كوننا المُتوسِع: العمر، التاريخ، وحقائق أخرى

وُلِد الكون من خلال الانفجار الأعظم كنقطة ساخنة كثيفة لا يمكن تصورها. عندما كان عمر الكون تقريباً \(10^{-34}\)  ثانية فقط – هذا يساوي جزءاً من مائة من مليار من تريليون من تريليون جزء من الثانية – حيث شهدت هذه اللحظة انفجاراً لا يُصدق من التوسُّع يُعرف باسم التضخم، حيث توسَّع الفضاء بذاته بسرعةٍ تفوق سرعة الضوء. خلال هذه الفترة تضاعف حجم الكون أكثر من 90 مرة على الأقل، مُنتقِلاً من حجمٍ دون ذري إلى حجم كرة غولف بشكلٍ فوري.

 

وفقاً لوكالة ناسا، فإن نمو الكون استمر بعد التوسُّع لكن بمعدلٍ أبطأ. مع توسُّع الفضاء أصبح الكون أكثر برودة وتشكلت المادة. بعد مرور ثانية واحدة على الانفجار العظيم أصبح الكون مملوءاً بالنيوترونات، والبروتونات، والإلكترونات، والبوزيترونات، والفوتونات، والنيوترينوات.

 

خلال الدقائق الثلاث الأولى من عمر الكون، تشكَّلت العناصر الخفيفة من خلال عملية تُعرف بالتركيب النووي للانفجار الأعظم. حيث بردت حرارة الكون من  100 نونيليون (1032) كلفن إلى بليون (109)  كلفن، ونتيجةً لتصادم البروتونات مع النيوترونات تشكَّل عنصر الديتيريوم، كأحد نظائر الهيدروجين. معظم الديتيريوم اتحد ليكون الهيليوم ، بالإضافة الى كميات قليلة من الليثيوم.

 

على مدى ما يقرب من 380 ألف سنة، كان الكون في البداية ساخناً جداً مما يمنع الضوء من التألق. وفقاً للمركز الوطني الفرنسي لأبحاث الفضاء "المركز الوطني للدراسات الفضائية"، أو (CNES)، فإن حرارة تكوُّن العناصر حطمت الذرات معاً بقوةٍ كافيةٍ لفصلها إلى بلازما كثيفة، وهي عبارة عن حساء غريب من البروتونات، والنيوترونات، والإلكترونات التي بعثرت الضوء كالضباب.


بعد ما يقرب من 380 ألف عام من الانفجار الكبير، خلال فترة إعادة التشكُّل، بردت المادة بشكلٍ كاف لإعادة تكوُّن الذرات؛ مما أدى - وفقاً لناسا - إلى إنتاج غاز شفاف متعادل كهربائياً. هذه المجموعة فقدت الوميض الأول للضوء الذي تشكَّل خلال فترة الانفجار الأعظم، والذي يُعرف اليوم باسم الخلفية الإشعاعية للكون. على أي حال، بعد هذه النقطة دخل الكون في ظلام حالك حيث إن النجوم والأجرام المضيئة الأخرى لم تكن قد تشكَّلت بعد.


بعد نحو 400 مليون عام على حدوث الانفجار الأعظم، بدأ الكون بالخروج من العصور الكونية المظلمة خلال فترة إعادة التأيُّن. خلال هذا الوقت، الذي استمر أكثر من نصف مليار عام، انهارت تجمعات الغاز بشكلٍ كاف لتشكُّل النجوم والمجرات الأولى، حيث إن أشعتها فوق البنفسجية النشيطة قامت بتأيين وتدمير معظم الهيدروجين المتعادل.

 

على الرغم من أن توسُّع الكون تباطأ تدريجياً مع تجمع المادة نتيجةً لقوة الجاذبية، بعد 5 أو 6 مليارات عام بعد الانفجار الأعظم حسب ما ذكرته وكالة ناسا، فإن قوة غريبة تُدعى الآن بالطاقة المظلمة بدأت بزيادة سرعة توسُّع  الكون مرةً أخرى، وهذه الظاهرة مستمرة حتى يومنا هذا، ثم بعد 9 مليارات عام تقريباً من الانفجار الأعظم وُلِدت مجموعتنا الشمسية.

 

الانفجار العظيم


الانفجار العظيم لم يكن كالانفجارات العادية كما قد يعتقد الناس، على الرغم مما قد يوحي به الاسم. كما أن الكون لم يتوسع في الفضاء، فالفضاء لم يكن موجوداً قبل الكون، ووفقاً لناسا فإن من الأفضل الاعتقاد أن الانفجار العظيم مظهر متزامن للفضاء في كل مكان في الكون، فالكون لم يتوسع من أي بقعة واحدة منذ الانفجار العظيم، إلى حد ما، فالفضاء نفسه قد يمتد حاملاً المادة معه.

 

إن الكون حسب تعريفه يشمل المكان والزمان كما نعرفه. تقول وكالة ناسا إن سؤال إلى ماذا يتوسع إليه الكون  يفوق  نماذج الانفجار العظيم ، أما الذي أدى إلى الانفجار الأعظم، وعلى الرغم من أن هناك نماذج بحثت عن إجابات للأسئلة السابقة، فإن أيًا منها لم ينجح في تقديم تنبؤات واقعية قابلة للاختبار حتى الآن.


في العام 2014، أعلن علماء من مركز هارفارد سميثونيان للفيزياء الفلكية أنهم عثروا على إشارة خافتة في الخلفية الإشعاعية للكون التي قد تكون الدليل الأول المباشر على الموجات الثقالية التي تعتبر بحد ذاتها دليلاً دامغاَ على الانفجار الأعظم، هذه الاكتشافات جرى حولها نقاش حاد لكن الأبحاث حول هذه الأمواج الغامضة ما زالت مستمرة.

 

ترجمة الصورة الواردة في المقال: العنقود الكروي (NGC 6397) يحوي نحو 40 ألف نجم، ويبعد نحو 7200 سنة ضوئية عن كوكبة آرا الجنوبية (southern constellation Ara). بعمرٍ يُقدر بنحو  13.5 بليون سنة، فمن المرجح أنها من بين الأجسام التي تشكَّلت في المجرة بعد الانفجار العظيم.  تعود ملكية الصورة للمرصد الجنوبي الأوروبي
ترجمة الصورة الواردة في المقال: العنقود الكروي (NGC 6397) يحوي نحو 40 ألف نجم، ويبعد نحو 7200 سنة ضوئية عن كوكبة آرا الجنوبية (southern constellation Ara). بعمرٍ يُقدر بنحو 13.5 بليون سنة، فمن المرجح أنها من بين الأجسام التي تشكَّلت في المجرة بعد الانفجار العظيم. تعود ملكية الصورة للمرصد الجنوبي الأوروبي


العمر


يُقدر عمر الكون بنحو 13.8 مليار عام، مع نسبة خطأ تُقدر بـ 130 مليون عام. بالمقارنة، فإن عمر نظامنا الشمسي هو  4.6 بليون عام.

 

أتى هذا التقدير من خلال قياس كثافة المادة والطاقة في الكون، وهذا سمح للباحثين بقياس سرعة توسُّع الكون في الماضي، ومن خلال هذه المعرفة فإنهم تمكَّنوا من إعادة عقارب الساعة نحو الوراء لمعرفة متى حدث الانفجار العظيم، الوقت بين ذلك الحين والآن هو عمر الكون.

 

التركيب


يعتقد العلماء أنه في اللحظات الأولى لعمر الكون لم يكن هناك بنية للتحدث عنها، مع توزيع غير منتظم للمادة والطاقة، وفقاً لناسا فإن الشد الجذبيّ للمادة الكثيفة أدى إلى نشوء ما يشبه الشبكة الكبيرة من النجوم والفراغ كما نراها اليوم .

 

فالمناطق الأكثر كثافة جذبت إليها المزيد والمزيد من المادة بفعل الجاذبية، وكلما أصبحت أكثر كتلة زادت قدرتها على جذب المادة من خلال الجاذبية، مُشكِّلةً بذلك النجوم، والمجرات، وتشكيلات أكبر تُدعى العناقيد النجمية، والعناقيد النجمية الفائقة، والأنسجة، والجدران، حيث إن الجدران الكبيرة تحتوي على الآلاف من المجرات يصل طولها إلى أكثر من مليار سنة ضوئية، أما المناطق الأقل كثافة فتطورت إلى أماكن فارغة في الفضاء تُدعى الفراغات الكونية.

 

المحتوى


وفقًا لناسا، اعتقد علماء الفضاء قبل نحو 30 عامًا أن الكون يتكون تقريباً بشكلٍ كامل من الذرات العادية، أو المادة الباريونية (baryonic matter).

 

على أي حالٍ، ظهرت أخيراً أدلة تقترح أن معظم المكونات التي شكلت الكون أتت من أشكال من المادة التي لا يمكن رؤيتها، حيث تبين أن الذرات تُشكِّل 4.6% من الكون، ومادة مظلمة تُشكِل 23% من الكون، والتي على الأرجح تتكون من نوع أو أكثر من الأجسام دون الذرية التي تتفاعل بشكلٍ ضعيف مع المادة العادية، بالإضافة إلى الطاقة المظلمة التي تُشكِّل 72% من الكون ويبدو أنها تقود التوسُّع المُتسارع للكون. عندما يتعلق الأمر بالذرات المألوفة لدينا، فإن الهيدروجين يُشكِل 75%، والهيليوم 25%، مع عناصر أثقل تُشكِل نسبة ضئيلة من الكون وفقاً لناسا.

 

الشكل


إن شكل الكون، بغض النظر عما إذا كان نهائياً أم لا، يعتمد على الصراع الدائر بين معدل التوسُّع وقوة الجاذبية، قوة السحب مسألة تعتمد في جزء منها على كثافة المادة في الكون.

 

إذا كانت كثافة الكون تتجاوز قيمة حرجة محددة عندها يكون الكون "مغلقاً" و "إيجابي المنحنى" شبيهاً بسطح الكرة. هذا يعني أن ومضات الضوء المتوازية سوف تتقارب ببطء وفي النهاية تتقاطع وتعود إلى نقطة البداية إذا دام الكون فترة أطول. وفقاً لناسا، إذا كان الأمر كذلك فإن الكون ليس لا نهائياً، حيث إن منطقة سطح الكرة ليست لانهائية لكن لا توجد بداية أو نهاية نستطيع التحدث عنها، وفي النهاية سيتوقف الكون عن التوسُّع وسيبدأ بالانهيار على نفسه فيما يسمى الانهيار العظيم.


أما إذا كانت كثافة الكون أقل من هذه الكثافة الحرجة، فعندها ستكون هندسة الفضاء "مفتوحة" و"سالب المنحنى" كسطح السرج. إذا كان الأمر كذلك فإن الكون ليست له حدود وسيتوسع إلى ما لا نهاية.

 

أما إذا كانت كثافة الكون تساوي تماماً النقطة الحرجة  فإن هندسة الكون ستكون "مسطحة" مع عدم وجود انحناء كشكل الورقة، وفقاً لناسا. إذا كان الأمر كذلك فإن الكون لا حدود له وسيتوسع إلى مالا نهاية، لكن معدل التوسُّع سيقترب من الصفر تدريجياً بعد كمية غير منتهية من الوقت، تقترح القياسات الأخيرة أن الكون مسطح مع نسبة خطأ تصل إلى 2%.

 

من الممكن أن الكون له شكل أكثر تعقيداً في حين يبدو أنه يمتلك انحناءً مختلفاً، على سبيل المثال يمكن أن يكون شكل الكون على شكل نتوء مستدير، أو على شكل حلوى الدونت.

 

 

الكون المُتسِع


في العام 1920، اكتشف عالم الفلك أدوين هابل أن الكون ليس ساكناً، بل على العكس فهو يتوسع، وهو اكتشاف أظهر بوضوح أن الكون نتج من الانفجار العظيم. 

 

بعد ذلك، كان يُعتقد لفترةٍ طويلةٍ أن جاذبية المادة في الكون مسؤولة عن إبطاء توسع الكون. بعدها في العام 1998، كشفت مراقبات تلسكوب هابل الفضائي لمُستعرٍ أعظم (supernovae) أن توسُّع الكون كان في الماضي البعيد أكثر  بُطئاً مما هو عليه الآن.

بعبارةٍ أخرى، فإن توسُّع الكون لم يكن يتباطأ بسبب الجاذبية، لكن بدلاً من ذلك ولسببٍ غير مفهوم كان يتسارع. اسم القوة المجهولة المسؤولة عن هذا التوسُّع المُتسارع هو الطاقة المظلمة، وهي لا تزال واحدة من أكثر الأسرار غموضاً في العلم.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الكوكبة (Constellation): أو البرج (احياناً)، وفي علم الفلك الحديث، تُشير هذه الكلمة إلى منطقة محددة من السماء داخل الكرة السماوية التي عرّفها وحددها الاتحاد العالمي لعلم الفلك (IAU).
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernovae): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات