خمس حقائق عن الانفجار العظيم

يعد الانفجار العظيم حجر الأساس بالنسبة لعلم الكون لكن عما يدور ؟

في بداية القرن العشرين اكتشف عالما الفلك إيدوين هابل Edwin Hubble وميلتون هيوماسون Milton Humason أن المجرات تتحرك مبتعدة عن مجرة درب التبانة، إضافة إلى أن كل مجرة تتحرك مبتعدة عن كل مجرة أخرى بنسبة معينة، وهذا يعني بأن كل الكون يتوسع، وبالتالي كان الكون بأكمله في الماضي أصغر بكثير وأكثر حرارة وكثافة. وذاك التصور المعروف بـ " نموذج الانفجار العظيم " Big Bang وقف شامخا أمام اكتشافات جديدة ونظريات منافسة لمدة قرن من الزمن تقريبا. 

إذا فما هو هذا الشيء المسمى الانفجار العظيم ؟


  1.  حدث الانفجار العظيم في كل مكان فورا

    المصدر: Illustration by Sandbox Studio, Chicago with Corinne Mucha.
    المصدر: Illustration by Sandbox Studio, Chicago with Corinne Mucha.


    ليس للكون حافة أو مركز وكل جزء منه يتوسع، وهذا يعني إن عدنا بالزمن إلى الوراء يمكننا أن نكتشف تماماً متى كان كل شيء محشورا مع بعضه منذ 13.8 مليار سنة خلت. ولأن كل مكان يمكننا رصده على خريطة كوننا اليوم كان في نفس الموضع منذ 13.8 مليار عام، فلم يكن هناك موقع للانفجار العظيم بل حصل في كل مكان وبنفس اللحظة.
     
  2.  ربما لا يفسر الانفجار العظيم البداية الفعلية لكل شيء

    المصدر: Illustration by Sandbox Studio, Chicago with Corinne Mucha.
    المصدر: Illustration by Sandbox Studio, Chicago with Corinne Mucha.


    يشير مصطلح "الانفجار العظيم" بشكل عام إلى نظرية التمدد الكوني Cosmic Expansion والكون الأولي الحار. بالرغم من ذلك، سيستخدم حتى العلماء أحيانا هذا المصطلح ليصفوا لحظة من الزمان، كان عندها كل شيء محشورا في نقطة بعينها. ولكن تكمن المشكلة في أننا لا نملك لا مشاهدات رصدية ولا نظرية تصف تلك اللحظة التي كان من المناسب تسميتها ب "التفرد الأولي" Initial Singularity (وتسمى أيضا الحالة الأولية ، وهي حالة شديدة الكثافة والحرارة).

    والتفرد الأولي هو النقطة التي بدأ عندها الكون الذي نرصده، لكن من المحتمل أن شيئا ما وجد قبل ذلك. وتكمن الصعوبة بأن الكون الأولي الحار جدا والتمدد السريع للكون المسمى " التضخم" والذي يرجح أنه حصل مباشرة بعد التفرد الأولي، قد دمرا كليا معظم المعلومات - إن لم يكن كلها - عن أي ماض سبق الانفجار العظيم. ولكن العلماء يستمرون بالتفكير في طرق جديدة للبحث عن علامات تدل على كون سابق؛ ورغم أننا لم نرَ أيا من هذه الدلالات حتى الآن، فإننا لا نستطيع استبعادها.

     
  3. تفسر نظرية الانفجار العظيم مصدر كل الهيدروجين والهيليوم الموجود في الكون

    المصدر: Illustration by Sandbox Studio, Chicago with Corinne Mucha.
    المصدر: Illustration by Sandbox Studio, Chicago with Corinne Mucha.


    في الأربعينيات من القرن العشرين أجرى رالف آلفر Ralf Alpher و جورج غامو George Gamow حسابات تشير إلى أن الكون الأولي كان حارا وكثيفا كفاية ليخلق فعليا كل الهيليوم والليثيوم والديوتيريوم Deuterium (هيدروجين مرتبط مع نيوترون) الموجود في الكون اليوم؛ وقد أظهرت الأبحاث اللاحقة من أين أتى الهيدروجين الأولي. 

    هذا ما يعرف بـ "التخليق النووي للانفجار العظيم" (Big Bang Nucleosynthesis)، والذي بقي واحدا من أكثر تنبؤات النظرية نجاحا. تشكلت الجسيمات الأثقل كالأوكسجين والحديد واليورانيوم في النجوم وانفجارات المستعرات الفائقة (Suoernova). وأفضل دليل عن الانفجار العظيم يتمثل في شكل أمواج ميكروية (Micriwave). ففي المرحلة المبكرة كان الكون كثيفا كفاية ليكون معتما بشكل تام، لكن بعد مضي ما يقارب 380 ألف عام على الانفجار العظيم، باعد تضخم الكون كل شيء بما يكفي لجعل الكون منفذا للضوء. 

    ويعرف الضوء الذي تحرر عن هذه الحركة بـ "إشعاع الخلفية الكونية الميكروي" (Cosmic Microwave Background) واختصارا CMB وما زال موجودا حتى الآن. وقد رصده أول مرة آرنو بينزياس Arno Penzias و روبرت ويلسون Robert wilson في الستينيات من القرن العشرين. وعزز هذا الاكتشاف نظرية الانفجار العظيم باعتبارها أفضل تفسير للكون، ومنذ ذلك الحين اعتمدت المراصد -مثل WMAP و بلانك Planck- على إشعاع الخلفية الكونية الميكروي لتخبرنا بالكثير عن مجمل بنية الكون و محتواه. 

     
  4.  أحد أوائل الأشخاص الذين فكروا بطريقة علمية عن أصل الكون كان كاهنا كثوليكيا

    المصدر: Illustration by Sandbox Studio, Chicago with Corinne Mucha.
    المصدر: Illustration by Sandbox Studio, Chicago with Corinne Mucha.


    بالإضافة لعمله بالتأهيل الديني، كان جورج ليميتر Georges Lemître فيزيائيا درس نظرية النسبية العامة و استنبط منها بعض شروط الكون المبكر وذلك في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي . وبعض تعبيراته المفضلة التي شبه بها أصل الكون كانت "البيضة الكونية" Cosmic Egg و" الذرة الأولية " Primeval atom لكنها لم تستمر، الأمر الذي كان سيئا جدا.

     
  5.  اسم الانفجار العظيم (بيغ بانغ) لم يرق للكثيرين

    المصدر: Illustration by Sandbox Studio, Chicago with Corinne Mucha
    المصدر: Illustration by Sandbox Studio, Chicago with Corinne Mucha


    كانت فكرة أن للكون بداية نقطة جدل بين الفيزيائيين حتى الستينيات من القرن العشرين. أما التسمية بـ "الانفجار العظيم بيغ بانغ" فقد أطلقها حقيقة عالم الفلك فريد هويل Fred Hoyle -متهكما- فهو المنادي الأساسي بنظرية بديلة تقول بأن الكون كان وسيبقى للأبد على حاله دون بداية (مبدأ الكون الثابت القائل بأن الكون لم ولن يتغير). ومازال اختزاله اللفظي المتهكم لهذه النظرية صامدا ونحصر أنفسنا به، كما لم تفلح محاولة كالفن وهوبز Kalvin&Hobbes في جعلنا نعتمد تسمية "الانبلاج الفضائي المهول" Horrendous Space Kablooie -واختصاراً HSK- عوضا عن ذلك [ظهرت هذه التسمية ضمن قصص هزلية مسلسلة كتبها كالفن وهوبز بين 1985 - 1991 ولاقت رواجا ].

    وصحيح أن الإنفجار العظيم يعد حجر زاوية في علم الكون لكنه لا يفسر كل شيء، وما زال العلماء مستمرين بتحسين نظرية الكون مدفوعين بنتائج الرصد لكل الأشياء الغريبة في الكون. وتعد المادة المظلمة Dark Matter (التي تربط المجرات مع بعضها)، والطاقة المظلمة DarK Energy (التي تجعل تمدد الكون يتسارع) من أكبر الأحجيات الغامضة التي لم تفسرها نظرية الانفجار العظيم بحد ذاتها .

    أما نظرتنا للكون فتشبه النظام الكوني بحد ذاته، وتتطور مع اكتشافنا المزيد من الأشياء الجديدة، وبدلا من أن تختفي تفسيراتنا، بقي أفضل ما يفسر لنا لماذا بقيت الأشياء على الحال التي كانت عليه: تلك النار عند بداية الكون. 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (cosmic microwave background): أو اختصاراً CMB، وهو الإشعاع الحراري الذي خلفه ورائه الانفجار العظيم، وهي موجودة في كل الاتجاهات بالكثافة نفسها، وتعادل درجة حرارة 2.725 درجة كلفن.
  • المادة المظلمة (Dark Matter): وهو الاسم الذي تمّ إعطاؤه لكمية المادة التي اُكتشف وجودها نتيجة لتحليل منحنيات دوران المجرة، والتي تواصل حتى الآن الإفلات من كل عمليات الكشف. هناك العديد من النظريات التي تحاول شرح طبيعة المادة المظلمة، لكن لم تنجح أي منها في أن تكون مقنعة إلى درجة كافية، و لا يزال السؤال المتعلق بطبيعة هذه المادة أمراً غامضاً.
  • الطاقة المظلمة (Dark Energy): هي نوع غير معروف من الطاقة، ويُعتقد بأنه المسؤول عن تسارع التوسع الكوني.
  • الانفجار العظيم (Big Bang): نموذج للكون مقبول بشكلٍ واسع، ويفترض هذا النموذج أن التوسع المرصود للكون بدأ منذ 13.7 مليار عام عندما كان الكون ساخن جداً وكثيف جداً. يقوم هذا النموذج وبشكلٍ ناجح بتفسير الخلفية الكونية الميكروية ونسبة الهيدروجين، والهليوم، والعناصر الخفيفة الأخرى، بالإضافة إلى توسع الكون.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات