تشابه إحدى قوى الطبيعة في مجرة بعيدة مع مثيلتها على الأرض!

هل قوانين الفيزياء شاملة للكون؟


تمكن علماء الفلك بنجاح من قياس إحدى القوى الأساسية الأربع في الطبيعة -الكهرومغناطيسية- وذلك باستخدام ضوء قادم من نجم زائف (كوازار quasar) يعرف بـ HE0515-4414، حيث عبر من خلال سلسلة من المجرات البعيدة في طريقه ليصل إلينا منذ ما يقارب الـ 8.5 مليار سنة.

ولدى تفحص القوة الكهرومغناطيسية داخل هذه المجرات ومقارنتها بمثيلتها هنا على الأرض، عثر الفريق على الدليل بأن القوة الكهرومغناطيسية هي نفسها في كل مكان في كوننا، ما يشير فعلياً إلى أنها من ثوابت الطبيعة.

والكوازار هي المنطقة المحيطة بالثقب الأسود فائق الكتلة التي تُنتج اندفاعات طاقية شديدة الإشعاع ومفعمة بالطاقة حين تتداعى الكتلة من المجرة المحيطة به داخل الثقب الأسود. ويعتبر الكوازار HE 0515-4414 أحد أكثر الكوازارات التي شوهدت إشعاعاً على الإطلاق، ما يعني أن بإمكان الباحثين استخدامه كشعلة -أو بشكل أكثر دقة، ككود للمسح الكوني- ليشع عبر المجرات الفاصلة بينه وبين الأرض ويلقي الضوء على كيفية عملها.

أحد الأمور التي تثير اهتمام الباحثين على وجه الخصوص هي كيفية عمل القوى الأساسية الأربع في الطبيعة في الأماكن القصية من الفضاء. وهذه القوى الأربع هي: الجاذبية والكهرومغناطيسية والقوى النووية القوية والضعيفة.

والقيم الدقيقة لهذه القوى الأساسية على درجة كبيرة من الأهمية لإمكانية وجود الحياة على الأرض، وقد افتُرض عموماً أنها نفسها عبر الكون. ولكن من الصعب تأكيد ذلك، لأنه لا يمكننا دراستها بالشكل المناسب إلا على الأرض.

وبالنسبة للدراسة الجديدة، استخدم الفريق من جامعة سوينبورن Swinburne University في أستراليا ومن جامعة كامبردج University of Cambridge في المملكة المتحدة كوازار للنظر إلى مجرة تبعد عنا 8.5 مليار سنة ضوئية، ولمشاهدة فيما إذا كانت تعمل بالطريقة نفسها التي تعمل بها على كوكبنا.

ويوضح مايكل ميرفي Michael Murphy، أحد أعضاء الفريق من جامعة سوينبورن: "تحدد الكهرومغناطيسية تقريباً كل ما يتعلق بعالمنا اليومي، كالضوء الذي نتلقاه من الشمس، وكيفية مشاهدتنا للضوء، وكيف ينتقل الصوت عبر الهواء، وحجم الذرات وكيفية تفاعلها". ويضيف: "ولكن لا أحد يعلم سبب امتلاك القوة الكهرومغناطيسية للقوة التي لديها وفيما إذا كان ينبغي أن تكون ثابتة، أو متغيرة، ولماذا".

استخدم الفريق السبيكتوغراف (الذي يعرف عادةً بالمساطر الضوئية light rulers) على متن التلسكوب الكبير جداً VLT في المرصد الأوروبي الجنوبي ESO، وتلسكوب بقطر 3.6 متر في تشيلي لقياس نماذج من الألوان داخل ضوء الكوازار.

ويقول المؤلف الرئيسي سردان كوتوز Srđan Kotuš، من جامعة سوينبورن كذلك: "السبيكتوغراف أو المسطرة الضوئية الموجودة في التلسكوب الكبير جداً غير دقيقة إلى حد ما، فهي مسطرة عالية الجودة لقياس الضوء، إلا أن الأرقام على هذا المسطرة منحرفة قليلاً. ولذلك لإجراء أفضل القياسات، استخدمنا السبيكتوغراف العائد للتلسكوب ذي القطر 3.6 متر كذلك للحصول على أرقام عالية الدقة".

وتمكن الفريق من استخدام هذه الأدوات لقياس كيفية تغير الضوء القادم من الكوازار حين مروره عبر المجرات في طريقه نحو الأرض، الأمر الذي أظهر مقدار القوة الكهرومغناطيسية في هذه المجرات البعيدة. ومن ثم قاموا بمقارنة هذه الأرقام مع تلك التي عُثر عليها بكثرة في درب التبانة -بشكل متصالب- وكأنهم قاموا بفحص عدة شيفرات ومقارنتها مع بعضها. 


ولتمثيل ذلك بشكل أفضل، تمعّن في هذا الفيديو الذي صنعه الفريق:



 

فكما تشاهد، تتم فلترة الضوء القادم من الكوازار بواسطة المجرة، لتعطي صوراً عن مقدار القوة الكهرومغناطيسية هناك.

ويوضح كوتوس: "ويخبرنا نموذج الألوان عن مقدار القوة الكهرومغناطيسية هناك في تلك المجرة، ولأن الكوازار هو أحد أكثر الأجسام المعروفة إشعاعاً، كنا قادرين على إجراء أفضل القياسات دقة حتى الآن".


ووجدوا في النهاية أن القوة الكهرومغناطيسية في المجرة البعيدة هي نفسها هنا على الأرض، الأمر الذي يشير إلى أن الباحثين كانوا محقين في شكوكهم في أن القوة الكهرومغناطيسية هي من ثوابت الطبيعة.

يضيف كوتوس: "لقد وجدنا أن القوة الكهرومغناطيسية في هذه المجرة كانت مماثلة لتلك التي على الأرض بمقياس يعادل واحد من مليون- وهو تقريباً النسبة بين عرض شعرة الإنسان إلى حجم إستاد رياضي".

 

 في حين لاريب أن هذا الاكتشاف يساعدنا في فهمٍ أفضل لقوة أساسية، إلا أنه لا يزال لدى الفريق العديد من الأسئلة، كالسبب الكامن وراء كونها قوة ثابتة في المرتبة الأولى؟ وكيف حدث وأن أصبحت كذلك؟ ويضيف ميرفي: "بالنسبة لي، إن اكتشاف أن القوة الكهرومغناطيسية هي قوة ثابتة على مدار أكثر من نصف عمر الكون أمر يزيد اللغز غموضاً، لم الأمر على هذه الصورة؟ حتى الآن نحن لا نعلم السبب".

ويضيف: "إنه لأمر ملحوظ أن المجرات البعيدة تعطينا سبراً دقيقاً لمثل هذا السؤال الجوهري. ومن خلال بناء تلسكوبات أكبر حجماً الآن، سنكون قادرين على اختبارها بشكل أفضل كذلك في المستقبل القريب".

والأمر الذي يدعو إلى التفاؤل، حين يتوصل العلماء إلى المزيد من المعدات الدقيقة والمتطورة، سيتمكنون من الإجابة عن بعض هذه الأسئلة الجوهرية، الأمر الذي سيعطينا جميعاً فهماً أفضل لكوكبنا، والنظام الشمسي، والكون على نطاق كبير.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات