الكون المتكتل

الكون الذي نراه اليوم متكتلٌ جداً، فهناك الكواكب والنجوم والمجرات وعناقيد المجرات. وحتى حين ننظر إلى التوهج اللاحق للانفجار العظيم، يُمكننا رؤية توهج ناعم بشكلٍ لا يصدق وموجود على طول السماء. إذاً كيف أصبحت المادة الموجودة في الكون متكتلة بعد أن بدأت سلسلة التوزع؟ 


يتفق علماء الفلك عموماً على أن الجاذبية شكلت تطور التكتلات التي نراها في الكون حالياً. وتسببت قوة الجاذبية الكائنة بين تكتلات المادة في الكون بقيامها بسحب بعضها البعض لتشكل جسم وحيد، وبعد ذلك قام هذا الجسم بسحب المزيد من المواد بشكلٍ مشابه لكرة ثلجية تتدحرج إلى أسفل هضبة، وتقوم أثناء ذلك بمراكمة المزيد من الثلج أثناء هبوطها. 


لكن يجب أن يوجد لكل كرة ثلج بداية –بذرة صغيرة تكتلت حولها المواد الأخرى. تبين مراقبات الخلفية الكونية الميكروية (CMB) –وهي أقرب نقطة يُمكن أن نشاهدها من لحظة بدء الكون –أن الكون امتلك درجة حرارة كانت متجانسة جداً. وتُشكل درجة حرارة CMB متعقباً لمكان وجود المادة في المراحل المبكرة جداً من الكون. فلو كانت درجة الحرارة متجانسة بشكلٍ كامل، لن يكون هناك بذور للانهيار الثقالي، وبالتالي لما وجدت أي طريقة لتشكل التكتلات التي نُشاهدها اليوم. 


عند إجراء فحص دقيق لمناطق صغيرة من CMB، تمت مشاهدة اهتزازات صغيرة جداً. وعلى الرغم من أن شدة هذه الاهتزازات بلغت جزء من مليون، إلا أنها كافية لإنتاج تغيرات في الكثافة، وبالتالي تحديد مكان التكتل الأنسب للمادة جراء الجاذبية. 

اُكتشفت هذه التغيرات الصغيرة للمرة الأولى من قبل القمر الصناعي مستكشف الخلفية الكونية التابع لناسا (COBE) في العام 1992، ومن ثمَّ دُرست بتفصيل أكبر من قبل مجس التباين الميكروي ويلكينسون (WMAP). 


وعلى الرغم من كون المادة الموجودة في الكون متكتلة، إلا أن أحد أهم المراقبات في علم الكون تقول أنَّ توزع تكتلاتها متساوٍ –متناظر ومتجانس عند استخدام التعابير العلمية –داخل الكون، أو عند سلالم القياس الكبيرة. 


يُعرف هذا الأمر بالمبدأ الكوني (cosmological principle): فبصرف النظر عن مكان وجود الراصد في الفضاء، ستظهر خواص الكون هي نفسها طالما أننا ننظر إلى الكون عند سلم قياس كبير كفايةً. ووفقاً لهذا المبدأ، يجب أن تكون درجة الحرارة الوسطية وتوزع المجرات في أحد جوانب الكون هي نفسها في الجانب المعاكس على الرغم من تحرك الجزأين بعيداً عن بعضهما البعض منذ بداية الزمن.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات