّس). إذا انتبهت، سوف تعرف سريعًا أن أوتارًا تقاطعيةً أقل تعني احتكاكًا أقل على مستوى الأوتار الرئيسية.

أرسلت لي ويلسون إحدى مضاربها للاختبار. على الفور، كنت متشكّكًًا جدًًّا، لكن بالتأكيد لاحظت فرقًا. إذا فعلها شريكي، وفعلها الحسّاس الذي وضعته في أسفل مقبض المضرب، مقارنةً بمضربي الاعتيادي (المعدني ذي الرأس الغرافيتي)، أظهر حسّاس التنس الذكي من سوني (Sony Smart Tennis Sensor) أن التقوّس في المقدمة والمؤخرة تقريبًا تضاعف، (مقياس حسّاس التقوّس هو عشوائي جدًًّا، إذًا ليس لديّ حقيقةً قياساتٌ دقيقة RPMs).

الرأس الكبير والأوتار الملساء هي فقط أساسيات التكنولوجيا الذكية المساهمة في التقوّس، والذي هو جانبٌ واحدٌ فقط من حلم الفيزيائي في رياضة التنس. لينسي وكروس هما صديقا العلم، ويلتقيان كل عامٍ للقيام بتجارب جديدةٍ كاختبار أشياء جديدةٍ كالأوتار الهجينة، اهتزاز المضرب وطريقة سلوك مختلف الأوتار تحت الضغط، يقول كروس: "لقد قمنا بتجريب حوالي 2000 نوع من الأوتار". ويضيف: "ونعرف خصائصها الفيزيائية جميعًا".

إنها في المجمل رائعةٌ جدًًّا، لكن من الممكن أنه من الأفضل نسيانها جميعًا. بعد كل هذا، أفضل طريقةٍ لتحطيم اللعبة هي من خلال التفكير فيها. فقط اشكر النّجوم المحظوظين بهوارد هيد، الذين يستهدفون خط الأساس. وتذكر، تنفس واضرب.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات