يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
القمر منجم المستقبل

منذ أن بدأ إرسال البعثات البشرية إلى القمر والبشر يحلمون باليوم الذي يصبح فيه الاستيطان على سطحه أمراً ممكناً. تخيل فحسب، مستوطنة على سطح القمر، حيث سيشعر الجميع بصورة دائمة بأنهم يزنون فقط 15% من وزنهم هنا على سطح الأرض. ويمضي المستوطنون البشريون وقت فراغهم بكل أنواع الجولات البحثية الهادئة على سطحه مستخدمين مركبات مخصصة لهذا الغرض، عليك الاعتراف بأن ذلك يبدو ممتعاً.


اقتُرحت في الآونة الأخيرة فكرة التنقيب والتعدين على سطح القمر. ويرجع سبب ذلك جزئياً إلى عمليات الفضاء الاستكشافية المتجددة، والجزء الآخر يعود أيضاً إلى زيادة عدد شركات الفضاء الخاصة والصناعة الفضائية الجديدة. وبوجود رحلات مقررة إلى القمر في غضون السنوات والعقود القادمة، سيكون من المنطقي التفكير بالكيفية التي سوف يتم بها التعدين والصناعات الأخرى على سطح القمر.


وضعت وكالة الفضاء الأوربية (ESA) خطتها مؤخراً لبناء قاعدة قمرية بحلول ثلاثينيات هذا القرن، وذلك بالاشتراك مع شركة فوستر وشركائه، والشركة الأخيرة هي جزء من ائتلاف أسسته وكالة الفضاء الأوربية لاستكشاف إمكانيات الطباعة ثلاثية الأبعاد في بناء مساكن قمرية. المصدر: ESA/Foster + Partners 
وضعت وكالة الفضاء الأوربية (ESA) خطتها مؤخراً لبناء قاعدة قمرية بحلول ثلاثينيات هذا القرن، وذلك بالاشتراك مع شركة فوستر وشركائه، والشركة الأخيرة هي جزء من ائتلاف أسسته وكالة الفضاء الأوربية لاستكشاف إمكانيات الطباعة ثلاثية الأبعاد في بناء مساكن قمرية. المصدر: ESA/Foster + Partners 


طرق مقترحة 


طُرحت عدة اقتراحات لتأسيس عمليات التعدين على سطح القمر، وبداية عبر وكالات فضائية كوكالة ناسا، إلا أنه في الآونة الأخيرة تمت الاقتراحات عبر شركات خاصة. ويعود تاريخ العديد من أوائل هذه الاقتراحات إلى الخمسينيات، كنتيجة للسباق الفضائي الذي رأى في بناء مستعمرة قمرية نتيجة منطقية للاستكشاف القمري. 

فعلى سبيل المثال في العام 1954، اقترح الروائي والمخترع البريطاني السير آرثر سي كلارك Arthur C. Clarke إنشاء قاعدة قابلة للنفخ على سطح القمر مغطاة بالغبار القمري كمادة عازلة، وتؤمن الاتصالات بواسطة سارية راديو قابلة للنفخ. وفي عام 1959، اقترح مدير مختبر أبحاث التعدين للمعادن في كلية كولورادو جون إس رينهارت John S. Rinehart استخدام قاعدة أنبوبية تطفو على سطح القمر.

و منذ ذلك الحين، طرحت وكالة ناسا والجيش الأمريكي وسلاح الجو الأمريكي إضافة إلى وكالات فضائية أخرى اقتراحاتٍ لاستحداث مستعمرة قمرية. وفي جميع الحالات، انطوت هذه الاقتراحات على السماح باستخدام موارد القمر من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي للقاعدة أو المستعمرة البشرية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الاقتراحات سبقت برنامج أبولو، وأُهملت بصورة كبيرة بعد استكماله. وماهي إلا عقود قليلة حتى عاد طرح هذه الاقتراحات المفصلة ثانية. 

سيسهل بناء مستعمرة على سطح القمر إذا ما استطاع رواد الفضاء الحصول على مواد محلية لعمليات البناء وكل المقومات الداعمة للحياة بصورة عامة .credit: NASA/Pat ROWLINGS 
سيسهل بناء مستعمرة على سطح القمر إذا ما استطاع رواد الفضاء الحصول على مواد محلية لعمليات البناء وكل المقومات الداعمة للحياة بصورة عامة .credit: NASA/Pat ROWLINGS 


وخلال إدارة بوش (2001-2009) درست وكالة ناسا إمكانية إقامة قاعدة على سطح القمر، وذلك انسجاماً مع رؤيتهم الاستكشافية للفضاء لعام 2004 وتضمنت الخطة بناء قاعدة على سطح القمر بين عامي 2019 و 2024. ومن أهم جوانبها هو تطبيق (in situ resources utilization ISRU)، أي استخدام المصادر المتوفرة في الموقع، لإنتاج الأوكسجين من الطبقات السطحية للتربة المحيطة بالقاعدة. 


إلا أن إدارة الرئيس أوباما ألغت هذه الخطط وأبدلتها بخطة لإرسال بعثة مباشرة إلى المريخ وهي تُعرف بـ(رحلة ناسا إلى المريخ)، رغم ذلك، وفي عام 2014، التقى وفد من ممثلي ناسا خلال ورشة عمل بعالمَي الوراثة في جامعة هارفرد وهما جورج تشورش George Church وبيتر ديامانديس Peter Diamandis من مؤسسة the x prize foundation إضافة إلى خبراء آخرين، لمناقشة خيارات غير مكلفة للعودة إلى القمر. 

 

 

ووصفت الأطروحات الخاصة بورشة العمل، التي نُشرت في عدد خاص من مجلة New Space، إمكانية بناء مستعمرة على سطح القمر بحلول 2020 بكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار أمريكي فقط، ووفقاً لهذه الأطروحات، فإن بناء قاعدة بكلفة منخفضة سيكون أمراً ممكناً ويعود الفضل بذلك إلى التطور الذي يشهده قطاع أعمال البعثات الفضائية، وظهور صناعة NewSpace، والطباعة الثلاثية الأبعاد، والروبوتات ذاتية التحكم، إضافة إلى العديد من التقنيات التي طُورت مؤخراً.

و في شهر كانون الأول/ديسمبر من العام 2015 في ندوة أُقيمت في المركز الأوربي لبحوث الفضاء والتكنولوجيا تحت عنوان "القمر بين عامي 2020 و2030، عصر جديد من الاستكشاف البشري والآلي المنسق Moon 2020-2030 A New Era of Coordinated Human AND Robotic Exploration". عبر فيها المدير العام الجديد لوكالة الفضاء الأوربية ESA جان ورنر Jan Woerner عن رغبة الوكالة في إنشاء قاعدة عالمية على سطح القمر باستخدام عمال آليين والاستعانة بتقنيات الطباعة الرقمية ثلاثية الأبعاد إضافة إلى إمكانية استخدام الموارد في موقع العمل. 

وفي عام 2010، أعلنت ناسا عن انطلاق مسابقة التعدين الآلية Robotic Mining Competition، وهي عبارة عن مسابقة تحفيزية يقوم بها طلاب الجامعات المشاركون بتصميم وبناء روبوتات بإمكانها التجول في بيئة تحاكي بيئة المريخ. وأحد أهم جوانب المسابقة هي صناعة روبوت بإمكانه الاعتماد على تقنية ISRU لتحويل المصادر المحلية الخام إلى مواد قابلة للاستخدام، وقد يكون من الممكن استخدام التطبيقات الناتجة في البعثات المستقبلية إلى القمر. 

و في هذا السياق، نذكر أن هناك خططاً لوكالات فضائية أخرى لبناء قواعد على سطح القمر في العقود القادمة، فقد أقرت وكالة الفضاء الروسية Roscosmos خططاً لبناء مستعمرة قمرية بحلول 2020، وكذلك الأمر بالنسبة لوكالة الفضاء القومية الصينية CNSA، إذ اقترحت بناء مستعمرة كهذه ضمن الإطار الزمني نفسه، ويعود الفضل في ذلك إلى نجاح برنامجها تشانجي chang’e program

تصميم سابق لقاعدة قمرية يعتمد على تصميم وحدة عام 1990. . Credit: NASA/Cicorra Kitmacher
تصميم سابق لقاعدة قمرية يعتمد على تصميم وحدة عام 1990. . Credit: NASA/Cicorra Kitmacher


كما قدمت NewSpace مؤخراً بعض الاقتراحات الهامة. وفي عام 2010، أسست مجموعة من المستثمرين من منطقة وادي السليكون تجمعاً لإنشاء شركة نقل تُسمى Moon Express، وهي شركة خاصة تخطط لتوفير خدمات نقل آلية تجارية إلى القمر إضافة إلى توفير خدمة البيانات، وتهدف على المدى البعيد إلى دخول مجال تعدين القمر. وقد أصبحت في شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 2015، أولى الشركات المنافسة لـ lunar prize x في صناعة مسبار آلي واختباره (المسبار MX-1).

في عام 2010، انطلقت شركة أركيد للملاحة الفضائية Arkyd Astronautics وسميت لاحقاً في عام 2012 بالموارد الكوكبية Planetary Resources، إذ تهدف إلى تطوير التقنيات وتوظيفها في استخراج المعادن على الكويكبات. وللغرض نفسه أيضاً تشكلت عام 2013 شركة صناعات الفضاء العميقة Deep Space Industries. وعلى الرغم من أن اهتمام هذه الشركات تركّز في الغالب على الكويكبات، إلا أن المطالبة ازدادت بأن يكون الأمر نفسه بالنسبة للتعدين على سطح القمر، الذي يوسع قاعدة الموارد البشرية إلى ما بعد الأرض. 

الموارد 


استناداً إلى دراسة الصخور القمرية، التي أحضرتها بعثات أبولو معها إلى الأرض، أصبح العلماء على بينة من غنى سطح القمر بالمعادن. ويعتمد تركيبها الإجمالي على ما إذا كان مصدر هذه المعادن هو البحار القمرية maria (وهي سهول بازلتية كبيرة وقاتمة تشكلت جراء اندفاعات بركانية) أو أن مصدرها هو مرتفعات القمر. 


صخور قمرية أتت بها بعثة أبولو 11. Credit: NASA
صخور قمرية أتت بها بعثة أبولو 11. Credit: NASA


وظهرت آثار كبيرة من المعادن في الصخور المأخوذة من البحار القمرية، فكانت نسبة أكسيد الألمنيوم \(Al^2O^3\)) 14.9%)، ونسبة أوكسيد الكالسيوم (الجير) 11.8%، وأوكسيد الحديد 14.1%، وأوكسيد المغنيزيوم (MgO) 9.2%، وثاني أوكسيد التيتانيوم (\(TiO^2\)) 3.9%، وأوكسيد الصوديوم (\(Na^2O\)) 0.6%. وللصخور المأخوذة من المرتفعات تركيب مماثل إلا أن نسبة أوكسيد الألمنيوم هي 24.0%، ونسبة الجير 15.9%، وثاني أوكسيد الحديد 5.9%، وأوكسيد المغنيزيوم 7.5%، وكانت نسبة كل من ثاني أوكسيد التيتانيوم وأوكسيد الصوديوم 0.6%.


و أظهرت الدراسات نفسها احتواء الصخور القمرية على كميات كبيرة من الأوكسجين، وهي غالباً على شكل معادن متأكسدة. وأُجريت تجارب تظهر الكيفية التي يمكن من خلالها استخلاص هذا الأوكسجين لتزويد رواد الفضاء بهواء صالح للتنفس، ويمكن استخدامه أيضاً لتركيب الماء وحتى لصناعة وقود الصواريخ. 

وللقمر أيضاً تراكيز من معادن أرضية نادرة Rare Earth Metals او اختصاراً REM، وهذه التراكيز ملفتة للانتباه لسببين: فمن جهة، تزداد أهمية معادن الأرض النادرة في الاقتصاد العالمي، وذلك لاستخدامها الكبير في الأجهزة الإلكترونية. ومن ناحية أخرى، تسيطر الصين على نحو 90% من مخزون هذه المعادن النادرة، لذا فإن وصولاً مستقراً إلى مصدر خارجي من هذه المعادن يُعتبر عند البعض كمسألة أمن قومي.

كما يحتوي القمر كمياتٍ لا يستهان بها من الماء متمركزة في تربته السطحية وفي مناطق دائمة الظل في كل من قطبيه الشمالي والجنوبي. سيكون هذا الماء على قدر كبير من الأهمية كمصدر لوقود الصواريخ، بغض النظر عن أهميته كماء للشرب بالنسبة لرواد الفضاء. 


صورة طيفية جمعها راسم خرائط توزع المعادن على سطح القمر (M3) الموجود على متن بعثة شاندريان الهندية التابعة لوكالة ناسا، وتظهر هذه الصورة وجود الماء في المناطق القطبية للقمر. Credit: ISRO/NASA/JPL-Caltech/Brown University/USGS 
صورة طيفية جمعها راسم خرائط توزع المعادن على سطح القمر (M3) الموجود على متن بعثة شاندريان الهندية التابعة لوكالة ناسا، وتظهر هذه الصورة وجود الماء في المناطق القطبية للقمر. Credit: ISRO/NASA/JPL-Caltech/Brown University/USGS 


وبالإضافة الى ذلك فقد كشفت صخور القمر عن احتمال وجود مصادر كبيرة من المياه في باطن القمر. وبناءً على تحليل عينات من التربة القمرية، تراوحت تراكيز الكميات الممتصة من الماء بين 10 الى 1000 جزء في المليون. وفي البداية، اعتُقد بأن التراكيز المائية في الصخور القمرية كانت نتيجة التلوث.


ولكن، ومنذ ذلك الحين، لم تكتفِ البعثات المتعددة إلى القمر بالعثور على عينات مائية فحسب على السطح القمري، ولكنها قدمت دلائل على مصدر هذه المياه. أولى هذه البعثات كانت البعثة الهندية1 Chandrayaan، إذ أرسلت مسباراً إلى سطح القمر في 18 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2008. و تمكن مسبار تشاندرا، مستكشف التراكيب على ارتفاعات مختلفة (CHACE) خلال 25 دقيقة من الهبوط، من العثور على أدلة لوجود ماء في الغلاف الجوي الرقيق للقمر . 

وفي عام 2010، اكتشف مستكشف الترددات الراديوية المصغرة Mini-RF stands for Miniature Radio Frequency الموجود على متن تشاندريان 1 Chandrayaan أكثر من 40 فوهة قاتمة بالقرب من قطب القمر الشمالي والمُفترض احتواؤها على ما يقارب 600 مليون طن متري (661.387 مليون طن أمريكي) من المياه المتجمدة . 

وفي تشرين الثاني/نوفمبر عام 2009، حصل المسبار الفضائي لقمر الاستشعار ورصد الفوهات القمرية التابع لوكالة ناسا Lunar Crater Observation and Sensing Satellite  او اختصاراً (LCROSS) على نتائج مماثلة حول منطقة القطب الجنوبي، وذلك حين نثر المسبار المُرسَل مواداً بدا أنها تحتوي على مياه بلورية. وعام 2012، كشف المسح الذي قام به مستكشف القمر المداريLunar Reconnaissance Orbiter او اختصاراً (LRO) بأن الجليد يؤلف ما يقارب 22% من مواد أرضية فوهة شاكليتون Shakleton crater، وهي فوهة موجودة في منطقة القطب الجنوبي. 

القمر، القطب الشمالي، القطب الجنوبي، تركيز الهيدروجين، منخفض، مرتفع، يشير اكتشاف الهيدروجين في المناطق القمرية القطبية إلى وجود الماء.  Credit: NASA 
القمر، القطب الشمالي، القطب الجنوبي، تركيز الهيدروجين، منخفض، مرتفع، يشير اكتشاف الهيدروجين في المناطق القمرية القطبية إلى وجود الماء.  Credit: NASA 


ووُضعت العديد من النظريات التي تشير إلى أن وجود هذا الماء ناتج عن مجموعة من الآليات. ونذكر منها، قذفه المنتظم بالمذنبات والكويكبات والنيازك الحاملة للماء على مدار حقب جيولوجية، الأمر الذي سبب تراكماً منتظماً لكميات كبيرة منه. وقِيل أيضاً بأنه ناتج محلياً عن اتحاد أيونات هيدروجين الرياح الشمسية مع المعادن الحاملة للأوكسجين. 


ولكن، قد يكون الهيليوم-3 helium-3 هو أعلى السلع الموجودة على سطح القمر قيمة. وتصدر الشمس ذرات الهيليوم-3 بكميات كبيرة، فهو منتج جانبي لتفاعلات الاندماج التي تجري داخلها. وبالرغم من قلة الطلب على غاز الهليوم helium-3 اليوم، يعتقد الفيزيائيون بأنه سيكون بمثابة وقود مثالي للمفاعلات الاندماجية.


تحمل الرياح الشمسية الهليوم helium-3 بعيداً عن الشمس إلى الفضاء ومن ثم إلى خارج النظام الشمسي بالكامل. إلا أن جزيئات الهيليوم-3 بإمكانها الاصطدام بالأجسام التي قد تواجهها في طريقها، كالقمر مثلاً. ومما يجدر الإشارة إليه بأن العلماء لم يتمكنوا من العثور على أي مصادر لهذا الغاز هنا على سطح الأرض، ولكن يبدو أنه متوفر بكميات هائلة على سطح القمر . 

فوائد ذلك 


من وجهة نظر تجارية وعلمية، هناك عدة أسباب تجعل من التعدين على سطح القمر مفيداً للبشرية. ففي بادئ الأمر سيكون ضرورة مطلقة بالنسبة لأي خطط لبناء مستوطنة على القمر، إذ سيكون استخدام مصادر من الموقع.(ISRU) أكثر كفاءة من ناحية التكلفة مقارنة بنقل المواد من سطح الأرض . 

تصور فني لقاعدة على القمر Credit: NASA, via Wikipedia
تصور فني لقاعدة على القمر Credit: NASA, via Wikipedia


ومن المتوقع أن تستدعي جهود استكشاف الفضاء في القرن الواحد والعشرين كميات كبيرة من المواد. وفي حال استُخرجت هذه المواد من القمر، ستنطلق هذه البعثات نحو الفضاء بتكلفة أقل بكثير في حال استخراج هذه المواد على سطح الأرض. وذلك نظراً لانخفاض جاذبية القمر وسرعة الهروب. 

وإضافةً إلى ما ذُكر، على القمر كميات وفيرة من مواد خام تعتمد عليها البشرية. وتشبه كثيراً تلك الموجودة في الأرض، حيث أنها تتكون من صخور السليكا ومعادن تتمايز في طبقات جيوكيميائية مميزة. فهذا التكوين يتألف من نواة داخلية غنية بالحديد، ونواة خارجية مائعة غنية بالحديد أيضاً، وطبقة محيطية منصهرة جزئياً، وغطاء صلب وقشرة. 

وبالإضافة إلى ذلك، كان أمراً مسلماً به لبعض الوقت، بأن قاعدة قمرية، والتي تضم عمليات استثمار للموارد، ستكون بمثابة نعمة بالنسبة لبعثات تنطلق لمسافات أبعد في نظامنا الشمسي. فمثلاً بالنسبة للبعثات المتجهة إلى المريخ في العقود القادمة، أو إلى النظام الشمسي الخارجي أو حتى عطارد أو الزهرة، فإن إمكانية إعادة التزود (وقود، مواد أخرى) من قاعدة قمرية ستخفض تكاليف البعثات الخاصة بشكل كبير. 

التحديات 


بطبيعة الحال، تعترض فكرة إقامة مؤسسات للتعدين على القمر بعضاً من التحديات الجدية. أحدها أن أي قاعدة على القمر ستحتاج إلى الحماية من درجات الحرارة السطحية، التي تتدرج من منخفضة جداً إلى مرتفعة، فتتراوح من -173.15 °C و116.85 °C عند خط الاستواء، ومتوسط درجة الحرارة في المناطق القطبية -123.15 °C.

مخطط يبين تدفق أيونات الهيدروجين التي تحملها الرياح الشمسية من الشمس، Credit: University of Maryland/F. Merlin/McREL
مخطط يبين تدفق أيونات الهيدروجين التي تحملها الرياح الشمسية من الشمس، Credit: University of Maryland/F. Merlin/McREL


وأيضاً هناك مشكلة التعرض الإشعاعي، فنتيجة الغلاف الجوي الرقيق جداً للقمر وافتقاره إلى حقل مغناطيسي، يتعرض سطح القمر لنصف كمية الإشعاع التي تتعرض لها الأجسام في الفضاء بين النجمي. وهذا يعني بأن رواد الفضاء والعمال على سطح القمر سيكونون عرضة لمخاطر التعرض للإشعاعات الكونية، وبروتونات الرياح الشمسية، والإشعاعات الناجمة عن الاندفاعات الشمسية.


كما أن هنالك الغبار القمري، وهو عبارة عن مادة زجاجية كاشطة إلى حد كبير تشكلت خلال مليارات السنين نتيجة الاصطدامات النيزكية الصغيرة على السطح، ونتيجة لغياب عوامل التجوية والتعرية، لا يمكن احتواء غبار القمر فيجعل ذلك منه سبباً في خراب الأجهزة، وله تأثيرات ضارة بالصحة. وأسوأ ما في ذلك، التصاقه بكل ما يمسه، حيث كان مصدر إزعاج كبير لطواقم أبولو. 


قد يبدو انعدام الجاذبية أمراً ملفتاً للانتباه فيما يتعلق بعمليات الإطلاق، إلا أن آثارها الصحية بعيدة المدى على البشر لا تزال مجهولة. وقد أثبتت الدراسات المتكررة بأن التعرض لجاذبية معدومة لفترات تصل إلى شهور يسبب انحلال العضلات وخسارة الكثافة العظمية، ويضعف أداء الأعضاء لوظائفها ويثبط الجهاز المناعي.


و بالإضافة إلى ما سبق، فهنالك العقبات القانونية التي قد تواجه التعدين على سطح القمر. ويعود ذلك إلى "معاهدة المبادئ التي تحكم نشاطات الدول في الاستكشاف واستخدام الفضاء الخارجي، بما في ذلك القمر و الأجرام السماوية الخارجية" التي تعرف باسم معاهدة الفضاء الخارجي The Outer Space Treaty. ووفقاً لهذه المعاهدة، التي يشرف عليها مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي United Nations Office for Outer Space Affairs، لا تملك أي أمة الحق في امتلاك أراضٍ على القمر.

قاعدة قمرية، كما تخيلتها ناسا في سبعينيات القرن الماضي. Image Credit: NASA
قاعدة قمرية، كما تخيلتها ناسا في سبعينيات القرن الماضي. Image Credit: NASA


ورغم التفكير الشديد بثغرة قانونية لا تمنع صراحةً الملكية الخاصة، الا أنه لا وجود لإجماع قانوني على ذلك. وعلى هذا النحو، فكلما أصبح التنقيب والتعدين على سطح القمر احتمالية أكثر وروداً، سيتعين وضع إطار قانوني يضمن أن الأمور تسير في طريقها الصحيح.


على الرغم من أن الطريق قد يبدو طويلاً، إلا أن التفكير بأننا قد نستخرج المعادن على سطح القمر لا يبدو أمراً غير عقلاني، وسيصبح القمر بموارده الغنية من المعادن بما فيها تلك النادرة على سطح الأرض، جزءاً من اقتصادنا، وقد نستطيع أن نبصر مستقبلاً يتميز بوفرة المعادن بعد ندرتها.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الهليوم (helium): ثاني أخف العناصر الكيميائية وثاني أكثر العناصر الكيميائية وفرةً. تتألف ذرة الهليوم النموذجية من نواة مكونة من بروتونين ونترونين محاطة بالكترونين. تم اكتشاف الهليوم للمرة الأولى في شمسنا، حيث تصل نسبة الهليوم في الشمس إلى ما يُعادل 25% من كتلتها. المصدر: ناسا
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً
  • معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية. (IKI): معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية.

اترك تعليقاً () تعليقات