في عام 280 قبل الميلاد، لاحظ الرياضي اليوناني إقليدس أن الضوء يسير في خطوط مستقيمة، لكنه اعتقد وغيرُه من العلماء اليونانيين أن الضوء يصدر من العين إلى الأشياء، وهكذا نراها، وأن سرعة الضوء لا نهائية بحيث يتمكن الإنسان لدى فتح عينيه من رؤية النجوم البعيدة في السماء على الفور.
وفي العام الأول قبل الميلاد، لمعت فكرة في ذهن الرياضي اليوناني هيرو السكندري لتفسير سرعة الضوء اللانهائية: عند رمي جسم بشكل أفقي بسرعة منخفضة فإنه يصنع منحنى نحو الأسفل ولا يتحرك بخط مستقيم. ولكن، إذا قمنا برميه بسرعة عالية فإنه سيبدأ الحركة بخط مستقيم لتتناقص سرعته بعدها ويصنع منحنى نحو الأسفل. وهكذا، كلما زادت سرعة الجسم زاد طول الطريق المستقيم الذي يسلكه، وبما أن الضوء يتحرك بخطوط مستقيمة دائمًا نحو أماكن بعيدة للغاية، فلا بد وأنه يتمتع بسرعة لا نهائية.
بقي هذا الافتراض سائدًا حتى عام 1676 حين أوضح الفلكي الدنماركي أوْل رومر باستخدام مواقيت الخسوف المتتالي لأقمار المشتري أن سرعة الضوء يجب أن تكون محدودة.
أما عن كيفية رؤيتنا للأشياء، فكان أول من اكتشفها العالم العربي الموسوعي الحسن ابن الهيثم في نهاية الألفية الأولى للميلاد، حينما وضّح أن الضوء ينبعث من الأجسام في خطوط مستقيمة ويصل إلى عدسة العين، لتُرسم صورة على الشبكية تنتقل من خلال العصب البصري إلى الدماغ، وقد وضّح ذلك في كتابه "المناظر Opticks".
يصلنا الضوء وفق خطوط مستقيمة، لكنه قد يمرّ بالعديد من الظروف التي قد تكسره أو تعكسه، وربما تحني الوسط الذي ينتقل فيه أحيانًا بفعل الجاذبية. إن الضوء باختلاف أنواعه والمراحل التي يمرّ فيه، صلة الوصل الوحيدة بيننا وبين الكون الخارجي، فما هو الضوء؟ وكيف يساعدنا في السفر عبر الزمن؟
الضوء عبارة عن نوع من المادة تحمل صفات الجسم والموجة، فهو يتألف من جسيمات صغيرة يُطلق عليها "الفوتون" تتحرك على شكل موجات تتفاعل كهربائيًّا ومغناطيسيًّا مع بعضها ومع الكون المحيط. لذا، يُعرف الضوء بـ"الموجات الكهرومغناطيسية". من الضوء ما هو مرئيّ لعيننا، ومنه ما هو غيرُ مرئي؛ وهو النسبة الأكبر.
سابقًا، عندما كانت العين الطريقة الوحيدة لرصد الفضاء الخارجي، لم يستطع الإنسان أن يعرف إلا ما يمكن للموجات المرئية الواصلة إليه أن تخبره به. واليوم، مع التلسكوبات المثبتة على كوكب الأرض وتلك التي تدور حوله أصبح بإمكاننا اكتشاف الكثير عن الكون من خلال أنواع مختلفة من الموجات، كالأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية وأشعة غاما وموجات الراديو والأشعة تحت الحمراء.
حاول العلماء قياس سرعة الضوء بدءًا من أوْل رومر الذي حصل على الرقم 214,000,000 كيلومترًا في الثانية، لتليه العديد من المحاولات وصولًا إلى سنة 1983، حين أُعلِن أخيرًا عن القيمة الأدق لسرعة الضوء في الفراغ، وهي 299,792,458 كيلومترًا في الثانية.
نشر أينشتاين في سنة 1905 ورقته "النسبية الخاصة" التي افترض فيها أن سرعة الضوء في الفراغ ثابتة، وأن لا شيء في الكون يتحرك أسرع من الضوء. عمل العلماء على نظرية النسبية الخاصة واستطاعوا إثباتها رياضيًّا. وعلى الرغم من أننا عرفنا لاحقًا أن الكون يتّسع في المسافات الشاسعة بسرعة أكبر من سرعة الضوء، فإن الضوء في الفراغ هو أسرع جسم عرفناه على الإطلاق. وقد استخدم العلماء مصطلح "السنة الضوئية" لوصف المسافة التي يتحركها الضوء خلال سنة على كوكب الأرض، والتي تبلغ 9500 مليار سنة ضوئية.
في سنة 1908، وضع الرياضي الألماني هيرمان مينكوفسكي ملخص اكتشافه لأبعاد الكون الأربعة: منحنى الزمكان. فكوننا يتألف من أبعاد أربعة؛ ثلاثة أبعاد مكانية وبعد رابع يُعرف بـ"الزمن". فالزمن صفة خاصة بكوننا، وهو يختلف عن المكان بأننا قادرين بشكلٍ أو بآخر أن نتحرك في المكان في مختلف الاتجاهات، لكن الزمن يسير نحو الأمام فقط. إلا أنه بفضل سرعة الضوء الفائقة نستطيع كلما نظرنا إلى السماء أن نسافر عبر الزمن:
يبلغ متوسط بُعد الشمس عنا نحو 150 مليون كيلومترًا، وبما أن سرعة الضوء في الفراغ تساوي 300 ألف كيلومترًا في الثانية، فإن ضوء الشمس يستغرق نحو 8 دقائق و20 ثانية لكي يصل إلينا. وبالتالي، فإن بداية شروق الشمس لا تعني أنها أشرقت للتو، إنما تكون قد أشرقت قبل 8 دقائق و20 ثانية.
في كل مرة ننظر إلى الشمس نحن نشاهد كيف كانت قبل عدة دقائق؛ إننا ننظر إلى مكان الشمس في الماضي على الرغم من أنه ماضٍ قريب. ولو قُدّر للشمس أن تنفجر فجأةً، ولو افترضنا جدلًا أننا لن نتأثر بالتغيرات الحاصلة لها، فإننا لن نتمكن من رؤية الانفجار لحظة وقوعه وإنما بعدها بدقائق. فأيًّا كانت الأشعة المنبعثة منها، هي بحاجةٍ إلى زمنٍ لكي تصل إلينا.
إذا كنا نسافر عبر الزمن نحو الوراء 8 دقائق و20 ثانية عند رؤية الشمس، فكم من الزمن نسافر عند رؤية النجوم الأخرى؟
يُعد ألفا سينتوري النجم الأقرب إلى الشمس، وهو نظام نجمي ثنائي مؤلف من نجمين يدوران حول مركز مشترك بينهما يقع في درب التبانة، ويبعد عنا 4.4 سنة ضوئية تقريبًا. عند النظر إليه، نحن نرى كيف كان قبل أربع سنوات و5 شهور تقريبًا.
بما أن العصب البصري لا يستطيع رصد جميع الأطوال الموجية والترددات المختلفة من الضوء، إلى جانب أن العين لا تستطيع التقاط النجوم خارج مجرة درب التبانة، كانت أجهزة الرصد والتلسكوبات وسيلة مذهلة دفعتنا نحو تطور متسارع في فهم الكون ومراقبته. يصل التلسكوب بعدسته للأجرام التي تبعد عنا ملايين السنين الضوئية، مثل مجرة "إن جي سي 1512" NGC 1512 الحلزونية التي رصدها تلسكوب هابل، وتبعد عنا مئة مليون سنة ضوئية. أعتقد أن بإمكانك تخمين عمر الصورة التي رصدها هابل! أجل، إنه يرى كيف كانت قبل مئة مليون عام، أي حينما كانت الديناصورات لا تزال على قيد الحياة!
ربما بسبب حجم الكون الكبير جدًّا، وبسبب أن الضوء هو الوسيلة الوحيدة التي استطعنا من خلالها اكتشاف الفضاء، ليس بإمكاننا رؤية كيف تبدو السماء الآن. نحن نرى المجموعات النجمية والمجرات والكواكب قبل ساعات أو سنين أو حتى ملايين السنين من اللحظة التي نراها فيها، لكن لذلك ميزة هامة أيضًا، فمن خلال رؤية الماضي نستطيع دراسة كيفية تطور الكون.
كلما نظرنا إلى مجرة أبعد، سنرى كيف كانت أو كيف تشكلت في السابق. إننا نراها قديمًا، وربما في بداياتها أو في بداية الكون. وكلما نظرنا إلى مجرات أقرب نراها في عمر أكبر. ومن خلال دراسة الأجرام مختلفة الأعمار، فإننا ندرس كيفية تطور الكون عبر السنين، وصولًا إلى ما نحن عليه الآن؛ هنا في مجرة درب التبانة في مجموعتنا الشمسية، على كوكب الأرض، الذي وحده يمثل لنا تقريبًا هذه اللحظة، أو الآن. في الواقع، إننا أحدث ما استطعنا رصده في الكون الشاسع.
في جملة أخرى: كلما نظرنا أبعد رأينا الأقدم، وكلما نظرنا أقرب رأينا الأحدث.
ماذا عن أقدم ما رصده الإنسان، الأبعد؟
إنه نجم "إيكاروس"، الذي يبعد عنا 9 مليارات سنة ضوئية. من الصعب رصده حتى باستخدام أعظم التلسكوبات والأجهزة الموجودة لدينا، ولكن، بفضل عدسة الجاذبية تمكن تليسكوب هابل من رصده.
تعدّ عدسة الجاذبية Gravitational lensing ظاهرة تحدث بفعل تأثير الجاذبية على الضوء. على الرغم من أن الضوء معدوم الكتلة، فإنه يتأثر بالجاذبية كبقية الأجسام. وبحسب ما توصل إليه ابن الهيثم فإن الضوء يسلك خطوطًا مستقيمة، وكما أثبت إقليدس فإن الخط المستقيم يمثل المسافة الأقصر بين نقطتين، لكن الأمر مختلف بعض الشيء بالنسبة للكون:
لدى مرور ضوء النجم بالقرب من حشد مجرات أو ثقب أسود ودخوله نطاق تأثيرهم الجاذبي، ينحني الضوء بفعل الجاذبية ليسلك خطوط سير مختلفة. وهنا، يرسم الضوء عدة صور للنجم في عدة أماكن. وبما أن الضوء يخبرنا عن مكان النجم، فإننا حين نرى الضوء في مكان بعيد عن خط سيره الأصلي سنرى النجم كذلك في مكان مختلف عن مكانه الأصلي، أو المكان الذي كان فيه حينما أطلق أشعة الضوء تلك.
ما حصل مع ضوء إيكاروس هو التالي: دخل ضوؤه نطاق جاذبية الحشد المجري MACS J1149+2223، الذي يبعد 5 مليارات سنة ضوئية عنا، فانحنى وسلك مسارًا مختلفًا ليمرّ في مكان أقرب إلى عدسات هابل لرصده.
كان ذلك هو النجم الأبعد الذي رُصِده حتى الآن، وكما ذكرنا سابقًا، فإنه يمثل الحدث الأقدم الذي رصدته عدسات هابل. وبالنظر إلى الصورة التالية فإننا نرى ضوءً قد أُرسِل قبل 9 مليارات عام. بحسب وكالة ناسا، كان حجم الكون في ذلك الوقت يمثل 30 بالمئة من حجمه الحالي.
إذن، نحن لا نرى النجم نفسه لكننا نرى موقعه الذي كان فيه حينما أرسل ضوءه الواصل إلينا، وهذا ما يعنيه السفر عبر الزمن نحو الوراء، أو النظر إلى الماضي.
إذا كنا نستطيع النظر إلى الماضي من خلال الضوء الذي يصلنا اليوم من مكان بعيد عنا للغاية، هل باستطاعتنا كذلك النظر إلى المستقبل؟ إذا كانت هناك أجسام تبعث موجات أو مواد مختلفة عن التي عرفناها، وإذا كانت تلك الموجات أو المواد تفوق سرعة الضوء، هل بإمكانها أن تصلنا قبل انبعاثها من الجسم المرسل؟
حسنًا، إنه مجرد سؤال فحسب! وليس هناك أي دليل علمي يثبت ذلك.
المراجع
- "الفضاء العميق: النظر نحو الماضي" لغوفرت شيلينغ
- "هابل يكتشف أبعد نجم على الإطلاق" لكارل هيل على موقع وكالة ناسا الإلكتروني الرسمي
- "ما هي عدسة الجاذبية" لبريان كوبرلين في يونيفرس توداي https://www.universetoday.com/
- "تاريخ البصريات الهندسية" لريتشارد فيتزباتريك على الموقع الرسمي لجامعة تكساس في اوستن
- "كيف تم قياس سرعة الضوء" لجون بايز على الموقع الرسمي لجامعة كاليفورنيا
- "أوْل رومر وسرعة الضوء" على الموقع الرسمي للمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي
- "الأصول التاريخية للزمكان" لسكوت والتر