الغرافيتونات (Gravitons) هي جسيمات صغيرة تحمل "قوة" الجاذبية. وهي ما يعيدك إلى سطح الأرض عندما تقفز. إذاً لماذا لم يسبق لنا رؤيتها، ولم هي معقدة جداً لدرجة إننا بحاجة إلى نظرية الأوتار (string theory) لفهمها؟
الفوتونات، الغلونات والغرافيتونات
ينبعث الضوء إلينا على شكل موجات، وقد علمنا ذلك منذ زمن بعيد. وفي الواقع، أصابت الحقيقة القائلة بأن الضوء جسيم أيضاً الجميع بالصدمة، ولكننا تأقلمنا مع ذلك. وما يتم تجاهله غالباً من القصة هو أن الضوء ليس فقط طريقة لنمتع أعيننا، فالفوتونات ليست مجرد جسيمات تصطدم بشبكية العين، ولكنها أجسام عديمة الكتلة تمنحنا قوة مدروسة أخرى هي القوة الكهرومغناطيسية.
يعلم العديد منكم أنه عندما يصطدم فوتون ذو طاقة معينة بذرة ما، فإن إلكترونات هذه الذرة الخارجية تقفز إلى مدار أعلى. وعندما يعود الإلكترون إلى المدار الأدنى، فإنه يصدر ذلك الفوتون مرة ثانية. وتفسر هذه العملية سبب توهج الأشياء، وتفسر أيضاً لماذا تشع بألوان معينة فقط، حيث يجب أن يمتلك الفوتون طاقة معينة ليجعل الإلكترون يقفز، وهذا يترجم إلى طول موجي معين، وبدوره إلى لون معين.
وعندما ننظر إلى هذه العملية بشكل أعمق، يمكننا رؤية ماهي هذه الفوتونات حقاً، إذ إنها الجسيمات التي تدفع الإلكترونات والتي تحمل "القوة" الكهرومغناطيسية. وبالطبع، ليست الفوتونات الجسيمات الوحيدة التي تحمل القوة، إذ تحمل الجسيمات التي تدعى بالغلونات القوة النووية الشديدة، التي تربط الفوتونات مع بعضها في النواة الذرية.
ما ندعوه بـ "القوة" على المستوى الكلي تبدو أنها تنتقل من خلال الجسيمات في المستوى الميكروي، ويجب أن يكون الغرافيتون أحد هذه الجسيمات. تكمن مشكلة الغرافيتونات -أو بشكل أدق أول هذه المشاكل في الغرافيتونات- في أنه ليس من المفترض أن تكون الجاذبية قوة على الإطلاق.
وتشير النسبية العامة (General relativity) إلى أن الجاذبية هي انحناء في نسيج الزمان، وهي تسمح بوجود الأمواج الثقالية (gravitational waves). ومن المحتمل أن تأتي هذه الأمواج عند أطوال موجية معينة مثل الفوتونات، وبالتالي يمكن أن تكون غرافيتونات.
الغرافيتونات ونظرية الأوتار
يعلم العلماء عدة أشياء عن الغرافيتونات حتى من دون رصدها، فهم يعلمون أنه لا بد أن تكون عديمة الكتلة، لأن الجاذبية قوة ضمن نطاق لانهائي. ويجعلها هذا الأمر عملياً "بوزونات عيارية" gauge bosons، ويصنفها برفقة الفوتونات والغلونات. ويعلمون كذلك أن الغرافيتونات تمتلك سبينين اثنين (spin) أو "عزم الدوران الذاتي"، مما يجعلها فريدة ضمن الجسيمات.
وتعني تلك السمات مجتمعة، أنه في حال تمكن العلماء من معرفة حدث يتضمن جسيماً غامضاً عديم الكتلة ويتمتع باثنين من السبينات، عندئذ، لا بد من أنهم ينظرون إلى غرافيتون.
ولكن بالرغم من ذلك، توجد مشكلة كبيرة، ولكي نفهمها ينبغي علينا العودة إلى الفوتونات والإلكترونات. عندما يهبط إلكترون من مستوى إلى آخر، فإنه يصدر فوتوناً. وعندما يسقط ذلك الفوتون، أو يتحرك، فإنه لا ينتج فوتوناً آخر. وبالتالي، تنتج حركة الإلكترونات الفوتونات، ولكن لا تنتج حركة الفوتونات المزيد منها.
وثمة حالات يمكن أن تفعل فيها الفوتونات أشياء غريبة، إذ بوسعها الانشطار إلى ثنائيات إلكترون وبوزيترون، ما ينتج المزيد من الفوتونات، ومن ثم تتحد لتصبح فوتوناً من جديد. وعلى الرغم من أن هذا الاندفاع من الجسيمات يمكن أن يصبح محموماً، فإنه لا ينتج سلاسل متفرعة ولانهائية من الفوتونات. ولهذا السبب يمكن أن تصبح تفاعلات الفوتونات والإلكترونات طبيعية مرة ثانية، ويمكن أن تكون غريبة ولكن لا يمكن أن تصبح لانهائية.
وبطبيعة الحال، الغرافيتونات ليست طيّعة، ففي حين تُنتج الفوتونات من خلال الحركة في الإلكترونات، فإن الغرافيتونات تنتج بواسطة الطاقة والكتلة. وتعد الغرافيتونات عديمة الكتلة ولكنها تحمل طاقة، وهذا يعني أنه بوسع الغرافيتون الواحد أن ينتج المزيد من الغرافيتونات.
وعلى غرار الجسيمات الكمومية الأخرى، يمكن أن تحمل الغرافيتونات الكثير من الطاقة عندما تُحصر في حيز صغير. ويحصر الغرافيتون في مساحة صغيرة عندما يدفع غرافيتون غرافيتوناً آخر نحو الخارج.
وفي تلك اللحظة، يكون هناك غرافيتونان في مكان ضيق بجانب بعضهما. ويجعل ذلك المقدار الهائل من الطاقة الغرافيتون الجديد ينتج غرافيتوناً آخر. وبالتالي، فإن هذه الحلقة اللانهائية من إنتاج الغرافيتونات تجعلها غير مستقرة.
تُستَحضَر نظرية الأوتار في هذه الحالات، لأن الغرافيتونات غير القابلة للاستقرار هي نقاط. وتعد الأوتار أطول من النقاط، لذلك فإن تكوين هذه الغرافيتونات الوترية ليس أمراً محصوراً في الزمان والمكان. وتمنع مساحة التذبذب الصغيرة من أن تكون عملية خلق الغرافيتونات ذات طاقة عالية بحيث يتطلب الأمر خلق غرافيتون آخر ويجعل النظرية غير مستقرة.
كيف يمكن أن نجد الغرافيتونات؟
توجد منشآت تبحث عن أمواج الجاذبية (gravity waves)، ولكن أكثر مكان يعد بالعثور على الغرافيتونات هو مصادم الهادرونات الكبير LHC. وبالدرجة الأولى، ستبحث سيرن CERN عن شيء غير موجود، وكذلك يجب أن تتم موازنة تصادمات الجسيمات. وعند فحص تصادم ونتائجه، فيجب الأخذ بعين الاعتبار كلاً من العزم والكتلة والطاقة والسبين. وبالطبع، لا يمكن أن يكون هناك كتلة تذهب في اتجاه معين من دون وجود كتلة مماثلة تتجه في الاتجاه المعاكس.
ما يعقّد الأمر هو أن الغرافيتونات يمكن أن تكون منطوية في أبعاد أخرى. وربما هذا هو سبب عدم تمكننا من رؤيتها إلى الآن. ما سيبحث عنه العلماء في سيرن هو ثقب، بدلاً من الغرافيتون. وينبغي أن يكون هناك عدم توازن غريب في الطاقة والعزم بعد حدث ما.
وأيضاً، يجب أن تعادل الطاقة والعزم تلك التي يمتلكها غرافيتون هارب- والمقصود هنا غرافيتون توهج لفترة قصيرة قبل أن يتجه في بعد آخر. وينبغي الاعتراف بحقيقة أنه ثمة أبعاد يمكن أن تظلل اكتشاف الغرافيتونات.