ما الذي يحدث عند اصطدام المجرات؟

تبين هذه الصورة إحدى مراحل الاندماج المتوقع بين مجرتنا درب التبانة والمجرة المجاورة أندروميدا، وهذا ما ستكشفه بضعة مليارات من السنوات القادمة. في هذه الصورة التي تمثل سماء ليل الأرض في الـ 3,75 مليار سنة القادمة، تملأ أندروميدا (على اليسار) مرمى النظر وتبدأ بتشويه درب التبانة عن طريق الجذب المدي. 

المصدر: NASA; ESA; Z. Levay and R. van der Marel, STScI; T. Hallas; and A. Mellinger


لا نريد إخافتكم، لكن مجرتنا درب التبانة (Milky Way) في طريقها للاصطدام بمجرة أندروميدا (Andromeda) وهي أقرب مجرة حلزونية إلى مجرتنا. وفي مرحلة ما خلال عدة مليارات من السنوات المقبلة ستتحد مجرتنا مع مجرة أندروميدا -وهما أيضاً أكبر مجرتين في المجموعة المحلية (Local Group)- ما سيسفر عن عواقب وخيمة. 

ستُقذف نجوم خارج المجرة وستنهار نجوم أخرى نتيجة ارتطامها داخل الثقوب السوداء المندمجة فائقة الكتلة (merging supermassive black holes)، وسيتقوض البنيان الحلزوني الهشّ لكلتي المجرتين، حيث تغدوان مجرة واحدة عملاقة إهليلجية. ولكن بقدر ما يبدو هذا كارثياً، فإنّ هذا النوع من العمليات هو في الواقع جزء طبيعي من تطوّر المجرات. 

ويعرف العلماء بشأن هذا الاصطدام الوشيك منذ وقت قريب معتمدين على اتجاه وسرعة كلّ من مجرتنا وأندروميدا، ولكنّ الأهم أنهم يرون أنّ عمليات اصطدام المجرات تحدث بناءً على أساس منتظم عندما ينظرون في داخل الكون.

المجرات الهوائية (Antennae galaxies)، وهي زوج من المجرات المتشابكة تقع على مسافة ما بين 45 و65 مليون سنة ضوئية من الأرض.   المصدر: Hubble / ESA
المجرات الهوائية (Antennae galaxies)، وهي زوج من المجرات المتشابكة تقع على مسافة ما بين 45 و65 مليون سنة ضوئية من الأرض. المصدر: Hubble / ESA


الاصطدامات الثقالية


تتماسك المجرات مع بعضها بفعل الجاذبية المشتركة وتدور حول مركز مشترك، ومن الشائع جداً حدوث تداخلات بين المجرات خاصة بين المجرات العملاقة وتلك التابعة لها. وينجم هذا غالباً عن انزياح المجرات لتقترب كثيراً من بعضها فتصل إلى مرحلة تقوم فيها جاذبية المجرة التابعة بجذب إحدى الأذرع الحلزونية الأساسية للمجرة العملاقة.


وفي حالات أخرى قد يتسبب مرور المجرة التابعة بتقاطعها مع المجرة العملاقة، فتؤدي الاصطدامات إلى حدوث اندماجات على افتراض أنّ أياً من المجرتين لا تملك قوة دفع كافية لتستمرّ بالتقدم بعد حدوث الاصطدام. وإن كانت إحدى المجرتين المصطدمتين أكبر بكثير من الأخرى، فتبقى سليمة للغاية وتحافظ على شكلها فيما تنهار المجرة الأصغر لتغدو جزءاً من المجرة العملاقة. 



 

إنّ هذه الاصطدامات شائعة نسبياً ويُعتقد أنّ أندروميدا اصطدمت بمجرة واحدة أخرى على الأقل في الماضي، وحالياً تصطدم بعض المجرات القزمة كمجرة الرامي الإهليجية القزمة (Sagittarius Dwarf Spheroidal) بمجرة درب التبانة وتندمج معها. ورغم ذلك فإن كلمة "اصطدام" هي تسمية مغلوطة نوعاً ما لأنّ توزع المادة الدقيق للغاية ضمن المجرات يعني أن الاصطدامات الفعلية بين النجوم أو الكواكب مستبعدة إلى حد كبير.

صورة حصل عليها تليسكوب هابل الفضائي وتليسكوب كيك2 تظهر اصطداماً حدث منذ مليارات السنين.   المصدر: ESO/NASA/ESA/W. M. Keck Observatory
صورة حصل عليها تليسكوب هابل الفضائي وتليسكوب كيك2 تظهر اصطداماً حدث منذ مليارات السنين. المصدر: ESO/NASA/ESA/W. M. Keck Observatory


اصطدام أندروميدا ودرب التبانة


في عام 1929 كشف إدوين هابل Edwin Hubble عن دليل رصدي يظهر أن المجرات البعيدة تتحرّك مبتعدة عن درب التبانة، وقاده ذلك لابتكار قانون هابل (Hubble's Law) الذي ينص على إمكانية تحديد بعد وسرعة المجرة بقياس الانزياح نحو الأحمر الخاص بها، وهو ظاهرة ينزاح فيها ضوء جسم ما باتجاه النهاية الحمراء للطيف عند تحركه بعيداً.

 

لكن القياسات الطيفية التي أجريت على الضوء المنبعث من أندروميدا بيّنت أن ضوءها ينزاح باتجاه النهاية الزرقاء للطيف (وهو ما يعرف بالانزياح نحو الأزرق)، وهذا يدلّ على أن أندروميدا تتحرك باتجاهنا بعكس معظم المجرات التي تمّ رصدها منذ بدايات القرن العشرين.

وفي عام 2012 أكد الباحثون احتمال حدوث اصطدام بين مجرتي درب التبانة وأندروميدا بناءً على بيانات هابل التي كانت تتعقّب تحرّكات أندروميدا بين عامي 2002 و2010، واستناداً إلى قياسات انزياحها نحو الأزرق يقدّر أن أندروميدا تقترب باتجاه مجرتنا بسرعة تصل إلى نحو 110 كم/ث أي ما يعادل 68 ميلاً في الثانية.

ومن المحتمل وفقاً لهذه السرعة أن تصطدم بدرب التبانة بعد نحو أربعة مليارات سنة، وتقترح هذه الدراسات أيضاً أن مجرة M33 (مجرة المثلث) -وهي ثالث أكبر مجرة في المجموعة المحلية وأكثرها سطوعاً- ستشارك أيضاً في هذا الحدث. وفي كل الاحتمالات سينتهي بها المطاف بالدوران حول درب التبانة وأندروميدا، ومن ثمّ ستصطدم بما بقي من الاندماج في تاريخٍ لاحق. 

صور من هابل في عامي 2004 و2005 تظهر أربعة أمثلة عن المجرات المتداخلة (في مراحل مختلفة من العملية) بعيداً عن الأرض.
صور من هابل في عامي 2004 و2005 تظهر أربعة أمثلة عن المجرات المتداخلة (في مراحل مختلفة من العملية) بعيداً عن الأرض.


العواقب


عند اصطدام المجرات تقوم المجرات الكبيرة بالاستحواذ على المجرات الأصغر بشكل كامل، حيث تمزّقها وتضمّ نجومها إليها. لكن عندما تكون المجرات متماثلة في الحجم -كدرب التبانة وأندروميدا- يدمّر الارتطام القريب البنيان الحلزوني كلياً، وتغدو مجموعتا النجوم في النهاية عبارة عن مجرة إهليلجية عملاقة ليس لها بنية حلزونية واضحة. 



 

ويمكن لهذه التداخلات أيضاً أن تفضي إلى تشكّل عدد صغير من النجوم، ويتسبب اصطدام المجرات بتجمّع وانضغاط سحب هائلة من غاز الهيدروجين، ما يولد سلسلة من الانهيارات بفعل الثقالة. كذلك يجعل اصطدام المجرات المجرة تبلغ مراحل متقدمة من حياتها قبل الأوان نظراً لأن معظم الغاز الموجود فيها يتحول إلى النجوم.

بعد هذه الفترة من استفحال تشكل النجوم ينفد الوقود من المجرات فتنفجر النجوم الأقلّ عمراً والأشدّ حرارة على شكل مستعرات عظمى (supernovae)، وكلّ ما يتبقى هو النجوم الحمراء الأكبر عمراً والأقل حرارة حيث تعيش حياةً أطول. وهذا هو سبب امتلاك المجرات الإهليلجية العملاقة التي هي نتاج اصطدام المجرات للكثير من النجوم الحمراء القديمة والقليل من النجوم المتشكلة النشطة. 

ورغم احتواء مجرة أندروميدا على نحو ترليون نجم واحتواء مجرة درب التبانة على نحو 300 مليار نجم فإن فرصة اصطدام نجمين ضئيلة للغاية بسبب المسافات الشاسعة التي تفصلهما، لكن كلتي المجرتين تحويان ثقوباً سوداء مركزية فائقة الكتلة ستتجمع قرب مركز المجرة المتشكلة حديثاً.

اصطدام مجرتين في كوكبة الغراب.   المصدر: B. Whitmore (STScI), F. Schweizer (DTM)
اصطدام مجرتين في كوكبة الغراب. المصدر: B. Whitmore (STScI), F. Schweizer (DTM)


اندماج الثقوب السوداء هذا سيتسبب في نقل الطاقة المدارية إلى النجوم التي ستتحرك نحو مدارت أعلى في غضون ملايين السنين، وعندما يصبح ثقبان أسودان على بعد سنة ضوئية من بعضهما يصدران أمواجاً ثقالية تشعّ مزيداً من الطاقة المدارية إلى أن يندمجا بشكل كامل. وقد يخلق الغاز الذي استحوذ عليه الثقب الأسود المندمج كوازاراً مضيئاً أو نواة نشطة تتشكل في مركز المجرة. وأخيراً قد تؤدي آثار اندماج الثقوب السواء إلى قذف النجوم خارج المجرة الأكبر، ما ينجم عنه نجوم شريدة مفرطة السرعة قد تحمل حتى كواكبها معها. 

اليوم أصبح بالإمكان إدراك أن اصطدامات المجرات هي قضية شائعة في كوننا. ويقوم علم الفلك الآن بشكل متكرر بمحاكاتها على الحواسيب، إذ يحاكي بشكل واقعي الفيزياء المتعلقة بها والتي تتضمن القوى الثقالية وظواهر تبديد الغاز وتشكل النجوم والتغذية الراجعة. 
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernovae): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات