أدلة قوية تدعم فكرة الكون المسطح

أطلق العلماء، وخبراء الرياضيات، والفلاسفة، على حدّ سواء، التخمينات بشأن شكل الكون. ثمة ثلاث خيارات أساسية لتختار منها، في حال أردت إجراء بحثك الخاص:
 
  • يمكن أن يكون الكون منحنيًا انحناءً إيجابيًا، كسطح الكرة.
  • يمكن أن يكون الكون منحنيًا انحناءً سلبيًا، كسطح سرج الحصان.
  • يمكن أن يكون الكون مسطّحًا، كسطح صفحة الورق.

على حد علم العلماء، الخيار الثالث صحيح. لكن ماذا يقصد الناس حقًا حين يتحدثون عن "التسطّح"؟ معلّم الرياضيات بمدرستك الثانوية سيخبرك بكل سرور أن التسطّح مرهونٌ كليًا بالهندسة.

في الكون المسطّح (flat universe)، تنطبق الهندسة الإقليدية بأوسع نطاقاتها. هذا يعني أن الخطوط المتوازية لن تتقاطع أبدًا، ومجموع الزوايا الداخلية للمثلث سيساوي 180 درجة دومًا؛ تحديدًا كما تألفها.

لكن في الأكوان المنحنية (curved universes)، سواءٌ كانت محدودة أم غير محدودة، تصير الأمور غريبة. في الكون المنحني انحناءً إيجابيًا، ينتفخ الفضاء، متسببًا في ميل الخطوط المتوازية إلى نقطة واحدة وتضخيم زوايا المثلث إلى أكثر من 180 درجة. أما في الكون المنحني انحناءً سلبيًا، تنفرج الخطوط المتوازية إلى ما لا نهاية وتنحصر زوايا المثلث، لذا فمجموع زواياه أقل من 180 درجة.


شكل الكون
شكل الكون

مسلّحين بهذه المعرفة، كيف يعرف العلماء أن الكون مسطّح؟ الإجابة مدوّنة في السماء، ومنقوشة في إشعاع خلفية الكون (background radiation) المندفع إلينا اندفاعًا من كل النواحي. هذا الإشعاع المدعوّ إشعاع الخلفية الكونية الميكرويّ هو لمحة من كوننا وهو في إحدى لحظاته الأولى، حين تحررت الفوتونات (حزم الضوء) من حساء بلازميّ ساخن ناتج في الانفجار العظيم (big bang). ويدرس العلماء أيضًا بنية المجرات على نطاقاتٍ واسعة لاختبار استنتاجاتهم.

يقول جوش فريمان Josh Frieman، وهو عالم فيزياء بمركز ومختبر "فيرمي" لفيزياء الفلك الجسيْميّة، "إن إشعاع الخلفية الكونية الميكرويّ، بالاشتراك مع توزيع المجرات، يؤكّد تسطّح الكون". لكنه يردف قائلًا: "إشعاع الخلفية الكونية الميكرويّ هو المسمار المحوريّ".

تعتمد الأساليب التقنيّة طرقًا متشابهة، بحيث يقوم العلماء بمقارنة الحجم المرئيّ للمعالم (تموّجات في إشعاع الخلفية الكونية الميكرويّ أو تكتّلات مجرّية) بحجمها الفعليّ. وأي اختلاف بينهما يدلّ على وجود انحراف ناجم عن انحناء المكان. قامت تجارب متنوعة -فيما يشمل مسبار ويلكينسون لقياس اختلاف الموجات الميكروية (Wilkinson Microwave Anisotropy Probe) ذا القدرة على إحداث تغييرات جذرية الذي أُطلق عام 2001؛ وماسح بلانك الأحدث- بدعم فكرة الكون المسطّح.

يقول دايفد سبرجل David Spergel، وهو عالم فيزياء فلك نظرية في جامعة برنستون Princeton University وقد عمل على مسبار ويلكينسون لقياس اختلاف الموجات الميكروية، واختصارًا WMAP، "حين بدأنا نعمل بمسبار ويلكينسون، لم نكن على علم بالهندسة التي ينطوي عليها على الإطلاق. أما الآن فنحن نجري قياساتٍ بدقّة تحت مئوية".

كما أن هناك إمكانية لتحسين قياس التسطّح في ظل التجارب الحالية والمقبلة، فيما يشمل تلسكوب أتاكاما الكوني (the Atacama Cosmology Telescope)، ودراسة مسح الطاقة المظلمة (Dark Energy Survey)، وتلسكوب المسح الإجماليّ الكبير (Large Synoptic Survey Telescope)، وتلسكوب الدبّ القطبيّ (Polar Bear Telescope)، وتلسكوب القطب الجنوبيّ (South Pole Telescope)، ومشروع مصفوفة الكيلومتر المربع (Square Kilometer Array). الباحثون القائمون على هذه المشاريع لديهم أهداف مختلفة، وأحيانًا ما يكون قياس انحناء الكون مجرد ناتج ثانويّ للهدف العلميّ الرئيس. لكنه ناتجٌ ثانويّ مهم.

علاوةً على كونه خاصية جوهرية للكون، يساعد الانحناء أيضًا على تحديد قياساتٍ أخرى، مثل تأثير الطاقة المظلمة، ألا وهي القوة الغامضة التي تدفع تمدّد الكون المتسارع. كما أنه يؤثر في النموذج الذي يتبناه العلماء عن الكون التضخّميّ (inflationary universe). وذلك النموذج يتنبأ بالتسطّح الذي نراه اليوم. فلو أظهرت قياساتٌ أدقّ عدولًا عن التسطّح، ستدلّ على أن النظريات المبتكرة بشأن الكون المبكّر تحتاج إلى تطويعٍ وتعديل.

يقول فريمان: "ليس هناك تصوّرات عديدة بخصوص ما حدث بعد الانفجار العظيم بـ \(10^{35}\) ثانية، لكن الانحناء أحد هذه التصوّرات".

إن شكل الكون دليلٌ إلى أصله، وربما يحمل مفتاحًا لمصيره. شكل وكثافة المادة في الكون، وقوة الطاقة المظلمة، تحدد نهائيًا ما إن كان الكون سينكمش أيضًا في انسحاق عظيم (big crunch) أم سيتمدّد ويُبتلَى بموت حراريّ.

وعند أكبر الأحجام، ما زال ممكنًا أن الكون منحنٍ، بما يتجاوز إدراكنا. ومثلما أن الوقوف في منتصف السهول الكبرى يمكن أن يدفعك للاعتقاد بأن الأرض مسطّحة، ربما يكون فهمنا للكون محدودًا بموضع رؤيتنا وأفق كوننا المرئيّ. هناك احتمال بأن يكون سطح الكون كسطح الكرة، أو الكعكة المبرومة، أو سرج الحصان، أو المجسم ذي الاثنى عشر سطحًا، أو نوع من الأنابيب المتفرعة.

يقول سبرجل: "لكنه لو كان مثل أيٍّ من هذه السطوح، فإنه أكبر بأضعاف عديدة من كوننا المرصود. إنما جُلّ ما نعرفه حقًا هو أن الكون أقرب إلى التسطّح، وكبيرٌ، بل كبيرٌ جدًا".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الطاقة المظلمة (Dark Energy): هي نوع غير معروف من الطاقة، ويُعتقد بأنه المسؤول عن تسارع التوسع الكوني.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات