قلب سديم

تقطن عدة ملايين من النجوم الشابة بالقرب من منطقة شديدة التوهج لتوليد النجوم تُعرف باسم "دورادوس 30" (30 Doradus)، وبموقعها على بعد 170 ألف سنة ضوئية عنا في قلب سديم الرتيلاء، تُعتبر دورادوس 30 جزءاً من سحابة ماجلان الكبرى (مجرة صغيرة تتبع مجرتنا درب التبانة)، وتعد أكثر مناطق "تشكّل النجوم" توهجاً في مجرة مجاورة، وهي موطن أكثر النجوم كتلة من تلك التي رُصدت حتى اليوم، ولا توجد أي منطقة تشكل نجوم معروفة داخل مجرة درب التبانة بخصوبة أو حجم دورادوس 30.


ربما اتّقدت ولادة النجوم الكثيفة في دورادوس 30 جزئياً بفعل قربها من سحابة ماجلان الصغرى المصاحبة للمجرة المضيفة لها، حيث تُدرّ دورادوس 30 النجوم بوتيرة مطّردة على مرّ ملايين السنين، وتُظهر صورة هابل هذه مراحل ولادة النجوم، إبتداءً من نجوم وليدة لم يتجاوز عمرها بضعة آلاف من السنين ولم تزل ملفوفة بشرانق الغاز، إلى وحوش تموت في شبابها بفعل انفجارات السبورنوفا.


تُظهر عمليات الرصد من هابل عناقيد نجمية بأعمار متنوعة، تتراوح بين 2 مليون و25 مليون عام، حيث كوّنُ هذه النجوم مجتمعة كتلة من المواد أكبر بملايين المرات من كتلة الشمس، وتحوي دورادوس 30 أحد أسرع النجوم دورانًا وأسرعها حركة فيما تم رصده حتى الآن.


يحتوي قلب المنطقة اللامع على عنقود نجمي ضخم يُدعى (NGC 2070)، يبلغ عمره نحو 2 إلى 3 مليون عام فقط، ويقطن فيه نحو 500 ألف نجم. يعد العنقود مرتعاً للنجوم الشابة عالية الكتلة، وترتصّ في نواته الكثيفة المعروفة باسم (R136) عدة عشرات من أكثر النجوم المعروفة ضخامة، تفوق كتلة كل منها 100 ضعف كتلة الشمس وتفوق حرارتها 10 أضعاف حرارة الشمس. ويعتبر العنقود أيضاً ملجأً لبضعة آلاف من النجوم الأصغر.


لم ترضخ هذه المنطقة لتحليلها من عمليات الرصد الأرضية لسنوات عديدة، بسبب ضعف دقة المنشآت المستعملة، حتى أنه تم سابقًا اقتراح أنها قد تكون نجمًا ضخمًا واحدًا بكتلة تقارب 3000 كتلة الشمس، إلى أن أوضحت الصور عالية الدقة أنها تتكون من العديد من النجوم الأصغر حجما.
تنحت النجوم الأكبر كتلة فجواتٍ عميقة في المواد المحيطة بها، عبر إطلاقها سيلاً من الأشعة فوق البنفسجية، فيزيح هذا الضوء بعيداً سحابة غاز الهيدروجين المُغلِّفة حيث ولدت النجوم، وتُظهر صورة هابل هذه مناظر خلابة للأعمدة والتلال والوديان. وإلى جانب نحت التضاريس الغازية، ربما تتسبب النجوم اللامعة بإنشاء الجيل التالي من النجوم، فعندما تضرب الأشعة فوق البنفسجية جدراناً كثيفة من الغاز، ستتسبب في صدماتٍ قد تُولّد بدورها موجة جديدة من الولادة النجمية.


تُعتبر دورادوس 30 "حجر الرشيد" لفهم المناطق الكثيفة لتشكل النجوم، ومع أن عددًا من المجرات الصغيرة الأخرى لديها عمليات ولادة للنجوم أكثر اذهالاً، إلا أن دورادوس 30 قريبة من الأرض بما يكفي لدراسة محتواها النجمي وهياكلها السديمية بالتفصيل، إذ يستطيع علماء الفلك باستخدام هابل تحديد نجوم بمفردها، مم يؤمّن معلومات هامة عن عملية ولادة وتطور النجوم. درست إيلينا سابي (Elena Sabbi) من معهد علوم تلسكوب الفضاء (Space Telescope Science Institute) كيفية تنقل تشكل النجوم على امتداد المنطقة، ويقوم أيضاً دانيل لينون (Daniel Lennon) من المركز الأوروبي لعلوم الفلك (European Space Astronomy Centre) في إسبانيا بحساب اتجاهات الحركة للنجوم كبيرة الكتلة الهاربة بعيداً، باحثاً بالأخص عن أصول النجوم الضخمة التي قُذفت من (R136).


تعتبر مناطق مثل دورادوس 30 أحد المساهمين الحيويين في تطور المجرات وحتى الحياة، لأن النجوم عالية الكتلة تولف العديد من العناصر الكيميائية الأثقل في الأفران النووية وانفجارات السوبرنوفا النهائية، فالإنفجارات تفرق العناصر الثقيلة إلى الوسط بين النجمي حيث تنشأ النجوم والأنظمة الكوكبية الجديدة من المادة المُعززة.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

المساهمون

اترك تعليقاً () تعليقات