لماذا تُمثل سرعة الضوء موضوعاً جدلياً؟

حسب نظرية النسبية الخاصة التي وضعها آينشتاين، تبلغ سرعة الضوء 186,000 ميل في الثانية أي ما يعادل 300 مليون متر في الثانية. وهي تعتبر السرعة القصوى في الكون. ولكن يعتقد بعض الباحثين أن باستطاعتهم كسر حاجز سرعة الضوء، مما خلق اضطراباً وحَيرةً لدى الكثيرين.


المصدر: ويليم ديكسترا (Willem Dijkstra)، موقع Shutterstock


أعلن علماء الفيزياء الأسبوع الماضي، أنهم رصدوا جسيمات دون ذريةٍ تدعى النيوترينوات (Neutrinos)، والتي يبدو أن لديها القدرة على السفر بسرعة أعلى من سرعة الضوء. يشكل هذا الاكتشاف استثناءً لحدود السرعة الكونية القصوى التي حددتها نظرية النسبية الخاصة (theory of relativity special) التي وضعها العالم ألبرت آينشتاين Albert Einstein.

تصف نظرية آينشتاين التي وضعها في سنة 1905، نسبية الحركة. وعلى وجه الخصوص حركة أي شيء يسير بسرعة تعادل سرعة الضوء، أو قريباً منها. وقد اعتقد الناس آنذاك أن الموجات الضوئية تتشابه مع الموجات الصوتية، أو أمواج المحيط، أو حتى موجات الصدمة، وذلك من ناحية حاجتها إلى وسيط للتنقل والسفر عبره. ولكن عوضاً عن الهواء أو الماء أو الأرض، اعتقد الناس أن الموجات الضوئية تنتقل عبر مادة ناقلةٍ تدعى الأثير (Ether) وهي مادةٌ أقل ملموسيةً من الهواء، ويُفترض أنها تتخلل الكون.

افترض العلماء أن قوانين الفيزياء ستكون مختلفة بالنسبة لكائنٍ ساكنٍ نسبةً إلى الأثير. وبعد إجراء التجارب العلمية المناسبة، سيكون من الممكن تحديدُ العنصر الساكن حقاً، حسب ما يقول بيتر غاليسون Peter Galison أستاذ الفيزياء وتاريخ العلوم في جامعة هارفرد. 

يقول غاليسون: "تخلص آينشتاين من ذلك". ويكمل كلامه "لا توجد خصائص فيزيائيةٌ تتوافق مع جملة "أنا حقّاً في حالة سكون". وهذا فعلاً هو جوهر نظرية النسبية"!

بعبارةٍ أخرى، إن خصائص الفيزياء هي نفسها بالنسبة إليّ، سواء أكنت أقود دراجتي أو جالساً على المقعد في الحديقة. لكن يبدو أن النظرية النسبية الخاصة لا تنطبق على التسارع، وهذا ما عالجه آينشتاين لاحقاً في نظريته للنسبية العامة.

استندت نظرية النسبية الخاصة إلى افتراضٍ ثانٍ يمنح سرعة الضوء في الفراغ وضعاً خاصاً، وتبلغ تلك السرعة 186 ألف ميل في الثانية أي ما يعادل 300 مليون متر في الثانية. افترض آينشتاين أن الضوء يسافر دائماً بسرعةٍ ثابتةٍ بالنسبة لأي مراقب، وذلك بغض النظر عن سرعة المراقب كما يشرح غاليسون. 

من الناحية النظرية، إذا كنت تملك سيارةً سريعةً بما فيه الكفاية، فإنك ربما تستطيع اللحاق بسرعة الطلقة، ولكن لا يمكنك اللحاق أبداً أو حتى خفض السرعة الظاهرية للنبضة الضوئية. ولا فرق هنا، سواء كنت تقود سيارتك باتجاه الضوء أو بعيداً عنه.
الحد الأقصى للسرعة:

بناءً على افتراضات نظرية آينشتاين، تُعدّ سرعة الضوء الحد الأقصى للسرعة في الكون. في الواقع، أي كائن لديه كتلة، سواء كان نيوترينو أم سيارة، لن يكون بمقدوره بلوغ سرعة الضوء، لأنه ببساطة سيحتاج إلى طاقة لا نهائية لتحقيق ذلك وفقاً لنظرية آينشتاين. حسب غاليسون، حاولت بعض التجارب التلاعب بسرعة الضوء وزيادتها، ولكن آثارها ونتائجها كانت وهمية.

ينتقل الضوء ويسافر عبر عدة أوساط مثل غاز الصوديوم المبرد (Chilled Sodium Gas) ، مما يجعل سرعته تتباطأ بشكل كبير. ويرجع ذلك إلى أن الضوء يرتد بين الذرات داخل جسم الوسيط. ولكن حتى مع حدوث ذلك، أي تفاعل الضوء مع الذرات، فإن سرعته تبقى 186 ألف ميل في الثانية أي ما يعادل 300 مليون متر في الثانية.

يؤكد غاليسون أن الإدعاءات التي تفترض أنه من الممكن الدفع بسرعة الضوء لتتجاوز 186ألف ميل في الثانية، هي ادعاءات باطلة ومخادعة تماماً.

يستخدم غاليسون الأسلوب الافتراضي ليشرح لنا سبب بطلانها فيتساءل، لو كنت تُسلط ضوء الليزر على سطح القمر، ثم حرّكت معصمك قليلاً لتقوم بمسح ضوئي لكامل سطحه، ألا يعني ذلك أن تلك النقطة المضيئة تعبر سطح القمر بسرعة تتجاوز سرعة الضوء؟ والجواب على هذا التساؤل هو بالطبع لا. لأنه لا شيء في الواقع يعبر سطح القمر. فتلك النقطة ليست عبارةً عن كائنٍ فعلي. هي عبارةٌ عن سلسلة من الفوتونات الموجودة في شعاع الليزر الذي يسلط على سطح القمر.

يقول غاليسون: "لمدة 100 سنة، اعتاد الناس على الخوض في مثل هذه الجدالات أو النقاشات حول هذه الأمور المتناقضة والمعقدة كطريقة للتساؤل "أليس هناك طريقة لتجاوز سرعة الضوء؟". ويتابع كلامه قائلاً: "غالباً ما يتحول كلامهم للإشارة إلى مفهوم تسريع الحركة، وهو شيء لا يتضمن كائناً فعلياً". وهذا مشابه جداً لموضوع النقطة المضيئة في شعاع الليزر، أو مصطلح "الطاقة اللانهائية". بعبارة أخرى، هذا الكلام محض أوهامٍ لا أكثر.

في المختبر، يستطيع الباحثون خلق الانطباع بأنهم قادرون على إرسال الضوء بشكلٍ يتجاوز الحد الأقصى للسرعة، وذلك عن طريق تعديل السرعة التي تبلغ فيها الموجات الضوئية الذروة وتنتشر في الفضاء. مع ذلك، لا تزيد هذه العملية من السرعة التي تنتقل فيها المعلومات الكهرومغناطيسية، لأنها تنتقل عبر الشكل العام لسعة الموجة.

نظرية غير قابلة للمس؟


منذ أن عرض آينشتاين نظريته للنسبية الخاصة، أصبحت النظرية بحد ذاتها، مع القيمة الخاصة التي منحتها لسرعة الضوء، غير قابلة للمس.

احتفظت هذه النظرية بمكانتها حتى الآن، حيث قام العلماء العاملون في التجربة المسماة أوبِرا (OPERA) والمقامة في مختبر المنظمة الأوروبية للبحث النووي سيرن (CERN)، ببث النيوترينوات لمسافة تبلغ 454 ميلاً (730 كيلومتراً)، وذلك عبر نفقٍ تحت الأرض من سويسرا إلى إيطاليا. ومن ثم قاموا بحساب مدة الزمن التي استغرقتها في رحلتها. بشكل صادمٍ، تبين لهم أن النيوترينوات تسافر أسرع من الضوء بنسبة 60 جزء من المليار من الثانية. قد تطيح هذه النتيجةُ بجميع النظريات الفيزيائية خلال القرن الماضي.

يقول بن مونريال Ben Monreal، الأستاذ المساعد في مادة الفيزياء في جامعة كاليفورنيا بِسانت باربرا: "لم يتطور لدينا فهم كامل أو تصور واضح حول ما جرى. فقد كنا نجري اختباراتٍ دقيقةً للغاية حول النظرية النسبية الخاصة منذ الأيام الأولى لظهورها". ثم يكمل حديثه فيقول: "لقد استطاعت نظرية النسبية الخاصة النجاح بتفوقٍ وتميزٍ في جميع الاختبارات التي مرت بها منذ 100 عام وحتى الآن. وهذا هو السبب الذي يجعل نتيجة التجربة الأخيرة مفاجأةً كبيرة بالنسبة إلينا، وغير متوقعة بتاتاً''.

وفي حال نجاح تجربة أوبرا، ستحدث نتائجها اضطراباً وحيرةً لدى الكثيرين. فاعتماداً على نظرية النسبية الخاصة، إذا استطاع شيء ما السفر بسرعة تتجاوز سرعة الضوء، فسيعني هذا أنه يسافر في الزمن إلى الوراء (أي إلى الماضي)، مما يجعل هذا الاقتراح يتعارض مع القاعدة الأساسية وهي مبدأ السببية (causality)، والتي تفترض أن يكون السبب سابقاً للأثر. 

يقول غاليسون: "السبب الذي يجعل الكثير من علماء الفيزياء غير مبهورين بهذه الادعاءات، هو أنها تجعل من مبدأ السببية نفسه موضوعاً إشكالياً للغاية. وبعبارةٍ أخرى، فإنه يثير احتمال السفر عبر الزمن.

لكن هناك إشكاليةٌ أخرى. قدّم آينشتاين سرعة الضوء كقيمةٍ رياضيةٍ ثابتةٍ تحمل الرمز c . لذا، إن استطاعت النيوترينوات تجاوزَ سرعة الضوء فعلاً، سيؤدي هذا إلى فقدان القيمة c لمكانتها المميزة، مما يخلق مجموعة من المشاكل في بعض الجوانب الفيزيائية الأخرى، حيث تُستخدم القيمة c في بعض المعادلات الرياضية، مثل الصيغة الفيزيائية المشهورة \(E=mc^2 \) (تكافؤ الطاقة والمادة). 

ويختتم غاليسون حديثه قائلاً: "نظراً لكل هذه الأسباب، ما زال الناس بحاجةٍ إلى أدلةٍ إضافيةٍ تقنعهم أن نتائج هذه التجربة ستبقى صامدةً مع مرور الزمن".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • السببية (causality): تُشير إلى العلاقة الكائنة بين حدث (السبب) وحدث آخر (النتيجة أو التأثير)، حيث يكون الحدث الأول مسؤولاً بالضرورة عن ظهور الحدث الثاني.
  • الغاز (Gas): أحد الحالات الأساسية الثلاث للمادة. في هذه الحالة تتحرك الذرات، أو الجزيئات، أو الأيونات بحُريّة، فلا ترتبط مع بعضها البعض. وفي علم الفلك، تُشير هذه الكلمة عادةً إلى الهيدروجين أو الهيليوم. المصدر: ناسا

اترك تعليقاً () تعليقات