2015: عام ناسا للكواكب القزمة

كان المسباران الفضائيان الفجر (Dawn) وآفاق جديدة (New Horizons) معاً في رحلة مشتركة دامت 17 عاماً. إحداهما بقي قريب من الأرض، والآخر ابتعد إلى مواقع لا نعلم الكثير عنها في النظام الشمسي. يشتركان الآن نفس الوجهة هذا العام: الكواكب القزمة.

و أثناء مغادرة مسباري ناسا الفضائيين، فقدَ سيريس حالاً تسميته بوصفه أكبر كويكب في نظامنا الشمسي، حيث حصل عليها بلوتو: الكوكب التاسع في النظام الشمسي. كلا المسباران يعملان الآن على تقديم بيانات ورؤى جديدة يمكن أن تقود إلى مراجعة أخرى لمفهوم الكوكب.

وبالتأكيد (عام ناسا للكواكب القزمة) ليست تسمية رسمية، وممثلو وكالة ناسا سيكونون سريعين لإبراز أهمية عشرة بعثات أو حتى أكثر خلال العام 2015. ومع ذلك فإن هاتان البعثتان قد تحددان مصير الملايين من الأجسام الصغيرة أو أكثر في مجرتنا درب التبانة.

إذا درسنا (سيريس) و (بلوتو) عن قرب –مع الأخذ بعين الاعتبار أن نجاح المهمات ليس شيئاً مؤكداً دائماً- ما سنلاحظه عندها قد يقود إلى تعريفات جديدة مقبولة ومؤكدة لكل من الكواكب، والكواكب القزمة، وربما غيرها من التعاريف الجديدة.

أصبحت (نيو هورايزونز) أول مهمة لناسا في برنامجها الجديد (حدود جديدة) الذي بدأ تطويره في العام 2001. اُطلقت المركبة بتاريخ 19 كانون ثاني/يناير من عام 2006 على متن صاروخ أطلس V 551، وباستخدام إلكترونيات أقل وزناً وأصغر حجماً من تلك التي استعملت خلال المهمات السابقة إلى الكواكب الخارجية –بيونير 10 و11، وفوياجر 1 و 2– حيث أدّت عوامل خفة الوزن مع وجود مركبة إطلاق قوية، بالإضافة إلى مساعدة دفع جاذبية من المشتري، إلى رحلة تستغرق 9 سنوات.

في السادس من كانون أول/ديسمبر من العام 2014، استيقظ المسبار نيو هورايزونز من سباته للمرة الاخيرة وتم تشغيله استعداداً لمقابلة بلوتو.

موعد وصول نيو هورايزونز هو 14 تموز/يوليو 2015، و بينما لا يزال هناك أكثر من 240 مليون كيلومتر (150مليون ميل) للوصول إلى بلوتو، سُمح للتلسكوب Long Range Reconnaissance Imager (LORRI) بالبدء في المشاهدات. وقد أُخذت أولى الصور شبه النجمية عندما كان المسبار في حزام الكويكبات عام 2006.

كان يُعتبر بلوتو الكوكب التاسع في النظام الشمسي منذ أن اكتشفه كليد تومباو Clyde Tombaugh عام 1930، وبقي يعتبر كذلك حتى عام 2006، حيث قام في هذا العام الاتحاد الدولي للفلك بالتصويت على مفهوم الكوكب. لقد حدث التغيير بعد انطلاق المسبار نيو هورايزونز بثمانية أشهر. لذلك كان بعض علماء المهمة متضايقين بسبب هذا التغيير، وعلى رأسهم الباحث دكتور آلان ستيرن Alan Stern من معهد البحوث الجنوب الغربي في سان أنطونيو-تكساس، حيث شعروا وكأن البساط سحب من تحت أقدامهم.

وتلا ذلك معركة مهذبة بين معارضة أنصار الدكتور ستيرن والدكتور مايكل براون Michael Brown من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. في عام 2001 اكتشف فريق الدكتور بروان أجسام حزام كويبر (أجسام عابرة لمدار نبتون) والتي تقارب حجم بلوتو. وهكذا بدا بلوتو فجأة كواحد من العديد من الأجسام الصغيرة، التي قد يبلغ تعدادها بالتريليونات فقط في مجرتنا.
تبعاً للدكتور براون قد يكون هناك حوالي مائتان من الأجسام في نظامنا الشمسي الشبيهة ببلوتو، وطبقاً للتعريف القديم للكوكب فإنها تعتبر كواكباً.
كان عمل الدكتور براون هو القشة التي قصمت ظهر البعير، والذي أدى إلى إعادة تعريف الكوكب. وهكذا كتب الدكتور براون القادم من هانتسفيل ألاباما كتابه الشهير: كيف قتلت بلوتو، وما السبب في ذلك.


قصة الدكتور ستيرن حول بلوتو وأبحاث الكواكب قصةٌ طويلة ومتعرجة أكثر. كان ستيرن المدير التنفيذي لقسم علوم وهندسة الفضاء في معهد البحوث الجنوب الغربي، ثم تسلّم منصب المدير المساعد لإدارة المهام العلمية لناسا في عام 2007. ومن الواضح بعد مرور رحلة تسعة سنوات، فإن ستيرن ملتزم تماماً للمقابلة القريبة بين المسبار نيو هورايزونز وبلوتو. و سوف يتم إدراج المزيد من أوصاف بطلي النقاش حول بلوتو في متابعة لهذه القصة.

قام كل من مختبر الدفع النفاث JPL ومؤسسة العلوم المدارية بتطوير مسبار الفضاء داون Dawn، الذي بدأ رحلته إلى حزام الكويكبات بتاريخ 27 سبتمبر/أيلول 2007 والذي استعان بدفع جاذبية كوكب المريخ له. أمضى المسبار داون 14 شهراً في مسح الكويكب فيستا رابع أكبر الكويكبات في الحزام الرئيسي (على افتراض أن سيريس ما زال يعتبر الأكبر). وبينما قطع المسبار نيو هورايزونز مسافة 30 وحدة فلكية –و هي مسافة تعادل 30 مرة ضعف المسافة من الأرض إلى الشمس- بقي المسبار (داون) أقرب و احتاج إلى أكثر بعض الشيء من وحدتين فلكيتين ليصل فيستا، وثلاث وحدات فلكية ليصل سيريس.

كانت مهمة المسبار داون واضحة الهدف، وهو الوصول إلى اثنين من الكويكبات في الحزام الرئيسي بين المريخ والمشتري وإكمال المدار بجانبهما. أُرسِل داون أيضاً وهو معبّأ بحزمة الجيل القادم من الدفع الأيوني الذي أُثبتت فعاليته جيداً، حيث استُخدم للمرة الأولى لإتمام مدار كامل. يبدو الأمر سهلا، أليس كذلك؟ لكن ليس بهذه السرعة.
مر المسبار داون بعدة مراجعات حاسمة لتصميمه خلال التطوير: إعادة تعريف الكوكب أعطت لهدفه الثاني -الكويكب سيريس- مكانة جديدة. بينما تم تخفيض رتبة بلوتو، تمت ترقية رتبة سيريس: من وضعه الجدلي بكونه أكبر الكويكبات -أي الحطام ومجرد البقايا التطورية لنظامنا الشمسي- أصبح يعتبر كوكباً قزماً. حتى بالنسبة لفيستا فهي تصنف الآن كوكباً أولياً.

إن الأجواء مهيأة الآن ليصل داون إلى الكوكب القزم سيريس في نيسان/أبريل. ومع جسم صغير قليل الجاذبية ودفع أيوني، سيكون الوصول حذراً وبطيئاً. إذا نجحت المهمتان وحققت أهدافها، عندها سيكون عام 2015 عاماً محورياً في مناقشة وتصنيف الأجسام غير النجمية في الكون.

فقط قبل بضعة أيام في مؤتمر الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي في سان فرانسيسكو، وصف الدكتور ستيرن وفريقه الوضع بمزيد من التفاصيل حول أهداف نيو هورايزونز. اكتشف منذ وصوله العديد من أقمار بلوتو. هناك احتمال أن حلقات باهتة موجودة، وبلوتو ربما يحتوي بداخله على محيط بسبب قوى المد والجزر المؤثرة عليه من أكبر أقماره شارون. علماء داون شهدوا آفاق التغيير لسيريس، و ليس توضّعه فحسب، حيث أن صور تلسكوب هابل الفضائي تُظهر بقعاً لامعة لسيريس والتي قد تكون مخازن مياه متجمدة، أو محيطاً داخلياً.

بدون إغفال مهمات ناسا الأخرى، تعتبر هذه السنة سنة ناسا للكواكب القزمة، ستوفر ناسا للبشرية مواجهتها الأولى مع الأجسام الصغيرة والمستديرة -بفعل الجاذبية الذاتية- الأكثر وفرة في هذا الكون، والتي تسمى الكواكب القزمة Dwarf Planets. لكن اسأل الدكتور ستيرن، والجماهير، والعديد من علماء الكواكب، وستكتشف أن الحكم لم يصدر بعد.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات