فريق مهمة جونو التابع لناسا يستعد لبدء العملِ مع تبقي سنة واحدة على الوصول إلى المشتري

مع تبقي سنة واحدة فقط على وصول المركبة إلى كوكب المشتري ضمن الرِحلة التي بدأت قبل أربعِ سنوات، يستمر فريق مهمة مسبار جونو Juno التابعِ لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا بِبذل جهود جبارة في الإعداد لرحلة المركبة الفضائية إلى عملاق المجموعة الشمسية. هذا وتهدف المهمة إلى الكشف عن القصة الكاملة وراء تشكلِ كوكب المشتري، ومعرفة التفاصيلِ المتعلقة بتركيبته الداخلية، حيث ستقدم البيانات التي سيحملها لنا مسبار جونو تصوراتٍ حول بِدايات تشكّلِ مجموعتنا الشمسية. إضافة إلى هذا، سيتمكّن العلماء من زِيادة فهمهم لطبيعة الكواكب العملاقة التي تدور حول النجوم الأُخرى وذلك من خلال الأمور الكثيرة التي سيتم الكشف عنها في هذه الرِحلة.

هذا ومن المُقرر أن يصل مسبار جونو إلى كوكب المشتري في الرابعِ من شهرِ يوليو/تموز، 2016 (حسب توقيت المحيط الهادئ الصيفي). وحالما يستقر جونو في مداره حول الكوكب فإنه سيواجه مخاطر الإشعاعِ الشديد والعنيف الصادرِ من المشتري أثناء اقترابه ضمن مسافة بِضعة آلاف من الأميال، أو الكيلومترات، من غيوم الكوكب بِهدف جمعِ البيانات والمعلومات.
صورة لكوكب المشتري كما ظهرت في ضوء الأشعة ما تحت الحمراء حيث التقطت بواسطة منشأة تلسكوب الأَشعة ما تحت الحمراء التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية، ناسا. وقد تم تنفيذ عمليات الرصد هذه في إطار الدعم المقدم لمهمة مسبار جونو التابعِ لناسا. <br /> Credits: NASA/JPL-Caltech
صورة لكوكب المشتري كما ظهرت في ضوء الأشعة ما تحت الحمراء حيث التقطت بواسطة منشأة تلسكوب الأَشعة ما تحت الحمراء التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية، ناسا. وقد تم تنفيذ عمليات الرصد هذه في إطار الدعم المقدم لمهمة مسبار جونو التابعِ لناسا.
Credits: NASA/JPL-Caltech
تظهر هذه الصورة المتخيلة مركبة جونو التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا وهي تحلق قريباً من كوكب المشتري. حقوق الصورة: ناسا / مختبر الدفع النفاث - معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا<br /> Credits: NASA/JPL-Caltech
تظهر هذه الصورة المتخيلة مركبة جونو التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا وهي تحلق قريباً من كوكب المشتري. حقوق الصورة: ناسا / مختبر الدفع النفاث - معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا
Credits: NASA/JPL-Caltech

يُعتبر مسبار جونو المهمة الأولى من نوعها المكرّسة لدراسة التركيبة الداخلية للكوكب العملاق حيث سينفذ المسبار هذه الدراسة عبر رسم خرائط للحقول المغناطيسية وحقول الجاذبية لهذا الكوكب. كذلك ستقوم المهمة بوضعِ خرائط لمدى وفرة بخارِ الماء في الغلاف الجوي للمشتري، ما سيمنح العلماء الفرصة لتحديد أي النظريات العديدة التي وضعوها لتفسيرِ تشكّلِ الكوكب هي الأقرب للصواب. إضافةً إلى هذا، سيقوم جونو بزِيارة المنطقة الواقعة فوق قطبي الكوكب والتي لم يتم استكشافها من قبل حيث سيقوم بالتقاط أولى الصور لها، إلى جانب جمعِ بياناتٍ ومعلوماتٍ حول القوى الكهرومغناطيسية والجسيمات عالية الطاقة (high-energy particles) المتواجدة في بيئة المشتري.

على الرغم من قيام مركبة أخرى بِزيارة كوكب المشتري من قبل، إلا أن الفضاء المحيط بالكوكبِ لا يزال مليئاً بالأمورِ الغامضة، خاصة في المناطقِ الواقعة فوق القطبين. لذا، وبِأخذ مثل هذه التحديات بِعينِ الاعتبار، كان فريق مهمة مسبار جونو مشغولاً بِالعملِ على ضبط خطة التحليقِ الخاصة بالمهمة بالشكلِ الأمثل.
 
يقول سكوت بولتون Scott Bolton، الباحث الرئيسي في مهمة جونو في معهد البحوث الجنوبي الغربي Southwest Research Institute، ﺳﺎﻥ ﺃﻧﺘﻮﻧﻴﻮ: "لقد قطعنا بِالفعلِ أكثر من 90% من المسافة الكلية إلى المشتري". ويضيف سكوت: "مع تبقي سنة واحدة على اكتمال الرِحلة، فإننا نقوم بالاطلاعِ على خططنا ودراستها بِشكلٍ دقيق، وذلك للتأكد من أننا على أتمّ الاستعداد لكي نحقق الاستفادة القصوى من وقتنا حال وصولنا إلى الكوكب".

من جهة أُخرى، وافقت ناسا مؤخراً على التغييرات المُزمعِ تنفيذها على خطة التحليق فوق المشتري بعد قيام فريقِ مهمة جونو بِتنفيذ عملية تحليلٍ مفصلةٍ حول هذا الموضوع. وحسب هذه التعديلات سيقوم مِسبار جونو بإكمال دورةٍ واحدةٍ حول المشتري كل 14 يوماً عوضاً عن 11 يوماً والتي كانت مُقررةً سابقاً. وسوف يتم تحقيق هذا الاختلاف في فترة الدوران حول الكوكب من خلال قيام مسبار جونو بتنفيذ تشغيلٍ أقصر للمحرك عما كان مقرراً سابقاً.

من خلال هذا التعديلِ في وتيرة استخدام المحرك، سيتمكن مسبار جونو من تشكيلِ خرائط للحقول المغناطيسية وحقول الجاذبية الخاصة بالمشتري ما سيزودنا بِنظرةٍ شاملةٍ على الكوكب في مرحلةٍ مبكرةٍ من المهمة، وهو أمر لم يكن بِالإمكان أن يتم لو اتبع المسبار الخطة الأصلية. وعبر دخوله ضمن مدارات متعاقبة، سيتمكن جونو من تشكيلِ شبكة افتراضية حول المشتري، كما سيعمل على إنشاء خرائط للمجالات المغناطيسية وحقول الجاذبية أثناء عبوره فوق خطوط طول مختلفة من الشمال إلى الجنوب. من جهة أخرى، لو أنّ مسبار جونو اتبع الخطة الأصلية للرِحلة لكان عليه أن يقوم بالدخول في 15 مداراً فوق الكوكب لكي يتمكن من وضعِ خرائط شاملة لهذه القوى، مع تنفيذ 15 مداراً إضافياً لملء الفجوات بِهدف إتمام الخريطة. لكن وفق الخطة المعدلة، سيتمكن جونو من تنفيذ عملية رسم خرائط أساسية جداً عبر الدخول في ثمانية مدارات فقط. إضافة إلى هذا، سيتم إضافة مستوىً جديد من التفاصيلِ مع كل عملية مضاعفة متعاقبة لعدد المدارات، حيث سيصبح الرقم 16 ثم 32 مداراً.

هذا وسيوفر المدار الأطول قليلاً بِضعة أيام إضافية بين كل عملية اقتراب وأخرى من الكوكب، ما سيسمح لفريقِ المهمة بالاستجابة للظروف غيرِ المتوقعة التي قد تواجهها المركبة الفضائية في البيئة المعقدة القريبة من المشتري.

يقول بولتون: "لدينا نماذج تخبرنا عما يمكن أن نواجهه في هذه الرِحلة، لكن الحقيقة أن جونو سيكون مغموراً في حقلٍ مغناطيسيٍ قوي جِداً ومتباين، وسيتعرض كذلك لإشعاعات خطيرة، كما سيكون المسبار أقرب إلى الكوكب من أي مركبة فضائية مدارية سابقة"، ويضيف: "قد تكون تجربة جونو مختلفة عما يمكن أن تتنبأ بِه نماذجنا، وهذا ما يجعل من استكشاف الفضاء أمراً ممتعاً ومثيراً للاهتمام".
 
وبناءً على الخطة المعدلة، سيتم تمديد رِحلة جونو إلى المشتري بنحوِ 20 شهراً عوضاً عن المدة المحددة سابِقاً والتي كانت 15 شهراً فقط. كما ستقوم المركبة الفضائية بإتمامِ 32 مداراً حول الكوكب عوضاً عن 30 مداراً. لكن تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الوقت الإضافي الذي تسببه الخطة المعدلة لا يمثل إضافة علمية للمهمة، بل هو ناتج عن الفترة المدارية الأطول والتغيير الحاصلِ في الطريقة التي يقوم فيها جونو ببناء الشبكة الافتراضية حول المشتري. بهذا، سيستغرِق جونو فترة أطول لجمعِ كاملِ البيانات التي تسعى المهمة للحصول عليها، لكنه سيحصل على نسخة ذات دقة منخفضة من الصور النهائية في وقت مبكرٍ من الرِحلة على عكسِ ما تم التخطيط له في الخطة الأصلية.

من جهتها، وافقت ناسا مؤخراً على التغييرِ المقترحِ في المدار الأولي للمركبة الفضائية بعد الوصول إلى المشتري، ويطلق عليه تسمية مدار الالتقاط (capture orbit). وحسب الخطة المعدلة، سيتم تقسيم مدار الالتقاط البالغ طوله 107 أيام، والذي كان جزءاً من الخطة الأصلية، إلى مدارين.

سوف يقدم هذا التوجه الجديد الفرصة لفريقِ مهمة جونو لكي يحصل على معاينة سريعة للنشاطات العِلمية الخاصة به، ما سيمكن أعضاء الفريقِ من اختبارِ المعدات العلمية الموجودة على متنِ المركبة الفضائية خلال اقترابها من كوكب المشتري قبل البدء بالمرحلة العِلمية الفعلية. من جهة أخرى، اشتمل السيناريو الأصلي للرِحلة على قيام مسبار جونو بتخفيف قوة المحرك الخاص به لكي يتمكن من الدخول بسهولة في مدار حول المشتري، ويلي ذلك مرحلة اشتعال أخرى للمحرك بعد 107 أيام حيث ينتج عن هذا دخول المركبة الفضائية في مدارٍ علمي مدته 11 يوماً. وحسب التصميمِ المحدث لهذه الرِحلة، سيقوم جونو بتحليقٍ تدريبيٍ فوق المشتري يتم خلاله تشغيل المعدات العلمية التي يحملها المسبار وذلك بعد 53 يوماً ونِصف من عملية تشغيلِ المحرك الأولى التي سمحت لجونو بالدخول في مدارٍ حول الكوكب. بعد هذا التحليقِ التدريبي سيدخل جونو في مدارٍ آخر طُوله 53 يوماً ونصف قبل أن تبدأ مرحلةُ تشغيلِ المحرك النهائية والتي ستسمح للمسبار بالاستقرارِ أخيراً في مداره العلمي الجديد البالغِ 14 يوماً.

وإلى جانب الاستعدادات الهائلة التي تمت على المستوى الهندسي، يقوم فريق جونو العلمي حالياً بالإعداد لعملية جمعٍ للبيانات القيمة حول طبيعة النشاط الذي يحصل داخل الكوكب العملاق. ومن بين الأمور المهمة التي يشتمل عليها هذا العمل العلمي الأساسي جمع الصورِ والأطياف التي يتم الحصول عليها من التلسكوبات الأرضية القوية وتلسكوب هابل الفضائي Hubble Space Telescope التابع لناسا (تعمل الأطياف كبصمات كيميائية للغازات في الغلاف الجوي). الهدف من هذه البيانات هو توفير صورة واضحة عن المراقبات التي أجراها جونو عن قرب لكوكب المشتري، وهي مهمة لأنها ستساعدنا على تفسيرِ ما ستراه المعدات الموجودة على متنِ المركبة الفضائية.
 
لقد بدء العد التنازلي لعملية وصول المركبة إلى المشتري، ويعي فريق جونو تماماً أنهم يقتربون من الكوكب بسرعة كبيرة ما يجعلهم أكثر حماسة مع مرور الوقت.

يقول رِيك نايباكين Rick Nybakken، مدير مشروع جونو في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا، باسادينا – كاليفورنيا: "لقد كانت رِحلة مليئة بالعمل والنشاط، لكنها سمحت لفريقنا باكتساب خبرة قيمة فيما يتعلق بالتحكمِ بالمركبة الفضائية، وعملت على تعزيزِ ثقتنا بالتصميمِ الذي وضعناه لمسبار جونو"، ويضيف: "لقد حان الوقت الآن للاستعداد للقاءالمشتري".

تُعتبر جونو المهمة الثانية التي يتم اختيارها كجزء من برنامج آفاق جديدة New Frontiers التابع لناسا والمتعلق بمهمات المركبات الفضائية المعتادة ذات الفئة المتوسطة التي تركز على مبادرات الاستكشاف ذات الأولوية العالية في المجموعة الشمسية. من ناحية أخرى، تعد مهمة مركبة الفضاء نيو هورايزنز New Horizons التابعة لناسا أولى مهمات برنامج آفاق جديدة، حيث ستصل هذه المركبة قريباً إلى بلوتو. هذا وسيشهد عام 2016 إطلاق المهمة الثالثة في هذه السلسلة وهي مهمة أوسيريس-ريكس OSIRIS-REx، وهو مستكشف الأصول، ومفسر الأطياف، ومحدد الموارد والأمان والثرى (The Origins, Spectral Interpretation, Resource Identification, Security, Regolith Explorer ).

من جهته يتولى مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory التابع لوكالة ناسا في باسادينا، كاليفورنيا إدارة مهمة جونو لصالح الباحث الرئيسي المسؤول عن المشروع وهو السيد سكوت بولتون من معهد البحوث الجنوبي الغربي، ﺳﺎﻥ ﺃﻧﺘﻮﻧﻴﻮ. كما يخضع برنامج آفاق جديدة لإدارة مركز مارشال لبعثات الفضاء Marshall Space Flight Center التابع لناسا في هانتسفيل، ولاية ألاباما. أما المركبة الفضائية فقد تولت بناءها شركة لوكهيد مارتن لأنظمة الفضاء Lockheed Martin Space Systems في مدينة دِنفر، في حين يعتبر مختبر الدفع النفاث أحد الأقسام التابعة لمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات