كيف سيغدو كوكبنا دون القمر؟ حسناً، يمكن أن تشهد الأرض ارتفاعاً في درجات الحرارة ورياحاً عنيفة، كما يمكن أن تغمر المياه مساحات واسعة من الأراضي الطبيعية.
يختلف اسم القمر وحتى جنسه من لغة لأخرى ولكن الأمر الثابت بخصوصه هو أنه عنصر رئيسي في الصورة التي نرسمها عن كوكبنا الأرض. فهل تستطيع على سبيل المثال أن تتخيل حال كوكب الأرض دون وجود القمر، أي دون وجود ذلك الجسم الساطع الذي ينير سماء الليل ويحوم في الأفق ويطل عبر الأشجار في ليل الشتاء البارد؟
بالطبع ستغدو أمسياتنا في تلك الحالة خالية من ضوء القمر وما يحمله من معاني الرومانسية والحب، ومن دونه لن تستطيع البشرية تحقيق خطوتها العظيمة المتمثلة في الهبوط على سطحه. فأهمية القمر للبشرية لا تقف عند أي حد، فربما لولا وجوده لما وجدنا نحن.
والآن دعونا نتخيل سيناريوهيْن: الأول يتمثل في عدم وجود القمر على الإطلاق، بينما الثاني يتمحور حول اختفائه بشكل مفاجئ. ولكن قبل الخوض في هذين الاحتمالين، دعونا نذكر أنفسنا بتأثيرات القمر على الأرض.
الوقت والمد والجزر: تأثير القمر على الأرض
ما هو مصدر القمر؟ يبدو هذا التساؤل منطقياً نظراً لأن كوكب الأرض لم يمتلك قمراً خاصاً به على الدوام. تنص إحدى النظريات العلمية الرائدة في هذا الخصوص على حدوث اصطدام بين الأرض وبين جرم سماوي بحجم كوكب المريخ تقريباً يدعى بـ ثيا (Theia)، وذلك قبل حوالي 4,5 مليار سنة.
اصطدم هذا الجرم مع الأرض بزاوية مائلة، وقد أدى إلى تكون سحابة من الحطام الذي اندمج مع بعضه البعض ليشكل القمر. وبالطبع، كان لهذا الاصطدام نتائجه العميقة على كوكب الأرض.
مارست الأرض والقمر المتشكل حديثاً قوة الجذب الثقالي على بعضهما البعض، وأدى ذلك إلى تباطئ دوران الأرض وإلى زيادة طول اليوم على سطح الأرض من خمس ساعات إلى أربع وعشرين ساعة (Touma & Wisdom, 1998).
وما يزال القمر يتسبب في تباطئ دوران الأرض بمقدار ضئيل 0،002 ثانية في القرن (انظر الشكل 1).

تساهم قوة الجذب الثقالي بين الأرض والقمر في استقرار ميل محور الأرض، ويؤدي الميل الثابت حاليا عند 23,5 درجة بدوره إلى امتلاك للأرض لمناخ متعدد الفصول ومستقر إلى حد ما وقابل للتنبؤ (الشكل 2). ولولا وجود القمر لاستمر محور الأرض بالتمايل.

أحد المعالم المميزة لكوكب الأرض هي وجود المحيطات على سطحه، إذ يغطي الماء المالح ما نسبته حوالي 70% من سطح الأرض، و يرتفع وينخفض تبعاً لدورة المد كل 12,5 ساعة. تساهم كل من الشمس والقمر في حدوث ظاهرة المد والجزر على سطح الأرض، إلا أن تأثير القمر في هذه الظاهرة يفوق تأثير الشمس بضعفين. ويمكن تفسير هذا الأمر بأن قوة الجذب التي يمارسها جرم سماوي على آخر تعتمد على كل من كتلته والمسافة بينهما.

لا ندري ماهي المسافة التي كان القمر يبعدها عن الأرض عند بداية تشكله، ولكننا نعرف أنه كان يبعد مسافة تزيد عن 12 ألف كم، كما نعرف أيضاً أنه كان أقرب مما هو عليه اليوم (حوالي 384400 ألف كم). ويعني هذا الأمر أنه تسبب في البداية بحدوث مد وجزر أكبر مما تشهده الأرض حالياً. ويعتقد العلماء أن ظواهر المد والجزر في تلك الفترة لعبت دوراً هاماً في تشكل المحيطات، وفي مرحلة التطور الأولى للحياة على سطح الأرض، وذلك قبل نحو 3,8 مليار سنة مضت.
وبشكل مثير للاهتمام، يؤثر كل من دوران الأرض وظاهرة المد والجزر على القمر، فهما يعملان معاً على جذب القمر مما يجلعه يدور بشكل أسرع بقليل. وبالتالي كلما ازدادت سرعة دورانه ازداد بعده عن الأرض، وحتى لو كان ذلك بمقدار ضئيل جداً لا يتجاوز 3,82 سم (الشكل 1).
السيناريو الأول: ما الذي كان سيحصل للأرض لو لم تمتلك قمراً؟
ما الذي كان سيحصل للأرض قبل 4,5 مليار سنة لو أن ثيا مر بسلام في طريقه دون أن يصطدم بها ودون أن يتسبب في تشكل القمر؟ حسناً، ربما وجدت الحياة على سطح الأرض بشكل أو بآخر، ولكن من المؤكد عدم وجود البشر على سطحها. وهنا عليك التفكير بكل مراحل التطور الطويلة وما احتوتها من تغييرات صغيرة وتعديلات دقيقة أدخلتها الكائنات على بيئاتها. فكل ما يحتاجه الأمر هو حدوث بعض التغييرات الطفيفة على بيئة الأرض كي يؤدي ذلك إلى تغير حاسم في مسار التطور.

وفي حالة عدم وجود القمر على الإطلاق فإن الأرض ستكون مكاناً مختلفاً للغاية، إذ سيكون طول اليوم الأرضي بين 8 إلى 10 ساعات فقط نظراً لعدم وجود القمر الذي بلعب دوراً رئيسياً في زيادة عدد ساعاته. كما سيؤدي الدوران السريع للأرض إلى هبوب رياح بسرعات كبيرة للغاية تتراوح بين 160 إلى 200 كم. أما محور الأرض فسيكون مائلاً مما يتسبب في حدوث تغيرات جذرية في درجات الحرارة على مدى آلاف وملايين السنين. وعلى الرغم من استمرار حدوث ظاهرة المد والجذر في المحيطات، إلا أنها ستكون ضعيفة جداً نظراً لأن الشمس هي المصدر الوحيد المتسبب بها.
السيناريو الثاني: ماذا لو اختفى القمر فجأة ؟
فلنفترض جدلاً أن القمر قد اختفى فجأة، ما الذي سيحصل في هذه الحالة؟ في الواقع، سنكون نحن وجميع الكائنات الأخرى على الأرض في ورطة حقيقة بكل ما للكلمة من معنى، إذ أننا مررنا بعدة مراحل في مسيرة التطور كي نستطيع العيش في ظل مجموعة محددة من الظروف، ولكننا الآن مضطرون لمواجهة بيئة مختلفة تماماً. تحدث هذه التغيرات على مدى آلاف وملايين السنين، وعلى الرغم من أن هذا النطاق الزمني يبدو طويلاً جداً، إلا أن هذه التغيرات ستحمل في طياتها عواقب وخيمة للغاية.

من دون وجود القمر سيفقد محور الأرض استقراره مما يصعب من إمكانية التنبؤ بدرجات الحرارة. والآن، دعونا نذكر مثالين بخصوص هذا الشأن هما مدينة روما في إيطاليا، ومدينة ستوكهولم في السويد. خلال فصل الصيف، يكون متوسط درجات الحرارة العالية في روما 29 درجة مئوية، أما في فصل الشتاء فيكون متوسط درجات الحرارة العالية 13 درجة مئوية.
أما مدينة ستوكهولم فتبلغ اعلى درجة حرارة في فصل الصيف 20 درجة، أما في فصل الشتاء فتكون 0 درجة مئوية. إذا تغير ميل محور الأرض فإن درجات الحرارة في هاتين المدينتين ستتغير بشكل جذري. حسناً، تخيل لو حدث تبادل في درجات الحرارة بين المدينتين، فإن البنى التحتية (مكيف الهواء أو مركبات جرف الثلج) ببساطة لن تكون في هاتين المدينتين مناسبة لحماية البشر وطعامهم وعملهم. وعليه، سيتوجب على المواطنين الإيطاليين والسويديين أن يتكيفوا مع الظروف الجديدة التي فُرضت عليهم، وإلا سيواجهون خطر الانقراض.
ربما يكون السفر والانتقال أحد الحلول التي سيلجأ إليها الناس والكائنات الحية، ولكن ما الذي سيحصل لبقية الكائنات التي لا تستطيع الانتقال؟ فالشعب المرجانية على سبيل المثال هي نظم بيئية حساسة ومعقدة للغاية، وقد لا تكون قادرة على التكيف بسرعة كافية مع التغيرات الحاصلة في درجات حرارة المياه، وعلى الأرجح ستموت.
علاوة على ذلك، ستخسر الأرض نتيجة حدوث تغيرات في درجات الحرارة مناطقها الباردة: أي القطبين اللذين يحتويان على كميات هائلة من الجليد. ومن شأن انصهار melt كميات الجليد تلك أن تتسبب في ارتفاع منسوب مياه المحيطات مما يتسبب في حدوث تغيرات تشمل السواحل في جميع أرجاء العالم. فعلى سبيل المثال، ستغمر مياه المحيطات بعض البلدان كهولندا.

مع وجود اضطراب في ميل محور الأرض فإن الفصول الموسمية ستختفي مما سيترك عواقب بعيدة المدى. يمكن معرفة هذه العواقب عند التفكير بأن العديد من الكائنات الحية تنمو وتتزاوج وتهاجر في أوقات محددة من السنة. وأيضاً، ستؤثر التغيرات الجذرية في درجات الحرارة على المناخ وعلى موسم النمو للنباتات، الأمر الذي يجعل من عملية إنتاج الغذاء لمليارات البشر أمراً بالغ التعقيد.