خمسة أسباب تجعل هذا العام مذهلا على صعيد استكشاف الفضاء

في 14 شباط/فبراير من العام 1990، وحين كانت المركبة الفضائية فوياجر-1 تغادر جوارنا الكوكبي، أشار عالم الفلك والكونيات المميز كارل ساغان إلى أن مهندسي ناسا جعلوا المركبة تدور لتلقي نظرة أخيرة على الأرض عن بعد 6.4 مليار كيلومتر. وتظهر الأرض في الصورة المُلتقطة كنقطة صغيرة من الضوء "نقطة باهتة زرقاء" كما دُعيت بعد ذلك، واحتلت حجماً يقدر بـ 0.12 بكسل فقط من الصورة.

وفي الحوار العقلي الذي تلا ذلك، أثار كارل ساغان نقطة عميقة: "تظاهُرنا وأهمية ذواتنا التي نتخيلها، والوهم بأننا نملك موقعاً ذا امتيازٍ في الكون، كل ذلك تتحداه هذه النقطة ذات الضوء الباهت، فكوكبنا هو مجرد نقطة وحيدة بالغة الصغر في عين الظلام الدامس الذي يلف كوكبنا".

ولأننا محكومون مسبقاً بحياتنا اليومية وطموحاتنا الأرضية، من السهل أن ننسى أننا نحيا في كونٍ يمتد بعرض 93 مليار سنة ضوئية (مع أخذ التوسع الكوني بعين الاعتبار)، ففي التريليوني مجرة في الكون المرصود، يفوق عدد النجوم حبات الرمال الموجودة على جميع شواطئ كوكب الأرض. وببساطة، لم تتطور عقولنا بحيث تتمكن من إدراك مثل هذه الآفاق الكبيرة والمستويات الضخمة.

ومع ذلك، هنالك كون كامل ينتظر رصده واستكشافه. وعالمياً، حثت هذه الفكرة عدداً من المؤسسات الخاصة والحكومية لتقود أبحاثاً في الفيزياء الفلكية وتكنولوجيا المركبات الفضائية، إضافةً إلى وضع خطط للهيمنة على كواكب داخل نظامنا الشمسي.

إلا أن الوصول إلى الفضاء والعيش هناك، والسفر عبر مسافات فلكية، يبقى من إحدى التحديات الهندسية الكبرى التي نواجهها. إذاً، أين نحن من سعينا لاستكشاف الكون.


أبرز ما يخص اخبار الفضاء في العام 2016 


لا نقص في أخبار استكشاف الفضاء، إذ شهد هذا العام بمفرده العديد من الإنجازات، بما في ذلك وصول المسبار الفضائي العميق جونو juno إلى المشتري، والهبوط الناجح للصواريخ التي يمكن إعادة استخدامها من Space X، ولم يمض زمنٌ على طباعة أول أداة (مفتاح ربط) طباعة ثلاثية الأبعاد في الفضاء.


إن برامج الفضاء العالمية في نمو متزايد حول العالم أجمع، وهناك وكالات على مستوى عالمي في روسيا والهند واليابان والصين والإمارات العربية المتحدة وغيرها، كما أن الوكالات الحكومية -كناسا- ليست الوحيدة التي بإمكانها أن تجعل من المشاريع الاستكشافية واسعة النطاق أمراً ممكناً، إذ أننا نشهد تخصصاً متزايداً في ميدان استكشاف الفضاء.


ففي آذار/مارس، اختارت ناسا مقترحات لأبحاث وتقنيات من أكثر من 100 شركة، بعقود قدرت قيمتها الإجمالية بـ 100 مليون دولار، كجزء من برنامج الأعمال الصغيرة في الأبحاث المبتكرة. وتثبت العديد من الشركات الناشئة وجودها وتوظف أموالها في هذه الصناعة، حيث أنها تقدم المزيد من الحلول المبتكرة في رحلات الفضاء.


وفي الوقت الذي يتابع فيه الفيزيائيون الفلكيون الإدراك الأفضل لطبيعة الكون، يحسن المهندسون ورواد الأعمال من معدات استكشاف الكون. يطلق رواد الأعمال الخياليون (كإيلون ماسك Elon Musk وريتشارد برانسون Richard Branson وجيف بيزوس Jeff Bezos) مشاريع تتضمن أعمالاً بطوليةً ممتعةً ابتداءً من السياحة الفضائية وحتى الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام، وفيما يلي بعض قصص 2016 الكبيرة في استكشاف الفضاء:

 

  1. مسبار جونو الفضائي يستطلع اعالي غيوم المشتري
    فعلى الرغم من كونه الكوكب الأكبر في نظامنا الشمسي، إلا أن هناك العديد من التساؤلات التي ينبغي الإجابة عنها حول المشتري. ففي الرابع من حزيران/يونيو، دخلت المركبة الفضائية جونو بنجاح مدار الكوكب الغازي، وقد كلفت الرحلة التي استغرقت خمس سنوات ما يفوق مليار دولار، واعتبرت إحدى أصعب المشاريع التي أنجزتها ناسا.


    إذ يمكن لتحليل المشتري عن قرب أن يقدم وجهات نظر جديدة عن نشوء نظامنا الشمسي. وعلاوة على ذلك، أصبحت جونو المركبة الفضائية الأولى على الإطلاق التي تقطع أبعد مسافة مستخدمة الطاقة الشمسية، الأمر الذي يعطي دافعاً لابتكار ألواح شمسية تستخدم في الرحلات لاستكشاف المناطق البعيدة من نظامنا الشمسي. وبالرغم من بعض مواطن الخلل في الأجهزة والتي قد تؤثر على طول البعثة، فقد بدأت جونو بإرسال الصور والبيانات إلى الأرض.
     
  2.  أخيرا: استكمال بناء خليفة تلسكوب هابل الفضائي
    موجية أكبر من تلك التي بإمكان تلسكوب هابل تغطيتها، سنغدو قادرين على الرجوع في الزمان والمكان أكثر مما مضى، فالرجوع إلى المراحل الأولى من الكون هو تحدٍ كما يبدو تماماً. 

    وكالعديد من أمثاله في هذا المجال، عانى مشروع جيمس ويب من مشاكل الميزانية والجدول الزمني، فقد كلف أربعة أضعاف ما كان مُقترحاً مبدئياً، وتأخر عن جدوله الزمني بمدة لا تقل عن سبع سنوات.

    على الرغم من هذه المعوقات، فقد تم تثبيت قطعة المرآة الرئيسية النهائية للتلسكوب في شهر شباط/فبراير، وأصبح التلسكوب مكتملاً في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، ومن المقرر إطلاقه في شهر تشرين الأول/اكتوبر من العام 2018.


  3. سبيس إكس تجعل استرداد الصواريخ يبدو أمراً روتينياً
    تهدف شركة سبيس إكس التي يمولها إيلون ماسك إلى تخفيض تكاليف النقل الفضائي واستكشاف الفضاء، وتهدف في النهاية إلى تمكين الإنسان من العيش على كواكب أخرى. وقد أنجزت الشركة المنتجة للصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام Falcon 9 أعمالاً مذهلةً هذا العام.

    فقد استردت سبيس إكس خمسة صواريخ هذا العام (وبلغ إجمالي ما استردته حتى تاريخه ستة صواريخ)، حيث حطت أربع من هذه الصواريخ على منصات هبوط آلية (يمكن التحكم بها عن بعد) في عرض البحر، وهي مهمة أصعب بشكل ملحوظ من الهبوط على منصة إطلاق على اليابسة. فالهبوط البحري هو أمر ضروري إذا كان على سبيس إكس إرسال صواريخ يمكن إعادة استخدامها إلى عدة مدارات مختلفة.



    وعلى الرغم من بعض الإنجازات المذهلة والجميلة هذا العام، فإن الوصول إلى الفضاء باستخدام صواريخ كيميائية لا يزال عملاً خطيراً، إذ انفجر صاروخ سبيس إكس على منصة الإطلاق في شهر أيلول/سبتمبر -وهو الفشل الثاني من نوعه في غضون عامين- الأمر الذي أدى إلى تأخيرات وتحقيقات مطولة.

    ومع ذلك، تابعت سبيس إكس الابتكار وفي كل محاولة تقترب من أهدافها، وتتضمن الخطوات القادمة إطلاق صواريخ يمكن استردادها وإعادة تجديدها واستخدامها. 

    في حين قامت شركة بلو أوريجن التابعة لجيف بيزوس، والتي تعمل أيضاً لتجعل من الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام أمراً روتينياً، بإطلاق صواريخ قابلة للتجديد وإعادتها من أماكن دون مدارية وإعادة الاستخدام، عدة مرات في عام 2006.

  4. استعمار المريخ، ماسك يكشف عن نظام نقل بين الكواكب
    هل بإمكاننا العيش على كوكب آخر؟ حسناً، في شهر أيلول/سبتمبر كشف ماسك النقاب عن نظام سبيس إكس للنقل بين الكواكب ITS، إضافةً لهدفه بتأسيس مستعمرة بشرية على المريخ.

    حيث ستنطلق مركبات فضائية مدفوعة بأقوى الصواريخ في العالم، وستقل كل سفينة فضائية 100 شخص إلى الكوكب الأحمر وستقوم بـ 12 رحلةً على الأقل. وصرح ماسك: "نحن نبحث عن سبل نقل الإنسان إلى المريخ وبناء مدينة ذات اكتفاء ذاتي، ليصبح جنسنا البشري متعدد الكواكب، أي يعيش على أكثر من كوكب". 

    بالطبع، هناك العديد من التحديات التي علينا معالجتها قبل أن يصبح المريخ قابلاً للسكن، بما في ذلك تطوير مصادر مقبولة للغذاء والمياه والحماية من الإشعاع، وأحد النقاط الهامة التي أشار إليها ماسك، أنه وفي النهاية، سيعتمد مثل هذا المشروع على التعاون العام والخاص. فاستكشاف الفضاء هو -وبشكل لا يمكن إنكاره- اختبار لقدرتنا على التعاون كأنواع.

     
  5. مركبة فضائية مصغرة بين النجوم مع اختراقات للنجوم الساخنة
    إن السفر إلى كوكب آخر ضمن نظامنا الشمسي هو تحدٍ كبير، أما السفر إلى أنظمة شمسية أخرى هو أمر أصعب بأضعاف مضاعفة. لذلك، فإن إحدى التحديات الأساسية في السفر الفضائي هو تطوير مركبة فضائية بإمكانها الانتقال بسرعة كافية لتغطي المسافات الكونية الهائلة، إذ أن الصواريخ الحالية ببساطة بطيئة جداً وثقيلة لتتمكن من الوصول إلى النجوم خلال الإطار الزمني البشري. وأحد الأهداف الأساسية للمشاريع المستقبلية، هو تطوير أنظمة دفع فضائية بديلة.

    في نيسان/أبريل من هذا العام، صرح كل من مستثمر الإنترنت السخي تجاه العلم يوري ميلنير Yuri Milner وعالم الفيزياء ستيفن هوكينغ Stephen Hawking، بأن مشروع ستارشت التابع لمبادرات الاختراق Breakthrough Starshot، سيضم مركبة فضائية مصغرة بدفع بديل لتقوم البشرية بمحاولتها الأولى للسفر عبر النجوم. 

    وهدف مشروع الـ 100 مليون دولار هو اكتشاف كيفية استخدام ليزر وشراع ضوئي لتسيير مركبة نانوية بوزن من رتبة الغرام، بسرعة تصل حتى 20% من سرعة الضوء، وستحمل هذه المسابر الفضائية الفعالة رقائق مزودة بكاميرات، ودفعاً فوتونياً، ومصادر طاقة، وأجهزة اتصالات.

    بإمكان مثل تلك المركبة الفضائية الوصول إلى النظام النجمي الأقرب المجاور لنا، وهو القنطور الأكبر (Alpha Centauri)، في غضون 20 عاماً من الإطلاق.



    وبالطبع، ما يزال هناك الكثير من الأعمال التي ينبغي القيام بها ليغدو ذلك حقيقة، ولكن اتجاهاً واحداً من الواضح أنه لصالح المشروع، ففي السنوات الأخيرة، أصبحت المركبات الفضائية تصنع بحجم أصغر وكلفة أقل، ويعود الفضل في ذلك إلى التصغير المستمر والتكاليف المنخفضة لأجهزة الاستقبال عالية الجودة ورقاقات الكمبيوتر.

    وعلى حد تعبيرهم، تهدف مبادرات الاختراق إلى دفع البشرية إلى الأمام، والإجابة عن التساؤلات من قبيل (هل نحن لوحدنا؟ هل هناك عوالم قابلة للسكن في جوارنا المجري؟ هل بإمكاننا إجراء قفزة كبيرة نحو النجوم؟ وهل بإمكاننا التفكير والعمل سوياً كعالم واحد في الكون؟).

الآفاق الأخيرة

سواء كان علينا توسيع الإدراك البشري للكون أو تعزيز قدراتنا التقنية للسفر الفضائي، تبقى النتيجة النهائية طويلة الأمد، هي الاندفاع خارج الأرض وتعميق إدراكنا عن الكون بأسره.

و يبقى الفضاء هو الأفق الأخير، فالذهاب إليه هو أمر باهظ الثمن وخطير وشاق. لكن علينا ألا ننسى كم من الأشواط قطعنا منذ غادر أسلافنا الأوائل أفريقيا منذ 200000 سنة مضت، وتعلموا كيفية البقاء على قيد الحياة، وازدهروا وعاشوا تقريباً في كل مكان على الأرض.

لكل مشكلة حل، ومع ذلك نحن لا نحيا في عالم مثالي، فالبشر استثنائيون في دفع حدود تطورهم. وعلى حد تعبير نيل ديغريس تايسون: "أن تفعل ما لم يفعله أحد من قبل هو أمر مغرٍ فكرياً، سواء كان ذلك قابل للتطبيق أم لا".

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات