ما الذي تعرفه عن أقمار نظامنا الشمسي؟

لآلاف السنين والبشر يحدّقون في سماء الليل تتملكهم الرهبة من القمر. حتى أنه كان معبودًا في العديد من الثقافات القديمة، ومُنِحت دورته دلالةً إلهيةً. وبحلول العصور القديمة الكلاسيكية والعصور الوسطى، اعتُبر القمر جرمًا سماويًّا يدور حول الأرض، وهو يشبه إلى حدٍّ كبير الكواكب الأخرى المعروفة اليوم (عطارد، والزهرة، والمريخ، والمشتري، وزحل) 

 
إلا أن معرفتنا عن الأقمار تغيّرت جذريًا عام 1610، حين وجّه عالم الفلك جاليليو جاليلي تلسكوبه نحو المشتري ولاحظ "أربعة نجومٍ متجوّلةٍ" حول المشتري. ومن تلك اللحظة وصاعدًا، توصّل علماء الفلك لمعرفة أن كواكبَ أخرى غير كوكب الأرض بإمكانها أن تحظى بأقمارها الخاصة، وفي بعض الحالات عدّة عشرات أو أكثر من تلك التي للأرض. وبعد ذلك يأتي السؤال: كم يبلغ عدد الأقمار الموجودة في النظام الشمسيّ؟ 
 
وفي الحقيقة، تتطلّب الإجابة عن هذا السؤال قليلًا من التوضيح أولًا. فإن كان كلامنا حول الأقمار المؤكّدة التي تدور حول أيٍّ من الكواكب في النظام الشمسيّ، أي تلك التي تتفق مع التعريف الذي اعتمده الاتحاد الفلكي الدولي IAU عام 2006، عندها يمكننا القول إن هنالك 173 قمرًا معروفًا حاليًا. ولكن إذا أفسحنا المجال للكواكب القزمة التي لها أجرامٌ تدور حولها يرتفع العدد إلى 182.

 

(الأقمار وعدّة كواكب صغيرة ومذنّبات في النظام الشمسي مبينة بأبعادها نسبة إلى بعضها البعض.) حقوق الصورة: Antonio Ciccolella
(الأقمار وعدّة كواكب صغيرة ومذنّبات في النظام الشمسي مبينة بأبعادها نسبة إلى بعضها البعض.) حقوق الصورة: Antonio Ciccolella

 
 
إلا أن هناك أكثر من 200 قمرٍ صغيرٍ للكواكب رُصدت أيضًا في النظام الشمسي (كما في كانون الثاني/يناير 2012). ويضم ذلك 76 من الأجرام المعروفة في حزام الكويكبات مع أقمار، وأقمار المشتري الأربعة المُسمّاة بطروادة (Jupiter Trojans)، و39 من الأجسام القريبة من الأرض (منها اثنان لكلٍّ منهما قمران)، و14 جرمًا من الأجرام العابرة للمريخ (Mars-crossers)، و84 قمرًا طبيعيًّا من الأجسام العابرة لمدار نبتون زواليًّا (Trans-Neptunian Object).
 
إضافةً إلى 150 من الأجرام الصغيرة الإضافية التي رُصدت ضمن حلقات زحل. إذا جمعنا كلّ هذه، عندها يمكننا القول إن هناك 545 قمرًا معروفًا في النظام الشمسيّ. 
 
النظام الشمسيّ الداخليّ

كواكب النظام الشمسيّ الداخليّ: عطارد، والزهرة، والأرض، والمريخ، جميعها كواكبٌ أرضيّةٌ، الأمر الذي يعني أنها تتكوّن من معادنَ وصخورٍ سيليكاتيّةٍ تتمايز بين نواةٍ معدنيّةٍ ووشاحٍ سيليكاتيٍّ وقشرةٍ. ولعدّة أسبابٍ لا توجد سوى بضعة أقمارٍ ضمن هذه المنطقة من النظام الشمسيّ. 
 
وكما اتفق الجميع، هناك ثلاثة أقمارٍ طبيعيّةٍ (توابع) تدور حول الأجسام الكوكبية في النظام الشمسيّ الداخليّ، هذان الكوكبان هما الأرض والمريخ. وقد افترض العلماء في الماضي نظريًا وجود أقمارٍ تدور حول عطارد والزهرة، أما الآن فيُعتقد أن هذه الأقمار اصطدمت بالسطح منذ زمنٍ بعيد. ويرتبط السبب الكامن وراء تناثر هذه الأقمار بشدة بتأثير جاذبية الشمس.
 
إن كلًّا من عطارد والزهرة قريبٌ جدًا من الشمس (وفي حالة عطارد، فهو ضعيفٌ جدًا من حيث الجذب الثقاليّ الخاصّ به) لأسر أجرامٍ مارّةٍ بهما، أو للحفاظ على حلقاتٍ من الحطام في مداريهما من شأن حطامها أن يلتئم ليشكّل قمرًا مع الزمن. وقد تمكّن كوكبا الأرض والمريخ من الحفاظ على أقمار، لكن السبب الأساسي يعود لأنهما أكثر الكواكب الداخليّة بُعدًا عن الشمس.
 

 

 
للأرض قمرٌ طبيعيٌّ واحدٌ فقط، وهو الذي نعرفه ونسميه القمر The Moon. وبنصف قطره البالغ 1737 كم وكتلته 7.3477 ∗ 1022 كغ، يشكّل حجم القمر 0.273 ضعفًا من حجم الأرض و 0.0123 من كتلتها، وبالنسبة لقمرٍ فهو يُعدّ كبيرًا جدًا. وهو أيضًا الثاني من حيث ارتفاع الكثافة بين أقمار نظامنا الشمسي (بعد قمر المشتري آيو Io)، حيث تبلغ كثافته الأساسية 3,3464 غ/سم3.
 
وطُرحت نظرياتٌ عديدةٌ حول تشكّل القمر. والفرضيّة السائدة اليوم هي أن نظام الأرض-القمر قد تشكّل نتيجةً لاصطدامٍ بين الأرض البدائية المتشكلّة حديثاً proto-earth وجرمٍ بحجم المريخ (يُسمّى ثيا Theia) منذ ما يقارب 4.5 مليار سنة مضت. وقُذفت نتيجة هذا التصادم موادٌ من كلا الجسمين إلى المدار، حيث تراكمت لتشكّل القمر في النهاية.
 
للمريخ قمران في الوقت نفسه، فوبوس (Phobos) ودايموس (Deimos). وكما هي الحال مع قمرنا، أقمار المريخ مقيّدةٌ مديًّا مع المريخ، لذا يقابل وجهٌ واحدٌ فقط لهذه الأقمار الكوكب دومًا. وبالمقارنة مع قمرنا، يبدو هذان القمران وعرَين ويشبهان الكويكبات في مظهرهما، كما أنهما أصغر بكثيرٍ من قمرنا. وهكذا فإن النظرية السائدة هي أنهما كويكبان طُردا من الحزام الرئيسي للكويكبات Main Belt بفعل جاذبية المشتري، واكتسبهما المريخ بعد ذلك.
 
القمر الأكبر هو فوبوس، وأصل تسميته من الكلمة اليونانية Phobia التي تعني "الخوف" (رهاب). يبلغ قطر فوبوس 22.7 كم فقط وله مدارٌ يضعه في مسافةٍ أقرب إلى المريخ من دايموس. ومقارنةً بالقمر الخاص بالأرض الذي يدور على مسافة 384,403 كم من كوكبنا، يقع مدار فوبوس على مسافة وسطية تصل حتى 9,377 كم فقط فوق المريخ. 
 
(فوبوس ودايموس، التُقطت الصورة بواسطة مستطلع المريخ المداري. حقوق الصورة: NASA.
(فوبوس ودايموس، التُقطت الصورة بواسطة مستطلع المريخ المداري. حقوق الصورة: NASA.
 
قمر المريخ الثاني هو دايموس، الذي أخذ اسمه من الكلمة اليونانية التي تعني "الهلع". وهو أصغر من فوبوس، ويصل قطره إلى 12.6 كم فقط، كما إن شكله أقلّ وعورةً. ويضعه مداره على مسافةٍ أبعد عن المريخ، حيث تبلغ 23,460 كم، ما يعني أن دايموس يستغرق 30.35 ساعة ليكمل دورةً واحدةً حول المريخ. 
 
تلك الأقمار الثلاثة هي إجمالي الأقمار الموجودة ضمن النظام الشمسيّ الداخليّ، على الأقل وفقًا للتعريف التقليدي، ولكن بالنظر نحو الخارج، سنشاهد أن هذا ليس إلا غيضًا من فيضٍ. ولنفكّر باعتقادنا ذات مرّةٍ أن القمر فريد من نوعه!
 

النظام الشمسيّ الخارجيّ


تختلف الأمور كليًّا خلف حزام الكويكبات وخط فروست Frost Line، يقع خط فروست بين حزام الكويكبات ومدار المشتري، وبعده تتكاثف جزيئات كثير من المواد. ففي هذه المنطقة من النظام الشمسيّ، لكلّ كوكبٍ نظامٌ غنيٌّ من الأقمار، وفي حالة المشتري وزحل، ربما يصل عددها حتى المئات. وحتى الآن، هناك إجمالي 170 قمرًا تأكّد دورانه حول الكواكب الخارجية، في حين تدور عدّة مئاتٍ حول الأجرام الصغيرة والكويكبات.
 
بسبب حجم المشتري الهائل وكتلته وشدّ الجاذبية، إن له أقمارًا أكثر من أيّ كوكبٍ من كواكب المجموعة الشمسية. وحاليًا، يضم نظام المشتري 67 قمرًا معروفًا، مع أنه من المتوقع أن يصل عددها حتى 200 قمرٍ وقمرٍ صغير Moonlet، وحتى الآن يجري التأكّد وتصنيف غالبيتها العظمى.
 
تُعرف أكبر أقمار المشتري الأربعة بالأقمار الجاليلية (تيّمنًا باسم مكتشفها، جاليليو جاليلي). وتضم: آيو (Io) أنشط أجرام مجموعتنا الشمسية بركانيًّا، ويوروبا (Europa) الذي يُعتقد بوجود محيطٍ هائلٍ تحت سطحه، وجانيميد (Ganymede) أكبر قمرٍ في نظامنا الشمسي، وكاليستو (Calisto) الذي يُعتقد أيضًا بوجود محيطٍ تحت سطحه ويتميّز بوجود بعض من أقدم المواد السطحيّة في النظام الشمسيّ.
 
(تصوّر فنّيّ للمشتري وأقماره الجاليلية. حقوق الصورة: NASA)
(تصوّر فنّيّ للمشتري وأقماره الجاليلية. حقوق الصورة: NASA)
 
بعد ذلك تأتي المجموعة الداخلية (أو مجموعة أمالذيا Amalthea Group) المؤلفة من أربعة أقمارٍ صغيرةٍ أقطارها أقل من 200 كم، نصف قطر دورانها أقلّ من 200,000 كم، ولديها ميولٌ مداريّةٌ أقلّ من نصف درجة. تضم هذه المجموعات الأقمار ميتيس (Metis)، وأدراستيا (Adrastea)، وأماذيا (Amathea)، وثيبي (Thebe). وإلى جانب عددٍ من الأقمار الصغيرة التي لم تُشاهد حتى الآن، تشغل هذه الأقمار نظام المشتري الحلقي الباهت وتحافظ عليه.
 
للمشتري أيضًا مجموعةٌ من الأقمار الشاذّة، وهي أصغر بكثيرٍ ولها مداراتٌ أكثر بعدًا ولامركزيةً من بقية الأقمار. وتُجزّأ هذه الأقمار إلى عائلاتٍ تتشابه من حيث المدار والتركيب، ويُعتقد إلى حدٍّ كبيرٍ أنها ناتجةٌ عن تصادماتٍ من أجرامٍ كبيرةٍ أسرتها جاذبية المشتري.
 
وبصورةٍ مشابهةٍ للمشتري، من المتوقع وجود 150 قمرًا وقمرًا صغيرًا لزحل على الأقل، ولكن مُنح 53 من هذه الأقمار فقط أسماءً رسميّةً. ومن هذه الأقمار 34 قطرها أقل من 10 كم و14 قمرًا آخر قطره بين 10 و50 كم. مع ذلك، بعضٌ من أقماره الداخلية والخارجية كبيرةٌ نوعًا ما حيث تتراوح أقطارها من 250 إلى أكبر من 5000 كم. 
 
وتقليديًا، سُمّيت معظم أقمار زحل تيّمنًا بعمالقة (Titans) من الأساطير الإغريقية، وصُنّفت اعتمادًا على حجمها ومداراتها وقربها من زحل. الأقمار الداخلية هي أقمارٌ اعتياديّةٌ ولجميعها انحرافاتٌ مداريّةٌ مائلةٌ وشذوذاتٌ مركزيّةٌ ومداراتٌ مباشرةٌ (prograde) من الغرب إلى الشرق. أمّا الأقمار الشاذّة في المنطقة الخارجيّة فلها نصف قطرٍ مداريٌّ يُقدّر بملايين الكيلومترات، وفتراتٌ مداريّة تستغرق عدّة سنواتٍ، كما تتحرّك بمداراتٍ راجعةٍ عكسية (retrograde).
 
 
صورة مجمَّعة لزحل (أسفل اليسار) وبعضٍ من أقماره: تيتان وإنسيلادوس وديون وهيلين. حقوق الصورة: NASA/JPL/Space Science Institute.
صورة مجمَّعة لزحل (أسفل اليسار) وبعضٍ من أقماره: تيتان وإنسيلادوس وديون وهيلين. حقوق الصورة: NASA/JPL/Space Science Institute.
 
 
الأقمار الكبيرة الداخلية، التي تدور ضمن الحلقة E، تتضمّن الأقمار الأكبر مثل ميماس (Mimas)، وإنسيلادوس (Enceladus)، وتيث (Tethys)، وديون (Dione). تتألّف هذه الأقمار بالدرجة الأولى من الماء المتجمّد، ويُعتقد بأنها تتمايز إلى نواةٍ صخريّةٍ، وقشرةٍ ووشاحٍ جليديين. والأقمار الخارجيّة الكبيرة، التي تدور خارج حلقة زحل E، تشبه الأقمار الداخليّة من حيث التركيب، أي إنها تتألّف بشكلٍ أساسيٍّ من الماء المتجمّد والصخر.
 
وبقطره البالغ 5150 كم وكتلته التي تقدر بـ 1,350 ∗ 10^20 كم، يُعدّ تيتان أكبر أقمار زحل ويشكل 96% من الكتلة الموجودة في المدار المحيط بالكوكب، وهو أيضًا القمر الوحيد الكبير الذي له غلافه الجوي الخاص به، وهو باردٌ وكثيفٌ، ويتكوّن بشكلٍ أساسيٍّ من النتروجين مع كميّةٍ صغيرةٍ من الميثان. وقد لاحظ العلماء أيضًا وجود هيدروكربوناتٍ عطريةٍ متعددة الحلقات في الغلاف الجويّ العلويّ، إضافةً إلى بلورات الميثان الثلجية.
ويظهر على سطح تيتان، الذي يصعب رصده بسبب الضباب المستمر في الغلاف الجوي، بضعُ فوهاتٍ ناتجة عن التصادم فقط، وأدلةٌ على براكين الجليد، وحقولٌ طولانيةٌ من الكثبان الرملية التي يبدو أنها قد تشكّلت بواسطة الرياح المديّة. كما أن تيتان هو الجرم الوحيد في النظام الشمسيّ إلى جانب الأرض الذي توجد كياناتٌ سائلةٌ على سطحه، على شكل بحيرات ميتان-إيتان في منطقتي القطب الشمالي والجنوبي لتيتان.
 
أما أورانوس فله 27 قمرًا، وهي تندرج ضمن الفئات: الأقمار الكبيرة والأقمار الداخليّة، والأقمار الشاذّة (كما هو الحال بالنسبة للعمالقة الغازيّة الأخرى). وأكبر أقمار أورانوس من حيث الحجم، ميراندا (Miranda)، وأرييل (Ariel)، وأمبريل (Umbriel)، وأوبيرون (Oberon)، وتيتانيا (Titania). وتتراوح أقطار هذه الأقمار من 472 كم وكتلتها من 6.7 ∗ 10^19 كغ وذلك بالنسبة لميراندا وحتى 1,578 كم و3.5 ∗ 10 ^21 كغ لتيتانيا. ويتميّز كلٌّ من هذه الأقمار بلونه الداكن، ويُعدّ آرييل أكثرها سطوعًا بتماسكه المنخفض وقدرته الهندسيّة على عكس الضوء الساقط، أما آمبرييل فهو أشدها قتامةً. 
 
(مونتاج لأقمار زحل من اليسار حتى اليمين حيث آرييل، حقوق الصورة: NASA)
(مونتاج لأقمار زحل من اليسار حتى اليمين حيث آرييل، حقوق الصورة: NASA)
 
ويُعتقد بأن جميع الأقمار الكبيرة لأورانوس قد تشكّلت في القرص المُتراكم، الذي تواجد حول أورانوس بعضًا من الزمن بعد تشكله، أو وُجد نتيجةً لتصادمٍ وقع لأورانوس في وقتٍ مبكرٍ من تاريخه. ويتألّف كلٌّ منها من كميّاتٍ متساويّةٍ من الجليد والصخور، ما عدا ميراندا المكوَّن بشكلٍ أساسيٍّ من الجليد.
 
قد يحوي المكوّن الجليديّ الأمونيوم وثاني أوكسيد الكربون، أما المواد الصخريّة فيُعتقد بأنها مؤلفةٌ من موادَ غنيّةٍ بالكربون، منها مركباتٌ عضويّةٌ، كما هو الأمر بالنسبة للكويكبات والمذنبات. ويُعتقد أن تراكيبها متمايزةٌ بين وشاحٍ جليديٍّ ونواةٍ صخريّةٍ. 
 
ولنبتون 14 قمرًا معروفًا، سُمّيت جميعها باستثناء قمرٍ واحدٍ بأسماء آلهة البحر الإغريقية والرومانية (ماعدا S/2004 N 1 غير المُسمّى حاليًا). هذه الأقمار مقسمّة إلى مجموعتين، الأقمار المنتظمة والأقمار الشاذّة، وذلك بناءً على مداراتها وقربها من نبتون. وأقمار نبتون المنتظمة هي: ناياد (Naiad)، وثالاسا (Thalassa)، وديسبينا (Despina)، وغالاتيا (Galatea)، ولاريسا (Larissa) ، وS/2004 N 1، وبروتيوس (Proteus)، هذه الأقمار هي الأقرب للكوكب وتسلك مداراتٍ دائريّةٍ ومباشرةٍ تقع في مستوى الكوكب الاستوائيّ. 
 
أما أقمار نبتون الشاذّة فتضم أقمار الكوكب المتبقية، ومن ضمنها تريتون (Triton)، وفي العموم، تسير هذه الأقمار ضمن مداراتٍ مائلةٍ غير متمركزةٍ كما إن حركتها المداريّة غالبًا عكسيّة (راجعة) بعيدًا عن نبتون. الاستثناء الوحيد هو تريتون، حيث إن مداراته قريبةٌ من الكوكب، ويسير ضمن مدارٍ دائريٍّ، بالرغم من كونه مائلًا وحركته عكسيّة. 
 
 
(فسيفساء لونية لتريتون، التقطت بواسطة مركبة فوياجر 2 عام 1989، حقوق الصورة: NASA/JPL/USGS )
(فسيفساء لونية لتريتون، التقطت بواسطة مركبة فوياجر 2 عام 1989، حقوق الصورة: NASA/JPL/USGS )
 
 
والأقمار الشاذّة هي تريتون (Triton)، ونيريد (Nereid)، وهاليميد (Halimede)، وساو (Sao)، ولاوميدايا (Laomedeia)، ونيسو (Neso)، وبساماث (Psamathe) مرتبةٌ بحسب بعدها عن الكوكب، وهي مجموعةٌ تضم كلًّا من الأجرام ذات المدارات المباشرة والراجعة. وباستثناء تريتون ونيريد، تشبه أقمار نبتون الشاذّة تلك التي للكواكب العملاقة الأخرى كما يُعتقد بأنها أُسرت بواسطة جاذبية نبتون.
 
تريتون هو أكبر أقمار نبتون، حيث يبلغ متوسط قطره 2,700 كم تقريبًا وتبلغ كتلته تقريبًا 214,080 ± 520 ∗ 1017 كغ، وهو الوحيد الكبير بما يكفي ليحقق التوازن الهيدروستاتيكي (أي إنه كرويّ الشكل). ويبعد مسافة 354,759 كم عن نبتون، كما يقع بين أقمار الكوكب الداخلية والخارجية. 
 
تؤلّف هذه الأقمار حصّة الأسد من الأقمار الطبيعية الموجودة في النظام الشمسيّ. مع ذلك، وبفضل الاكتشافات والتحسينات المستمرة التي تُجرى على أجهزتنا، تُكتشف كذلك الأقمار التي تدور حول الأجرام الصغيرة.
 

الكواكب القزمة والأجسام الأخرى


كما لاحظنا سابقًا، هناك عدّة كواكب قزمةٍ والأجرام العابرة زواليًا لنبتون (TNOs) وأجرامٌ أخرى في النظام الشمسيّ، لها أيضًا أقمارها الخاصّة. وهي تتكوّن بشكلٍ رئيس من الأقمار الطبيعية التي ثبت دورانها حول بلوتو (Pluto)، وإيريس (Eris)، وهوميا (Haumea)، وماكماك (Makemake). ولبلوتو أكبر عددٍ من الأقمار المؤكّدة فخمسة أقمار تدور حوله، بالرغم من أن هذا يمكن أن يتغيّر مع المزيد من عمليات الرصد.
 
شارون (Charon)، هو أكبر أقمار بلوتو ومداره هو الأقرب إليه. وحدّد هذا القمر للمرّة الأولى عام 1987 عالمُ الفلك جيمس كريستي (James Christy) باستخدام رقاقاتٍ فوتوغرافيةٍ من مرصد الولايات المتحدة البحري (USNO) في العاصمة واشنطن. وخلف شارون، تقع الأقمار الأربعة الأخرى ستيكس (Styx)، ونيكس(Nix)، وكيربيروس (Kerberos)، وهايدرا (Hydra)، على الترتيب، وهي أقمارٌ تدور في نظامٍ ثنائيٍّ مؤلّفٍ من بلوتو والقمر شارون.
 
 
(صورة من آخر اقتراب لمركبة نيو هورايزنز (New Horizons) الفضائية من نظام بلوتو في11 تموز 2015. حقوق الصورة: NASA-JHUAPL-SWRI
(صورة من آخر اقتراب لمركبة نيو هورايزنز (New Horizons) الفضائية من نظام بلوتو في11 تموز 2015. حقوق الصورة: NASA-JHUAPL-SWRI
 
 
اكتشف نيكس وهايدرا معًا عام 2005 فريقُ بحث مرافقات بلوتو (Pluto Companion Search Team) باستخدام تلسكوب هابل الفضائي. واكتشف الفريق نفسه كيربيكوس عام 2011. أما القمر الخامس والأخير ستيكس فقد اكتشفته مركبة نيو هورايزنز الفضائية عام 2012 أثناء التقاطها صورًا لبلوتو وشارون.
 
كلٌّ من شارون وستيكس وكيربيروس لها من الكتلة ما يكفي لتتداعى متحولةً إلى شكلٍ شبه كرويٍّ تحت تأثير جاذبيتها الخاصة. بينما لنيكس وهايدرا شكلٌ شبه مستطيل. ويُعدّ نظام بلوتو-شارون غير مألوفٍ، فهو أحد الأنظمة القليلة في النظام الشمسي التي يقع مركز كتلتها "barycenter" فوق السطح الأساسي. بكلماتٍ مختصرة، يدور كلٌ من شارون وبلوتو حول بعضهما، ما أدّى لمطالبة بعض العلماء باعتبارهما "نظامًا قزميًّا مزدوجًا" بدلًا من كونهما كوكبًا قزمًا وقمرًا يدور حوله.
 
بالإضافة أنه غير مألوف من ناحية أن كلًّا من الجسمين مقيدٌ مديًّا إلى الآخر. لذا فلا يتقابل شارون وبلوتو إلا بالوجه نفسه، ومن أيّ موقعٍ على أيٍّ من الجرمَين، يتخذّ الآخر موقعًا ثابتًا في السماء، أو يكون محجوبًا دومًا. هذا يعني أيضًا أن مدّة دوران كليهما تساوي الزمن الذي يستغرقه النظام بأكمله ليدور حول مركز ثقالتهما المشترك.
 
وقد أشارت عمليات الرصد التي أجراها عام 2007 مرصد جيمني (Gemini Observatory)، والتي أظهرت وجود بركًا من أكاسيد الأمونيوم المائية ammonia hydrates وبلوراتٍ من الماء على سطح شارون، إلى وجود ينابيعٍ ثلجيّةٍ نشطةٍ cry-geysers. ويبدو أن ذلك يشير إلى وجود محيطٍ ذي درجة حرارة مرتفعةً تحت سطح بلوتو، وبأن النواة نشطةٌ جيولوجيًّا. ويُعتقد بأن أقمار بلوتو قد تشكّلت بواسطة تصادمٍ بين بلوتو وجرمٍ له حجمه نفسه في وقتٍ مبكر من عمر النظام الشمسي. وقد أنتج التصادم مواد تكاثفت لتشكّل الأقمار حول بلوتو.
 
مقارنةً بين بلوتو والأجسام الأخرى التي تعبر نبتون زواليًا والأرض، وكلها بالنسبة لمقياس الرسم. حقوق الصورة: NASA/Lexicon. 
مقارنةً بين بلوتو والأجسام الأخرى التي تعبر نبتون زواليًا والأرض، وكلها بالنسبة لمقياس الرسم. حقوق الصورة: NASA/Lexicon. 
 
يحلّ ثانيًا بعد بلوتو هاوميا (Haumea)، وله قمران معروفان: هاياكا (Hi’iaka)، وناماكا (Namaka). وقد سُمّيت تيمّنًا بأسماء بنات آلهة هاواي. وقد اكتشف كلاهما عام 2005 فريقُ براون (Brown’s team) بينما كان الفريق يُجري رصدًا لهاوميا باستخدام مرصد "W.M. Keck". واكُتشف هاياكا في 26 كانون الثاني/يناير عام 2005، وأطلق عليه فريق كالتيك Caltech team في البداية اسم رودولف "Rudolph".
 
وبقطره الذي يُقدر بـ 310 كم، يُعدّ هاياكا القمر الخارجي بين القمرين، كما أنه أكبرهما وأشدهما سطوعًا، ويدور حول هاوميا بمسارٍ دائريٍّ تقريبًا كل 49 يومًا. وأشارت عمليات الرصد بالأشعة تحت الحمراء إلى أن سطحه مغطىً بشكلٍ كليٍّ تقريبًا ببلوراتٍ نقيةٍ من الماء الجليدي. وبسبب هذا، تكهّن براون وفريقه بأن القمر جزءٌ من هاوميا انفصل عنه خلال اصطدامٍ.
 
اكتُشف ناماكا، الأصغر والداخليّ بين الاثنين، في 30 حزيران/يونيو عام 2005، وقد لُقِّب بليتزن "Blitzen"، وتُقدَّر كتلته بعِشر كتلة هاياكا وتستغرق دورته حول هاوميا 18 يومًا ومداره إهليجيٌّ إلى حدٍّ كبيرٍ. يدور كلا القمرين حول هاوميا في مداراتٍ شديدة الانحراف وغير متمركزةٍ. ولم تخرج حتى الآن تقديراتٍ تشير إلى كتلتهما. 
 
لإيريس قمرٌ وحيدٌ يُدعى ديسنوميا (Dysnomia)، وسُمّي تيمّنًا بابنة إيريس في الميثولوجيا الإغريقية، رُصِد لأوّل مرّة في 10 أيلول/سبتمبر 2005، بعد مضي أشهرٍ قليلةٍ على اكتشاف إيريس. وشاهد القمر فريقٌ يستخدم تلسكوبات كيك في هاواي (مرصد يتألّف من تلسكوبين)، حيث انشغل الفريق في ذلك الحين بإجراء عمليات رصد على أشد الأجسام العابرة لنبتون سطوعًا وهي بلوتو وماكماك وهاوميا وأيريس.

تصورٌ تخيليٌّ عن الكوكب القزم إيريس وتابعه الوحيد الطبيعي ديسنوميا، حقوق الصورة: NASA, ESA, Adolph Schaller (for STScI) 
تصورٌ تخيليٌّ عن الكوكب القزم إيريس وتابعه الوحيد الطبيعي ديسنوميا، حقوق الصورة: NASA, ESA, Adolph Schaller (for STScI) 
 
 
في نيسان 2016، كشفت عمليات الرصد التي جرت باستخدام الكاميرا واسعة النطاق 3 الخاصة بتلسكوب هابل الفضائي، عن وجود قمرٍ طبيعيٍّ لماكماك، وسُمّي S/2015 (136472) 1 ، أما الفريق الذي اكتشفه فأطلق عليه تسمية MK 2. ويُقدَّر قطره بـ 175 كم وله محورٌ شبه رئيسيّ يبعد عن ماكماك 21,000 كم على الأقل.
 

أكبر وأصغر الأقمار


يذهب لقب أكبر قمر في النظام الشمسيّ إلى جانيميد (Ganymede)، الذي يبلغ قطره 5262.4 كم. وهذا لا يجعله أكبر من قمر الأرض وحسب، بل أكبر حتى من كوكب عطارد، على الرغم من أن كتلته تبلغ نصف كتلة كوكب عطارد. أما بالنسبة لأصغر قمر، فهذا عالقٌ بين S/2003 J وS/2003 J 12. فهذان القمران يبلغ قطر كل منهما نحو 1 كم ويدور كلاهما حول المشتري.
 
أمرٌ هامٌ بقي علينا ملاحظته لدى مناقشة عدد الأقمار المعروفة في النظام الشمسيّ، وهو أن الكلمة المفتاحية هنا هي "معروف". ففي كلّ عامٍ، تُؤكَّد المزيد من الأقمار، والغالبية العظمى من تلك التي نعرفها الآن اكتُشِفت في العقود القليلة الماضية فقط. وباستمرار جهودنا في الاستكشاف وتطور أدواتنا، ربما نجد أن هناك مئات منها تختال من حولنا!
 
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات