فريقٌ من وكالةِ ناسا يضعُ خططاً لرصدِ عوالم جديدة

 

ربما نحتاج إلى عقود طويلة قبل أن يطور فيزيائي فلكي ما سفينة فضائية، انطلاقاً من الفكرة وصولاً إلى منصّة الإطلاق.

 

على سبيل المثال، تم اقتراح تلسكوب هابل الأيقوني – الذي يُمكن القول بأنه أعظم التلسكوبات في التاريخ وهو الأكثر قوةً – في أربعينيات القرن الماضي. بدأ تطويره في سبعينيات القرن الماضي وأقلع في العام 1990. بشكلٍ مشابه، سيُقلع تلسكوب جيمس ويب الفضائي في العام 2018، أي بعد الشروع بالعمل بحوالي 23 سنة. وإذا تمت الموافقة على تطويره، يُمكن أن تُقلع مهمة الأجهزة التلسكوبية للفيزياء الفلكية - التلسكوب الفضائي واسع الحقل والعامل بالأشعة تحت الحمراء الموجودة حالياً في طور الدّراسة، والمعروف اختصاراً بـ WFIRST-AFTA، في أواسط عشرينيات هذا القرن. تم اقتراح النُّسخ الأولى من هذه المهمة خلال العقد الأول من هذا القرن.

 

يقوم فريق يقوده عدد من العلماء والمهندسين من مركز غودارد- ناسا لرحلات الفضاء في غرينبلد بميريلاند بدراسة المتطلبات العلمية والتقنية والتكاليف المترافقة مع عملية بناء تلسكوب جيمس ويب الفضائي، خليفة هابل في الفضاء. تعتمد المهمة التي أُعطيت اسم تلسكوب الفضاء المتطور وواسع الفتحة، أو المعروف اختصاراً بـ ATLAST، على التقنيات الرئيسية التي طُوّرت من أجل الاستخدام في تلسكوبي ويب وهابل.

 

يقول Mark Clampin، عالم دراسة في مشروع ATLAST وفي مشروع ويب: "من النّاحية النّظرية، يُنفذ ATLAST التّطورات التّقنية التي تمّ صنعها من أجل تلسكوب ويب، مثل تقنية نشر صفيفة المرايا المجزأة والكبيرة".

 

يتضمن فريق الدّراسة أيضاً خبراء مشهورين عالمياً في مجال العلوم والتكنولوجيا، انطلاقاً من معهد علوم تلسكوبات الفضاء في بالتيمور بميريلاند، مختبر الدّفع النفاث في باسادينا بكاليفورينا ومركز مارشال لرحلات الفضاء في هانتسفيل بآلاباما.

 

قامت ناسا بتحديد نوع مهمة ATLAST ضمن رؤيتها الخاصة بالفيزياء الفلكية للعقود الثلاث القادمة "أبحاث دائمة، رؤى جريئة". يقول Harley Thronson، هارلي ثرنسون، كبير علماء غودارد في مجال المفاهيم المتطورة في الفيزياء الفلكية وعالم دراسة في ATLAST: ‘‘في الوقت الذي يعتقد فيه الناس أن هابل و ويب سيعملان للكثير من السّنوات، نبحث في متطلبات التلسكوبات والأجهزة اللازمة من أجل الإجابة على الأسئلة الموجودة في رؤية ناسا للأعوام الثلاثين القادمة‘‘.

 

في النهاية، ستقوم عمليات البحث بإرشاد دراسات التصميم، التحقيقات العلمية والخطط التكنولوجية التي يُمكن أن تستخدمها لجنة الأبحاث الوطنية (NRC) عندما ستقوم بتطوير المسح العقدي الخاص بالفيزياء الفلكية في العام 2020. يقوم هذا المسح بتحديد مساحات الأبحاث ذات الأولوية الأكبر، المراقبات والمهمات التي تتمتع بأولوية كبيرة من أجل تنفيذها خلال العقد. تستفيد عمليات المسح هذه من المدخلات المهمة القادمة من المجتمع الفلكي وتُمثّل الإجماع في الرأي على الأولويات التي يجب أن تأخذها ناسا بعين الاعتبار.

 

ــ أهداف علمية مختلفة :

غالباً ما يُشار إلى تلسكوب ويب بالوريث العلمي لتلسكوب هابل، على الرغم من أنَّ المهمَّة العلمية مختلفة. سُيبحر هذا المرصد البارد، المؤلف من مرآة رئيسية مجزّأة ولها عرض يبلغ 21 قدم (6.5 متر)، في الكون انطلاقاً من قاعدة مداريّة موجودة على بعد حوالي مليون ميل (1.5 مليون كيلومتر) عن الأرض. سيقوم التلسكوب بدراسة ولادة وتطوُّر المجرّات وتشكُّل النجوم والكواكب.

 

تعمل الأجهزة العلمية الأربعة الموجودة على متنه في مجال يمتد من الأطوال الموجية المرئيّة الطويلة وصولاً إلى نطاقات الأطوال الموجيّة تحت الحمراء المتوسطة، وهو مجال مثالي من أجل دراسة الأجسام البعيدة جداً في الكون، بالإضافة إلى ذلك سيُبحر التلسكوب عبر المناطق الغبارية الموجودة في مجرتنا حيث يتم حجب الضوء المرئي.

 

ستقوم WFIRST-AFTA، كما يتم تصوّرها اليوم، بحمل مرآة بعرض 8 قدم (2.4 متر)، وستُجهز المهمة بمصوّر ومطياف لا شقِّي من أجل دراسة الطاقة المظلمة ــ شكل غامض من أشكال الطاقة يتغلغل في كل الفضاء ويتسبب بتسارع التوسُّع الكوني ــ  ستحمل المهمَّة أيضاً كوروناغراف، ما سيسمح للتلسكوب بالقيام بتصوير الكواكب الخارجية العملاقة والأقراص الحطامية الموجودة في الأنظمة الشمسية الأخرى.

 

ستمكن المرآة الرئيسية الكبيرة الموجودة في ATLAST من إجراء عمليات بحث علمي أخرى. بالإضافة إلى دراسة التشكّل النجميّ والمجرّي بشكلٍ تفصيلي، سيكون ATLAST قادراً على الفصل بين النجوم الموجودة في المجرّات والتي تبعد عنا أكثر من 10 مليون سنة ضوئية بالإضافة إلى مناطق التشكّل النجميّ التي تتمتع بحجم أكبر من 100 parsecs في أي مكان في الكون.

 

ــ تلسكوبات بأهداف عامة وخدمية :

من أجل القيام بتلك الأبحاث العلمية، سيقوم ATLAST، الذي تم تصوره على أنه مرصد فضائي سيعمل لمدة طويلة مثل هابل، بدراسة الأجسام السماوية بالاعتماد على نطاقات الأطوال الموجية القريبة من التحت حمراء ، المرئية وفوق البنفسجية.

 

تقول Julie Crooke،جولي كروك، أحد رائدي الدراسة في غودارد: "أحد السِّمات الأساسية لمهمة ATLAST هي أنّه تم تصميمها من أجل أن يكون التلسكوب نافعاً وخدمياً مقتدياً بنموذج تلسكوب هابل الفضائي".

 

سيصمم مُخطِطي المهمة المرصد بحيث يُمكن أن تتم صيانته وتحديث تجهيزاته – وهي قدرة فريدة وتعتمد على الميزانية المتاحة والمتطلبات العلمية. تقول Crooke: "تمكُّنُنا من خدمة هذه المهمَّة، هو قدرةٌ فريدةٌ موجودةٌ في الهندسة التي تميز تلسكوب هابل عن تلسكوبات الفضاء الأخرى".

 

من أجل تحقيق هذه الأهداف الطموحة، يحتاج المرصد إلى أن يكون مستقراً ميكانيكياً وحرارياً بشكلٍ كبير، الأمر الذي يُمكن إنجازهُ عن طريق تشغيله عند المدار الشمسي-الأرضي L2 ، نفس المدار الذي تم اختياره من أجل تلسكوب ويب، ويجب أن يكون التلسكوب مجهزاً بكوروناغراف أو/و ساتر نجمي من أجل حجب الضوء القادم من النجم الأم الذي سيقوم في الأحوال الأخرى بالهيمنة على الضوء الخافت والصادر عن الكواكب المشابهة للأرض.

 

لكن الأمر الأكثر أهمية في هذه المهمة هو حملها لمرآة أساسية كبيرة جداً –أكبر من مرآة ويب حتى، الأمر الذي سيجعل من مرآة ATLAST أكبر المرايا المجزأة التي تم إطلاقها من قبل ناسا.

 

على أية حال في الوقت الراهن، يقوم الفريق بدراسة جدوى تركيب مرآة مجزأة بعرض 33 قدم (10 أمتار) ومصنوعة من الزجاج أو الألياف الكربونية، الأمر الذي سيُعطي التلسكوب سطحاً جامعاً للضوء وبحجمٍ أكبر، لكن في الوقت نفسه يبقى هذا السطح مناسب جداً من أجل مركبة الإطلاق. حالياً، يُحلل الفريق أداء مركبة الإقلاع الثقيلة Delta-IV لأنها تُقدم القدرة الأكبر والمتوفرة لحمل الكتل الكبيرة.

 

يُضيف Carl Stahle، كارل ستال ، مهندس من غودارد يقود الفريق الذي يُقيِّم التقنيات اللازمة من أجل سحب مهمة ATLAST: " يُعطي هذا الأمر للتلسكوب قدرة على جمع الضوء أكثر ب 17 مرة من تلك القدرة المتوفرة لدى تلسكوب هابل الفضائي".

 

بالإضافة إلى بناء أكبر المرايا الرئيسية المجزأة، التي سيتم توضيبها عند الإقلاع وبعد ذلك نشرها في الفضاء كما هي الحال مع تلسكوب ويب، على مُخطّطي المهمة أن يُطوروا من التقنيات الموجودة من أجل محاذاة أجزاء المرآة والتأكد من استقرارها. ووفقاً لـ Stahle، تكمن إحدى أكبر التحديات المتعلقة بتصوير الكواكب الخارجية والحصول على أطيافها في بناء مرصد مستقر جداً. تتطلب مهمة ATLAST أن يكون الخطأ الموجود في جبهة الموجة مستقراً عند 10 بيكومتر خلال فترة تمتد على 10 دقائق وهو عامل أفضل بحوالي 1000 من متطلبات الاستقرار اللازمة من أجل تلسكوب ويب.

 

ــ الاستفادة من التكنولوجيا :

يقول Clampin: " سنستفيد من الإرث الكبير الذي تركه ورائه تلسكوب ويب وبعدها نقوم بتطوير تكنولوجيات جديدة خلال السنوات القليلة القادمة وذلك من أجل استخدامها مع المرآة الأساسية، وفي التّحكم بجبهة الموجه، بالإضافة إلى الحصول على هياكل فائقة الاستقرار من أجل إنجاز هذا الاستقرار في الخطأ الحاصل في جبهة الموجه".

 

يضيف Stahle أيضاً أن ناسا تبحث وبشكلٍ مكثف في مجالات الكواشف القريبة من تحت الأحمر وأغطية المرايا. يجب أن يكرس علماء التكنولوجيا المزيد من المصادر من أجل تحسين الحساسية في كواشف الأشعة فوق البنفسجية وانعكاسية الأشعة فوق البنفسجة بالنسبة لأغطية المرايا، الأمر الذي يجب توسيعه أيضاً باتجاه كل من المجالين المرئي والقريب من تحت الأحمر.

 

اقترح المسح العقدي للفيزياء الفلكية الذي تم في العام 2010 أنه على ناسا الاستثمار في مجال تكنولوجيا الأشعة فوق البنفسجية من أجل المهمات المستقبلية الكبيرة. ووفقاً لـ Clampin، في الحقيقة، يُجري مكتب الأصول الكونية في ناسا هذه الاستثمارات. يُضيف Clampin: " مع هذا الجهد المتواصل، ستكون مهمة ATLAST أكثر فعالية بكثير من ناحية الأجهزة العاملة في المجال فوق البنفسجي، مما هي عليه الحال في المراصد السابقة، ما يُعطي لهذه المهمَّة قدرة تحصيل مشهد عالي الدقة للكون عند المجالين المرئي وفوق البنفسجي" .

 

يُضيف Thronson: "سيُنجز ATLAST أهدافاً علمية مهمة جداً وغير ممكنة باستخدام المراصد الأرضية أو أي من المهمات الفضائية التي تم التخطيط لها سابقاً. الآن، جاء زمن التخطيط للمستقبل".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات