القوانين الأساسية التي تحكم كل تنظيمات الطاقة في أي نظام فيزيائي هي قوانين مشتقة من قانونين مشهورين في الديناميكا الحرارية (Thermodynamics).يخضع ثاني هذين القانونين، وهو مبدأ كارنو (Carnot's principle) لمفهوم الإنتروبيا (Entropy).
تبوأ مفهوم الإنتروبيا مكانة رفيعة ليس في علم الفيزياء فقط وإنما في العلوم الإنسانية أيضاً، ولكن المؤسف في الأمر أن الفيزيائيين، والمهندسين، وعلماء الاجتماع يستخدمون العديد من المصطلحات بشكل مشوش، ظانين أنها مرادفة للإنتروبيا، مثل: الفوضى (Disorder)، والاحتمال (Probability)، والضجيج (Noise)، والمزج العشوائي (Random mixture)، والحرارة (heat)، أو أنهم يستخدمون مصطلحات يعتبرونها مرادفة لمضاد الإنتروبيا (anti-entropy) كالمعلومات (Information)، والإنتروبيا السلبية (Neguentropy)، والتعقيد (Complexity)، والتنظيم (Organization)، والترتيب (Order) واللااحتمال (Improbability).
لشرح مفهوم الإنتروبيا بشكل دقيق هناك على الأقل ثلاث طرق وهي:
• شرحه استناداً إلى مجال الديناميكا الحرارية (علم الحرارة)، حيث تكون أسماء ماير (Mayer)، وجول (Joule)، وكارنو (Carnot) و كلوسيوس(Clausius) (1865) أسماء ذات معنى.
• شرحه استناداً إلى النظرية الإحصائية (statistical theory)، والتي تتبنى مساواة الإنتروبيا واللا-نظام (الفوضى) متمثلة في إسهامات علماء مثل: ماكسويل (Maxwell)، وجيبس (Gibbs) وبولتزمان (Boltzmann) (1875).
• شرحه استناداً إلى نظرية المعلومات (information theory) التي تظهر مساواة بين الإنتروبيا العكسية (neguentropy) والمعلومات (information) متمثلة في إسهامات علماء مثل: زيلارد (Szilard)، وجابور (Gabor)،وروتشتاين(Rothstein)،وبرويون(1940 - 1950)(Brillouin).
ينطبق القانونان الأساسيان للديناميكا الحرارية على الأنظمة المغلقة فقط، أي الأنظمة التي يحصل فيها تبادل للطاقة، والمعلومات، والمواد. يمكن اعتبار الكون في مجموعهِ كنظام مغلق من هذا النوع، وهذا يسمح لنا بتطبيق القانونين على هذا النظام.
ينص القانون الأول للديناميكا الحرارية على أن "الكمية" الكلية للطاقة تظل ثابتة ولا تتغير، وهو ما يعرف بـ"مبدأ حفظ الطاقة". أما القانون الثاني للديناميكا الحرارية فينص على أن "جودة" الطاقة تتدرك (تنزل لمستوىً أدنى) بشكل لاعكوس، وهذا هو "مبدأُ تَدَرُّكِ الطاقة".
يضع القانون الأول الأسس للمساواة بين الأشكال المختلفة للطاقة (طاقة الإشعاع، والطاقة الكيميائية، والفيزيائية، والكهربائية، والحرارية)، والأسس لإمكانية التحول من شكل إلى آخر، وكذلك الأسس التي تحكم هذه التحولات. يعتبر المبدأ الأول أن الحرارة والطاقة قيمتان مختلفتان لنفس الطبيعة الفيزيائية.
في عام 1850 م تقريباً، كشفت الدراسات التي قام بها اللورد كيلفن Lord Kelvin، وكارنو Carnot، وكلوسيوس Clausius في عمليات تحويل الطاقة في الآلات الحرارية أن هناك تسلسلًا ما بين هذه الأشكال المختلفة من الطاقة، وأن هناك عدم اتزان موجودٍ خلال عمليات تحولاتها، وقد كان هذا التسلسل بالإضافة إلى عدم التوازن العاملان الأساسين اللَّذَان اعتمد عليهما في صياغة القانون الثاني.
في الواقع فإن أشكال الطاقة الفيزيائية، والكيميائية والكهربائية يمكن تحويلها بشكل كامل لطاقة حرارية. لكن لا يمكن الوصول إلى العكس (تحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة فيزيائية على سبيل المثال) بشكل كامل بدون مساعدة خارجية، أو لنقل بدون فقدان محتوم للطاقة على شكل حرارة لا يمكن استردادها. هذا لا يعني أن الطاقة قد أُتلِفت، ولكنه يعني أن هذه الطاقة صارت غير متاحة لإنتاج شغل. هذا الازدياد في كمية الطاقة التي لا يمكن التخلص منها، والموجودة في الكون، يمكن قياسها باستخدام البعد المجرد، والذي أطلق عليه كلوسيوس اسم الإنتروبيا (وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية (entrope) وتعني "التغير").
الإنتروبيا مفهوم مُجرّد لذا يصعب توصيفه، لكن مع ذلك فقد تعامل العلماء معه في ذلك الحين بشكل حدسي، فهم فقط بحاجة إلى أن يشيروا بشكل عقلي إلى الحالات الموجودة بشكل فعلي، كالفوضى، والتبدد، والفقد في الطاقة أو المعلومات. ولكن كيف يمكن تمثيل الطاقة المُدَرَّكة، أو التسلسلات الناتجة عنها، أو عمليات التَّدَرُّك نفسها بشكل حقيقي؟
قد يبدو هنالك للوهلة الأولى تناقضٌ بين القانونين الأول والثاني للديناميكا الحرارية. فالقانون الأول ينص على أن الطاقة و الحرارة هما بُعدان لهما نفس الطبيعة الفيزيائية، أما القانون الثاني فيفيد بعكس ذلك، وذلك ﻷن الطاقة الكامنة تتدرك بشكل لا يمكن عكسه إلى شكل من أشكال الطاقة، أقل مستوًى، وأقل نبلًا، وذي جودة أدنى، وهي الحرارة. تقدم نظرية الإحصاء إجابة وافية لحل هذا التناقض، فالحرارة عبارة عن طاقة (تحديداً عبارة عن طاقة حركية (Kinetic Energy )). والطاقة الحركية تنتج بسبب حركة الجزيئات في المادة الغازية، أو بسبب اهتزاز الذرات في المادة الصلبة. عندما تكون هذه الطاقة على شكل حرارة، فإن هذه الطاقة تُقلّل لتصير في حالة من الحد الأعلى من الفوضى، بحيث تكون كل حركة محيدة بقوانين الإحصاء.
أما الطاقة الكامنة (Potential energy) فتعتبر طاقة مُنَظَّمة في مقابل الحرارة التي تعتبر طاقة غير مُنَظّمة. لذا فإن الحركة الكلية للجزئيات (في غاز مثلًا) ستنتج شغلًا (دفع المكبس (Drive a piston) مثلًا). ولكن إذا كانت الحركة غير فعالة في نقطة معينة، وتتجه في كل الاتجاهات بنفس الوقت، ستكون الطاقة موجودة، ولكنها غير فعالة. قد يقول قائل أن مجموع كل الكميات من الحرارة التي فُقدت خلال كل العمليات التي حدثت في العالم تعتبر قياسًا للإنتروبيا.
قد يقوم شخص ما بالتعميم بشكل أكثر، فبفضل العلاقة الرياضية بين "الفوضى" و"الاحتمالية"، من الممكن الحديث عن التطور باتجاه زيادة الإنتروبيا عن طريق استخدام واحدة من الجملتين التاليتين: "إذا تُرك نظام معزول ما لوحده فإنه يتجه إلى الوجود في حالة الفوضى القصوى"، أو "إذا تُرك نظام معزول ما لوحده فإنه يتجه إلى الوجود في حالة الاحتمالية الأكبر". يمكن تلخيص التعبيرين المتكافئين السابقين بالتالي:
الطاقة الكامنة-<إنتروبيا
الطاقة المنظمة< - طاقة غير منظمة (حرارة)
الطاقة عالية الجودة<-حرارة (طاقة من مستوىً متدنٍ)
الترتيب<-العشوائية
اللا احتمالية<- الاحتمالية
أثّر كل من مفهوم الإنتروبيا ومفهوم تعذر الانعكاس (irreversibility) المشتقين من القانون الثاني بشكل كبير على فهمنا للكون. يفتح مفهوم الإنتروبيا الطريق أمام فلسفة التقدم والتطور، وذلك في كسره للحلقة المفرغة التي وقع في شباكها الأقدمون، وكذلك في أنها يواجهها التطور الحيوي الذي ينشئ النظام والترتيب. و من ناحية أخرى يمكن للإنتروبيا أن تسهم في تخفيف حدة الخلاف بين "الاتجاهين الجارفين الرئيسيين في العالم" (الدين و العلم) كما ورد في أعمال برغسون Bergson و تيلار دي شاردان .[1] Teilhard de Chardin
من النتائج المثيرة للقانون الثاني للديناميكا الحرارية أيضًا، فكرة الموت الحراري المحتوم للكون وهي فكرة تأثرت بالفلسفة، وبالأخلاق، وبفهمنا للكون، وحتى بفنوننا. هناك فكرة قائلة بأن طبيعة الإنتروبيا ذاتها هي السبب في أن النهاية هي المستقبل الوحيد الممكن للإنسان، هذه الفكرة تفشت في ثقافتنا كما يتفشى الشلل. قادت هذه الفكرة العالم الفيزيائي ليون برويون Leon Brillouin للتساؤل: "كيف السبيل لفهم الحياة إذا كان الكون خاضعًا لقانون كالقانون الثاني للديناميكا الحرارية، قانون يُحتم الموت و الفناء؟"
الملاحظات:
[1] عنوان كتاب برغسون وتيلار دي شاردان هو: لاهوت العلوم - من العلم إلى الأخلاق إلى السياسة الأخلاقية (A Theology of Science: From Science to Ethics to an Ethical Politics)