اكتشف الكيميائي ومصمم الأدوات دون ديفيد Don David في معهد البحوث المشترك لعلوم البيئة Cooperative Institute for Research in Environmental Sciences (CIRES) بالتعاون مع زميليه ديف بابز Dave Pappas وشيان ووه Xian Wu من المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا National Institute of Standards and Technology (NIST) في سبتمبر/أيلول الفائت تركيبةً معدنيّةً ثابتةً جديدةً فائقة الناقلية في درجات الحرارة العادية، ممهدةً الطريق إلى خطواتٍ حاسمةٍ باتجاهِ تطويرِ وتحديثِ الحواسيبِ الفائقة.
نشر ديف وزميلاه هذه الوصفة الجديدة الّتي تتكوّن من طبقةٍ رقيقةٍ جداً من الرينيوم محصورةٍ بين طبقتين من الذّهب، تقدّر سماكة كلّ منها بـ 1/1000 من قطر شعرة الإنسان، عندها ستعمل كناقلٍ فائقٍ في درجات الحرارة الأعلى من 6 كالفن.
وقال دون ديفيد وهو مدير مركز CIRES لتطوير الأدوات المتكاملة والمؤلّف المشارك في الورقة البحثية التي نُشرت في مجلة أبلايد فيزيكس ليترز Applied Physics Letters: "لقد كانت القيمة الكبيرة لدرجة الحرارة الحرجة غير متوقعةٍ. كنّا نفكّر لفترةٍ طويلةٍ بطرقٍ مختلفةٍ لنقل الخصائص فائقة الناقلية لأغشية الذّهب والنّحاس، وقد فوجئنا بمدى فاعليّة وقوّة هذه الطّبقات الرّقيقة المطليّة كهربائيًّا".
الناقل الفائق هو مادةٌ ذات مقاومةٍ معدومةٍ عندما تُبرَّد إلى درجة الحرارة الحرجةِ، وعادةً ما تكون درجة الحرارة هذه منخفضةً ومكلفةً بشكلٍ كبيرٍ، إلّا أنّ صفائح الرينيوم الكهربائيّةِ الجديدةِ تعطي الخصائصَ المثاليّة والمطلوبةَ لاستخدامها في دارات الحواسيب الفائقة، وسيتميّز الجيلُ القادمُ من الحواسيب الفائقة بسهولة الوصول إلى ناقليةٍ فائقةٍ ضمن درجات حرارةٍ حرجةٍ أقل بالإضافة إلى سهولةِ العمل الميكانيكي، كما أنّها غير سامّةٍ مع إمكانيّة الذّوبان في درجات الحرارة العالية، إذ تجذب هذه النتائج انتباهَ عمالقةِ الحوسبةِ في العالم.
الطلاءُ الكهربائيّ هو عملية تمرير تيارٍ كهربائيٍّ من خلال محلولٍ مائيّ للمعدنِ المذاب لإنشاء طلاءٍ معدنيّ على جسمٍ مغمور، وهو ما يفعلهُ ديفيد يومياً تقريباً، وهناك طلبٌ كبيرٌ على عمل ديفيد في مجتمع الأبحاثِ إذ يدعمُ هو وفريقهُ العلومَ من خلال تصنيع أدواتٍ مثل البصرياتِ ذات الجسيماتِ المشحونةِ charged-particle optics ومكوناتِ الأنظمةِ المستخدمةِ في فيزياءِ درجاتِ الحرارةِ المتدنيةِ cryogenics وتطبيقاتها، وفي الحالة السابقة ستُستَخدم في لوحات الدارات الكهربائية للمعهد الوطني للمعايير والتقنية.
بحث الفريق عن طلاءٍ معدنيّ ليكون موصلاً فائقاً خاصاً بمجموعة باباز للمعالجةِ الكموميّة في المعهد الوطني، إلّا أنّ محاولاتِ الفريقِ باءت بالفشل مع استخدام العديدِ من المركّبات المختلفةِ للمعادنِ، ثم وفي أحد الأيام، اقترح زميل ديفيد في المعهد الوطني شيان ووه محاولةَ تجربةِ الرينيوم وهو المعدنُ الصلبُ الّذي يحتوي على نقطةِ انصهارٍ عاليةٍ، وغالباً ما يُستخدم في بناءِ توربينات المحركاتِ النّفاثة.
اختبر الفريق المقاومةَ الكهربائيةَ وكانوا سعداءَ برؤيتها فائقةَ التوصيلِ حتّى درجة حرارةِ 6 كالفن، أي أعلى بكثير من درجة حرارة غليانِ الهليوم السّائل (4.2 كلفن)، ويتحقق الفريق الآن من عمليّة دمج الهيدروجين والواجهات والضّغط في درجة حرارة فائقة الناقليّة المعزّزة، ولكن مهما كان السّبب وراء هذا التحسّين، فإن القدرة على طلاء النّواقل الفائقةِ كهربائيّاً تُعتبر خطوةً كبيرةً باتجاهِ إنشاءِ الحواسيب فائقة النّاقلية ذات الأداء العالي جداً.
يتواجد في داخل كل حاسب لوحةٌ كهربائيّة وهي عبارة عن لوحٍ خشبيٍ متعددِ الطبقاتِ محفورٍ بآلاف المسارات الكهربائيّة، والّتي بدورها تنقل الّنبضات الكهربائيّة الحاملة للمعلومات والّتي تدعى بالبت Bits عبر الّلوح ممّا يسمحُ للحاسبِ بأن يقوم بوظائفهِ المتعدّدة، ولكن المادة الكهربائية المكونة لهذه المسارات في أجهزة الحاسب العاديّة تعيق مرورَ النّبضات الكهربائيّة، حيث تعملُ المقاومة الكهربائيّة الخاصّة بالمسارات على إبطاءِ حركةِ الإلكترونات عبر الّلوح، وبالتّالي ستنتج طاقةٌ مهدورةٌ بسبب الحرارة الناتجة عن المقاومةِ، لكن باستخدام موادَّ فائقةِ الناقليّة ستنعدم الحرارة النّاتجة عن المقاومة الكهربائيّة ضمن المساراتِ، وبالتّالي الحصولُ على أنظمةٍ أقوى وأعلى كفاءةً.
لا تُعتبر الموادُّ فائقة الناقليّة تقنيةً جديدةً إلّا أنّ الورقة البحثيّة تقدّم دليلاً على أنّ الرينيوم المطلي قد يكونُ أفضلَ مادةٍ عُثِر عليها حتّى الآن لبناءِ بنيةٍ حاسوبيّةٍ فائقةِ النّاقلية، إذ يصعب العمل على العديد من الموادِّ الأخرى فائقة الناقليّة مثل الزئبق أو الرّصاص حيث أنّها تمتلكُ خصائصَ ميكانيكيّةً ضعيفةً كخصائصِ الّلحام الضّعيفة أو الذّوبان في درجات حرارةٍ منخفضةٍ جدّاً، ويصرّح ديفيد بإمكانيّة توسيعِ نطاقِ عمليّة الطّلاء الكهربائيّ من أجل زيادة كثافة الإنتاج، وقد تقدّم الفريقُ للحصولِ على براءةِ اختراعٍ مؤقّتةٍ وقد أثارت أعمالهم بالفعلِ اهتمامَ العديدِ من عمالقةِ التكنولوجيا في العالم.