في إفريقيا: تلوث الهواء يضاهي الإيدز في عدد الضحايا

يلقى وباءا الملاريا والإيدز اهتمامًا كبيرًا من منظمات الصحة العالمية في أفريقيا، فيما يبقى قاتلٌ أكثر تسللًا وأكثر خطرًا حرًّا وبعيدًا عن الأنظار، إذ يُعدّ تلوث الهواء القاتل الأول في القارّة الآن، وذلك حسب دراسةٍ حديثةٍ جاريةٍ. وكانت سوزان باور Susanne Bauer، المنتسبة لمعهد الأرض Earth Institute القائم على صياغة تركيبة الغلاف الجوي للأرض بمعهد غودارد لدراسات الفضاء Goddard Institute for Space Studies بناسا، قد قدّمت نتائج الأبحاث المتوصل إليها في ملتقى للاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي American Geophysical Union في شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 2017.

يعمد المزارعون غالبًا إلى إضرام النار في الحقول الزراعية لتنقيتها وتطهيرها، لكن هذه الممارسة تزيد من تلوث الهواء. توضح هذه الصورة رجلًا يشعل حريقًا في حقلٍ بلويزيانا. تصوير: Chloe Gao
يعمد المزارعون غالبًا إلى إضرام النار في الحقول الزراعية لتنقيتها وتطهيرها، لكن هذه الممارسة تزيد من تلوث الهواء. توضح هذه الصورة رجلًا يشعل حريقًا في حقلٍ بلويزيانا. تصوير: Chloe Gao


إن الانتشار الواسع لممارسة حرق بقايا المحاصيل الزراعية في المنطقة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى بالقارة الإفريقية يساعد على إزالة بقايا الحصاد من الحقول إضافةً إلى تخصيب التربة وتسميدها. حيث توضح باور في مداخلة لها: "إن معالجة الحقول بالنار بعد موسم الحصاد أمرٌ رخيصٌ جدًا". ولكن حيث توجد النار، يوجد الدخان. تحرّر هذه الممارسة جزيئاتٍ دقيقةً في الهواء بإمكانها إيذاء صحة الإنسان، وتُطلق المنطقة سالفة الذكر ما يُقارب ثُلث انبعاثات الكتلة الحيوية الناجمة عن الحرائق على الكوكب، وقد عملت باور وزملاؤها على التعرف أكثر على أصول هذه الجزيئات، وتركيبها الكيميائي، وآثارها الصحيّة.

القاتل الأكبر:


استخدم الفريق نموذجًا مناخيًّا وبيانات الأقمار الصناعية لتحديد المكان الذي تقع فيه عملية حرق الكتلة الحيوية، واقتفوا آثار الحرائق عبر تتبع الدخان الصادر عنها، ثم درسوا توزّع الغازات والجزيئات الضارّة الناجمة عن مصادر أُخرى، كالصناعة والطبيعة، بعدها أضافوا المعلومات المستقاة إلى نموذجٍ صحيٍّ اقتصاديٍّ لتقدير تأثير كلٍّ من أنواع التلوث تلك على طول أعمار الضحايا. وقد أخذَ النموذج بالحسبان عواملَ محدّدةً من مثل الكثافة السكانية، والتوزع العمري، وعوامل الخطورة الناجمة عن أمراض أخرى.

تقدّر باور وزملاؤها أن المتسبب الأول في الوفيات جراء التلوث الهوائي في إفريقيا هو عاملٌ مدهشٌ ومفاجئٌ، حيث تفيد الباحثة: "إن القاتل الأكبر في تلك القارة هو الطبيعة، وذلك بسبب مصادر الغبار والأتربة العملاقة حول الصحراء".

تستطيع الجزيئات التي يقل حجمها عن 2.5 ميكرون، أي ما يُقارب نصف حجم خلية الدم الحمراء، الاستقرار في الممرات الهوائية للإنسان. ما تزيد مخاطر الإصابة بسرطانات الرئة، والنوبات القلبية، وأمراض الرئة، والسكتات الدماغية (الجلطات)، وأمراض القلب، وغيرها.

قدّر الفريق أن غبار الصحراء والملوثات الطبيعية الأخرى تتسبب بموت 1.2 مليون إفريقي في سن مبكرة كلّ سنة. وهذا أكثر مما يفعله فيروس الإيدز الذي يودي بحياة ما يُقارب 760 ألف إفريقي كمعدل وسطي كل سنة.

بحلول سنة 2015، أُزيح الإيدز من مرتبة المسبب الأساسي للوفاة في إفريقيا، إذ استُبدل بالإصابات التنفسيّة على غرار الالتهاب الرئوي والتهاب القصبات الهوائية التي تودي بحياة مليون شخص إفريقي سنويًا. وبهذه التقديرات يحوز تلوث الهواء الصحراوي مركز القاتل الأول في إفريقيا. علاوةً على هذا، تقترح بعض الدراسات أن بعضًا من أنواع الإصابات التنفسية مرتبطةٌ بتلوث الهواء.

مخاطر أُخرى:


أتت الانبعاثات الصناعية والعمرانية ثانيةً في قائمة المصادر القاتلة لتلوث الهواء، حيث تقضي على حياة 324 ألف شخصٍ سنويًا وفقًا لتقديرات الفريق. كما أن الغازات المنبعثة من السيارات والمصانع كالأوزون، وأول أكسيد الكربون، وأكسيدات الكبريت، والكبريتات، إضافة إلى هباب الفحم، والكربون العضوي، كلّها كانت غالبًا سببًا في التلوث. حيث يُعتبر التلوث بشريّ المنشأ السبب الرئيسي في أمراض التهاب السحايا والملاريا القاتلة في إفريقيا.

وعلى الرغم من أن حرق الغابات والحقول يخلق الكم الأكبر من الملوثات الهوائية حسب الدراسة، إلا أن هذه الممارسة قد أُجريت في مناطق ذات كثافةٍ سكانيةٍ منخفضةٍ. ونتيجةً لذلك، يمكننا القول إن هذه الأخيرة (ممارسة حرق الكتلة الحيوية) تحتل المرتبة الثالثة بين أكبر المصادر القاتلة للتلوث الهوائي، حيث تؤدي سنويًا إلى 70 ألف حالة وفاةٍ مبكرةٍ بشكلٍ تقديريٍّ.

ما يُعاب على هذه الدراسة، كما تقول باور، هي أن الفريق افترض أن لكل أنواع الجزيئات الدقيقة معدّل السميّة نفسه. من المرجّح ألّا ينطبق ذلك على أرض الواقع، بيد أن العلماء لا يعرفون الكثير عن تأثيرات تلك الجزيئات الخاصّة على معدلات ونسب الوفاة الانسان.

نحو وعيٍّ وإدراكٍ متزايدَين:


تقول باور: "أعتقد أنه لأمرٌ صادمٌ حقًا أن تكون معدلات الموت نتيجة تلوث الهواء مساويةً لمعدلات الموت بمرض الإيدز. هنالك العديد من المبادرات الساعية لمحاربة الإيدز والملاريا، لكن محاربة التلوث الهوائي لا تحظى بنفس القدر من الأهمية في القارة الإفريقية".

قد تكون صعوبة التحديد الدقيق لحالات الموت المبكر جرّاء التلوث الهوائي سببًا في غموضها، فمن غير الممكن تشخيصها كمَرَضَي الملاريا والإيدز. وقد تظهر الآثار السلبية لهذا التلوث بطرقٍ شتّى ومتفاقمة وبمسببات عديدة. حيث تضيف باور: "لا أظن أن المجتمع قد فهِمَ مدى خطورة هذا الأمر".

هذا وقد قدّرَ الفريق أن القيام بإجراءات كتقليل التلوث من المصادر الصناعية، وتطوير تقنيات إدارة الأراضي، وتوزيع الأقنعة الواقية، وإبلاغ الناس حول مخاطر الزوابع الغُبارية، من شأنه حماية حياة 350 ألف شخصٍ كلّ سنة.

إن معالجة التلوث الهوائي في إفريقيا ليست بالأمر السهل، حيث تواجه العديد من الدول والأمم حاليًا تحدياتٍ سياسيةً، واقتصاديةً، واجتماعيةً فعليّةً علاوةً على المشاكل الصحيّة الأخرى المعروفة، ولكن الوعي بأخطار هذا التلوث وإدراكها بدأ يتزايد، وهذا بمثابة الخطوة الأولى نحو حل المشكلة.

يعكف الفريق على إعداد هذه الدراسة لتقديمها في مجلّةٍ محكمةٍ، وهذه بعض أسماء المساهمين في البحث مثل: ألاس إم Ulas Im من جامعة آرهوس Aarhus University، وكيرين ميزومان Keren Mezuman وهي طالبة دراسات عليا في لامونت Lamont

سارة فييتشت Sara Fecht معهد الأرض Earth Institute.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات